لبنان يستعيد أسراه وشهداءه في احتفال وطني عارم يوم ماراثوني شهد عودة سمير القنطار ورفاقه إلى الحرية
بينما كان الاسرائيليون يذرفون الدموع على اسيريهما، اللذين وصلا جثتين هامدتين في صندوقين أسودين، بعد جدل حول مصيرهما أتم عامه الثاني، احتفل اللبنانيون بعودة أسراهم الخمسة ورفات من سقط في مواجهة اسرائيل، او خلال محاولتهم التسلل اليها، على مدى عشرات السنين.
وفي وقت أجمع اللبنانيون على اعتبار عملية التبادل بمنزلة انتصار وانجاز لحزب الله ولبنان الذي أغلق نهائياً ملف الأسرى مع اسرائيل، رأى الكثيرون في اسرائيل في الصفقة «ضرورة مؤلمة».وعاش اللبنانيون أمس، يوماً ماراثونياً، بدأ منذ التاسعة صباحاً عند معبر الناقورة وانتهى قرابة منتصف الليل في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وسط فرحة عارمة وأجواء احتفالية. واذا كان تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق القاضي بتسليم الأسيرين الاسرائيليين ألداد ريغيف وإيهود غولدفاسر مقابل تسليم «شهداء الوعد الصادق» ورفات المناضلة دلال المغربي وثلاثة من رفاقها لم يستغرق وقتاً طويلاً، فإن الافراج عن عميد الاسرى سمير القنطار ورفاقه الأربعة ماهر كوراني ومحمد سرور وحسين سليمان وخضر زيدان، تأخر حتى الساعة الخامسة، بعد تأكد الجانب الاسرائيلي من هوية رفات الجنديين وظهور نتائج الحمض النووي (DNA).نجح «حزب الله» في إتمام صفقة التبادل مع الجانب الاسرائيلي، في عملية نوعية أغلقت ملف تبادل الأسرى، بعد الإفراج عن عميد الأسرى سمير القنطار وأربعة من رفاقه، اضافة الى استعادة رفات 199 شهيداً، لبنانيين وعربا، مقابل تسلم الاسرائيليين رفاتي الجنديين الاسرائيليين اللذين ظل مصيرهما مجهولاً حتى لحظة تسليمهما في صندوقين أسودين الى اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تولت عملية التبادل بين الطرفين عند معبر الناقورة الحدودي.واذا كان الأسرى المحررون وصلوا بيروت مساء، فإن رفات الشهداء بقي حتى صباح اليوم في الناقورة، لحين استكمال كل التدابير الطبية والميدانية لتسهيل عملية توزيع الجثث على عائلاتها، في وقت استعدت فيه قراهم لاستقبالهم بعد انجاز كل الاستعدادت الميدانية واللوجستية ورفع الصور واللافتات المهنئة وأعلام حزب الله، وسط اجراءات امنية مشددة.قبيل بدء عملية التبادل، بدأ الاهالي بالتقاطر منذ الصباح الباكر في اتجاه الناقورة، في حين اتخذت القوى الامنية اللبنانية والجيش اللبناني تدابيراً احترازية على طول الخط الساحلي، لتنظيم حركة مرور المشاركين وحفظ الامن. في المقابل، رفعت قوات الاحتلال الاسرائيلي من تدابيرها الامنية على طول الخط الازرق، وسيّرت دوريات مؤللة وراجلة في الطرف الآخر من الحدود، في وقت نفذت قوات اليونيفيل انتشاراً واسعاً على طول الخط الساحلي.عملية التبادلعملية التبادل بدأت قرابة العاشرة من قبل الظهر، حيث سلّم رئيس لجنة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا جثتي الجنديين المخطوفين ألداد ريغيف وإيهود غولدفاسر الى الصليب الاحمر الدولي، الذي تولى نقل النعشين في اتجاه الاراضي الفلسطينية لتسليمهما الى اسرائيل.وبعد تسلّم جثتي الجنديين الاسرائيليين، تحرّك موكب الأسرى اللبنانيين الخمسة من أحد مراكز الجيش الاسرائيلي، الذين نقلوا اليه فجراً من سجن هداريم في حيفا، وتوجه الموكب الى نقطة المعبر الحدودي الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة. وفي المقابل، تسلّم حزب الله 12 جثة من الجانب الاسرائيلي، ثمانية منها تعود الى «شهداء الوعد الصادق» الذين سقطوا في حرب يوليو 2006، بالاضافة الى رفات الفلسطينية دلال المغربي وثلاثة من مجموعتها. وكانت احدى القنوات التلفزيونية الاسرائيلية أثارت جدلاً بعد بثها خبراً مفاده ان جثة المغربي ليست ضمن الجثث المتبادلة.