اللوبي الإيراني في مصر!

نشر في 14-05-2008
آخر تحديث 14-05-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي بعد أن سيطر «حزب الله» على بيروت، سؤالي الواضح لأي قارئ عربي اليوم لا مواربة فيه ومن دون لف أو دوران: هل أنت مع المشروع الأميركي الذي يريد إعادة رسم خريطة المنطقة العربية من الخارج، أم أنك مع المشروع الإيراني الذي يهدف إلى تقويض العالم العربي من الداخل؟! إذا كانت أميركا تستخدم الغزو كوسيلة للتقسيم، فوسيلة إيران هي تقوية حركات أصولية داخل الدول كي تبتلعها وتقوضها من الداخل، حركات أصولية لها جيوش وإعلام وقنوات تلفزيونية.

واضح كالشمس اليوم أن العالم العربي يقع بين مطرقة إيران والفرس وسندان الأميركيين، العالم العربي اليوم مفعول به في مشروعين أحدهما أميركي والثاني فارسي. ورغم أن كثيراً من العرب مغرمون بتحليل المشروع الأميركي الهادف إلى تقسيم العرب من الخارج فإن كثيرا منهم لا يتحدث عن المشروع الفارسي الرامي إلى تقويض العالم العربي من الداخل، ولدينا اليوم كتاب ورجال إعلام يروجون للمشروع الإيراني علانية وبفجور صارخ، ولكن تحت شعار التصدي للهجمة الأميركية على المنطقة. ومصر اليوم هي معقل اللوبي الإيراني في المنطقة.

الحقيقة الواضحة كالشمس هي أن إيران كأميركا هي دولة محتلة لجزر العرب في دولة الإمارات، إذ تحتل إيران جزر أبو موسى وطنب الصغرى والكبرى، كما أن لإيران نفوذاً غير مباشر في المنطقة كلها التي أسماها ملك الأردن بالهلال الشيعي، الغريب أن اللوبي الإيراني في الإعلام العربي قد أخرس أي صوت يتحدث عن الاحتلال الإيراني.

أساس السيطرة الإيرانية في المنطقة هو استراتيجية إيرانية ثلاثية الأبعاد؛ بعدها الأول يتمثل في تحالف إيران مع دول عربية. والثاني هو سيطرتها ودعمها لحركات تملك الشارع في بعض الدول العربية. أما البعد الثالث، فهو يتمثل في وجود لوبي إيراني قوي في الإعلام العربي من مالكي الصحف إلى «مالكي» العراق، إلى كتاب ومعلقين يتصدرون صفحات الرأي في أهم الصحف العربية، ومقدمي ومعدي البرامج في كثير من التلفزة والراديو العربي. إيران اشترت العشرات من الصحف والصحافيين، ومصر هي مركز التشيع الصحافي اليوم.

وكما رأينا في لبنان الأسبوعين الماضيين، فإيران سيطرت على بيروت عن طريق أهم حركة سياسية مسلحة اليوم في العالم العربي، وهي حركة «حزب الله»، حركة اكتسبت شرعية وشعبية بعد خروج الإسرائيليين من لبنان، وصفق لها الجميع، وادعى بعضهم أن الشيعة في لبنان هم الوحيدون الذين طردوا إسرائيل من أراضيهم، أما أراضي السنة فمازالت ترزح تحت الاحتلال. الارتباط الإيراني بـ«حزب الله» وكذلك بالجناح السياسي للشيعة المتمثل في «حركة أمل» والقبول الشعبي لحسن نصر الله بين القومجية العرب والإسلامويين، جعل العرب يصدقون بأن إيران هي المخلص للعرب من براثن الاحتلال. انظر ماذا يحدث اليوم، يوجه سلاح إيران ضد السنّة في لبنان، وفي مصر مَن يروجون لذلك، لأن فلوس الثورة الإسلامية قد أعمت القلوب.

