يسودون لأنهم يفرِّقون

نشر في 17-05-2008
آخر تحديث 17-05-2008 | 00:00
 ضاري الجطيلي يتساءل بعضنا عن أسباب تسيد التيار الديني خلال الثلاثين سنة الماضية واستحواذه على عدد من مؤسسات الدولة على الرغم من كل ما يقال في انتقاده. وقد تتشعب الإجابة عن هذا التساؤل إلى قضايا عدة؛ كنتائج نكسات التيار القومي وتحالف السلطة مع التيار الديني، ولكن سوف أركز على التزامن ما بين انفراد السلطة بتقسيم الدوائر الانتخابية إلى 25 عام 1981وبين تثبيت التيار الديني أقدامه في مجلس الأمة كأهم مؤسسة من مؤسسات الدولة.

يشترك طرفا هذا التزامن بقيامهما على مبدأ «فرِّق تسُد»، فالسلطة أرادت تقسيم الناس في الدوائر على حسب الانتماء القبلي والطائفي حتى ينشغلوا في اختلافاتهم ويسهل عليها التأثير في الانتخابات لتنتج مجلساً لا يعبر عن إرادة الأمة، والتيار الديني اقتنص فرصة تلك الاختلافات فعوّل على الطرح الطائفي لتحميس طائفة ضد أخرى، وانخرط مرشحوه في الانتخابات الفرعية أو على الأقل طرحوا طرحاً قبلياً لاستغلال دعم قبائلهم ومن ثم نسبوا النجاح إلى التيار الديني، والأدلة على أن نجاح التيار الديني مرهون برسوخ التفرقة بين الناس كثيرة وآخرها انتظار السلف والإخوان إلى حين إعلان نتائج الانتخابات الفرعية قبل الإعلان عن نتائجهم، والتي أسفرت عن سقوط مرشحي الإخوان المسلمين (حدس) القبليين في فرعيات الدائرتين الأولى والخامسة.

ولا يقف استغلال التيار الديني لمبدأ «فرّق تسُد» على خوض الانتخابات، بل يتجاهل التيار قضايا التنمية والإصلاح والتطور، ويتبنى القضايا التي تفرق الناس. والأمثلة كثيرة كإخضاع دين الدولة ومناهج التربية الإسلامية ووزارة الأوقاف وكلية الشريعة لقواعد المذهب السني، ما يعني إقصاء الأقليات كالشيعة والمسيحيين والديانات والمذاهب الأخرى التي تحتضنها الكويت، ولعل آخر تلك الأمثلة هو إقرار قانون فرض الزكاة الذي تسيده نواب التيار الديني السني ورسخ التعصب الطائفي الموجود واقعاً، والانتهازية التي مارسوها في ضرب النواب الشيعة وقواعدهم على خلفية تأبين الإرهابي عماد مغنية وامتداد «حزب الله» في الكويت، على الرغم من أن نواب التيار الديني السني مجدوا «حزب الله» الذي ينتمي له مغنية أثناء حرب لبنان قبل عامين، وهم أنفسهم يمجدون إرهابيي «القاعدة» والإخوان المسلمين ولا ينكرون ولاءهم وتبعيتهم الفكرية لهم.

إن الاختلاف في الفكر السياسي والاقتصادي لا ضير فيه لأنه انتماء مكتسب من تجارب حياتية وخاضع للحجج والإقناع، بينما الاختلاف العقائدي قائم على موروث وهوية ولا يرتجى منه تغير قناعات، بل ينتج عنه تفرق الناس وتعصبهم، والتيار الديني من أكبر الرابحين من ذلك.

Dessert

خذ نفساً عميقاً وحكم ضميرك واستمع إلى عقلك قبل قلبك وأنت تختار. سعادة أبنائك أو تعاسة مستقبلهم أنت تتحمل مسؤولية ذلك اليوم.

back to top