مفهوم أن تسيطر إيران على «حزب الله» الشيعي في لبنان، ولكن غير المفهوم هو سيطرة إيران على جماعة أصولية سنية في فلسطين. ولكن الأخطر اليوم هو تغلغل إيران أيضا في كل الإسلاميين الحركيين الذين يسيطرون على الشارع في كثير من الدول العربية، جماعات تدعى إلى زيارة طهران وأحيانا تموّل منها. لإيران اليوم علاقات خاصة بفروع جماعة الإخوان المسلمين كلها، في مصر، والأردن، ودول الخليج. علاقة إيران بإسلاميي الأردن هي ما دفعت ملك الأردن للحديث عن الهلال الشيعي وخطره على المنطقة. كذلك تغلغل إيران وسيطرتها شبه الكاملة في جنوب العراق هما ما دعا وزير خارجية السعودية للحديث إلى الأميركيين في عقر دارهم قائلاً لهم إنهم سلموا ثلث العراق لإيران.

البعد الأخطر للهيمنة الإيرانية في المنطقة هو سيطرة اللوبي الإيراني على الإعلام العربي وتخويف كل من ينتقد إيران وربما تكفيره.

بسذاجة نحن غالباً ما نقول إن فكرة «اللوبي» وأصحاب المصالح الخاصة هي فكرة توجد في الدول الديمقراطية فقط، الحقيقة هي أن جماعات الضغط وجماعات المصالح توجد في الدول كلها. والناظر إلى اللوبي الإيراني في القاهرة مثلاً يرى عجباً، فهناك مئات الكتاب الذين يروجون لإيران في أهم الصحف المصرية وهناك أيضاً صحف بأكملها تُجيّر لحساب دول من بينها إيران، وهناك كُتّاب وصحافيون يدعون إلى طهران بشكل أسبوعي. الكُتّاب هم مالكو الشاليهات الفخمة والفيلات الراقية على شواطئ البحر الأبيض وشواطئ البحر الأحمر... ومالكو الشقق الفاخرة في المدن العربية الكبيرة. فكيف لكاتب عمود في صحيفة أن يملك هذا كله؟! بالطبع «البركة في فلوس الثورة الإسلامية».

على ماذا تسيطر أميركا في المقابل، أميركا تحتل دولة واحدة وهي العراق، في المقابل إيران لها أكثر من احتلال من جزر الإمارات حتى سيطرتها على جزء كبير من لبنان.

إن كان لأميركا كاتب أو كاتبان أو مذيع في واحدة من القنوات العربية، فلإيران مئات الكتاب والمعلقين من الأصوليين الإسلاميين الذين يملأون صفحات الجرائد وشاشات القنوات العربية. رجال الدعاية الإيرانية يملكون صحفاً في مصر وآلاف الصفحات على شبكة الإنترنت.

بغض النظر عن المسيطر: أميركا أم إيران، المهم في الموضوع هو أن القوتين تتصارعان على السيطرة على العالم العربي، وأن العالم العربي هو مفعول به لا فاعلاً في هذه الحملة الاستراتيجية، بالطبع هناك تقريباً دولتان أو ثلاث في العالم العربي يمكن الحديث عنها على أنها دول مستقلة ذات سيادة، لكن يبقى أصل المسألة واضحاً، العالم العربي اليوم هو منطقة صراع على النفوذ بين نفوذ الفرس من ناحية ونفوذ الغرب من ناحية أخرى.

العالم العربي اليوم يتم تفكيكه وإعادة رسم خريطته بطريقتين: الأولى هي الطريقة الأميركية المتمثلة في الغزو والاحتلال وتغيير الأنظمة من الخارج كما حدث في العراق. الطريقة الأخرى، هي الإيرانية التي تقوض النظام من الداخل، عن طريق دعمها لحركة تصبح لها سيطرة، لها جيش وعلم وقناة إعلامية، تبتلع الدولة التي هي فيها ومثال ذلك حركة «حزب الله»، كذلك رأينا كيف ابتلعت حركة «حماس» السلطة الفلسطينية؟ ورأينا كيف احتل «حزب الله» بيروت؟ هل أجهزة الأمن قادرة على تتبع فلوس إيران التي تضخ إلى مصر، للحركات وللصحافة؟ لدي شك كبير في ذلك.

*رئيس برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية- IISS

back to top