وبعد انتظار دام عدة ساعات، أكد الجيش الإسرائيلي أن الرفات الذي تسلمه من حزب الله هو للجنديين الإسرائيليين إيهود جولدفاسر وإلداد ريجيف، بعد إجراء فرق الطب الشرعي التابعة له فحص الحمض النووي (DNA).في هذه الأثناء، عملت الهيئة الصحية الاسلامية التابعة لـ«حزب الله» على وضع رفات الشهداء في توابيت معدة مسبقا، ومن ثم تمّ لفها بالعلم اللبناني وعلم «حزب الله»، من دون ان يعلن الحزب الأسماءَ لعدم تمكنه من إجراء الفحوصات الطبية.وحوالي الساعة الرابعة، وضعت النعوش على شاحنة مزينة بالورود، سار أمامها حملة أعلام لبنان وفلسطين و«حزب الله»، وتقدمت أمام المنصة الرسمية وفي مقدمتها وضعت صورة عماد مغنية مذيلة باسم «عملية الرضوان».من خارج الاتفاق وقرابة الرابعة والنصف، وفي خطوة مفاجئة، سلم «حزب الله» مندوب اللجنة الدولية للصليب الاحمر اشلاء جنود اسرائيليين سقطوا خلال حرب تموز، لم يأت اتفاق تبادل الاسرى والجثامين بين «حزب الله» واسرائيل على ذكرها. وقد نقلت قناة المنار في بث مباشر من الناقورة صوراً حية يضهر فيها المسؤول في حزب الله عن لجنة الارتباط والتنسيق لعملية مفاوضات التبادل وفيق صفا وهو يسلم مندوبة اللجنة الدولية صندوقاً اسود «فيه اشلاء جنود اسرائيليين سقطوا في حرب تموز عام 2006».وحوالي الخامسة والثلث، وصل موكب الأسرى الخمسة الى الأراضي اللبنانية، وعند الساعة السابعة إلا ربعاً، بدأ الحفل الرسمي لاستقبال الأسرى بوصول السيارات التي تقلهم إلى مكان الاحتفال، والتي نثر عليها الأرز والوردود، وترجل عميد المحررين سمير القنطار وخضر زيدان وماهر كوراني وحسين سليمان ومحمد سرور، وهم باللباس العسكري الذي ارتدوه في مكان خاص أعد في المكان، وعليه شارة العلم اللبناني، وساروا على سجادة حمراء وسط ثلة من رجال المقاومة، يتقدمهم حاملو العلمين اللبناني والفلسطيني وعلم «حزب الله»، على وقع أغنية «طلوا الفرسان»، ومعهم رئيس المكتب السياسي في حزب الله السيد ابراهيم أمين السيد، الذي ألقى كلمة بالمناسبة. ومن الناقورة انطلق الأسرى المحررون في طوافة رئاسية الى مطار رفيق الحريري الدولي، حيث نظم استقبال رسمي حاشد، لفت فيه الحضور اللبناني الجامع الرفيع سياسياً وامنياً، اضافة الى عائلات الاسرى. وفي المطار، تولى فريق من المراسم في القصر الجمهوري ووحدات من الحرس الجمهوري تنظيم الاستقبال الرسمي، في حضور الرؤساء الثلاثة ميشال سليمان وفؤاد السنيورة ونبيه بري، ورئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون، وممثلين عن جميع الأحزاب اللبنانية ورؤساء الحكومات السابقين، اضافة الى حضور امني وقضائي وروحي رفيع.مواقف مرحبةوفي سياق المواقف الداخلية، رحّب رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري بــ«عودة الاسرى الى رحاب الوطن وطيّ صفحة هذه القضية التي شكّلت مصدر قلق لجميع اللبنانيين، وكانت مطلبا ملحا لدى الدول الصديقة والمنظمات الدولية لوقف الظلم الاسرائيلي اللاحق بحقهم وانهاء معاناتهم». وجدد الحريري في بيان أمس الدعوة الى أن «تشكل عودة الأسرى مناسبة لتكريس الوحدة الوطنية بين جميع اللبنانيين، للانطلاق بلبنان الى الامام بالتزامن مع انطلاق عمل حكومة الوحدة الوطنية». بدوره، شدد رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط على أن «البيان الوزاري لا بد ان يتضمن العبارات التي تعطي الطمأنينة للجميع، وبالتالي تستكمل عملية المطالبة بتحرير مزارع شبعا سياسياً، وصولاً إلى خطة تتم عبر الحوار لاستيعاب «حزب الله» داخل مؤسسات الدولة، وبلورة استراتيجية دفاعية للبنان». جنبلاط، وفي حديث تلفزيوني، اعتبر أن مناسبة إطلاق الأسرى من السجون الاسرائيلية تعبر عن الوحدة الوطنية، لافتاً إلى أن جميع الفرقاء يتجاوزون في هذه اللحظة الخلافات الداخلية اللبنانية. ورأى أن «هناك فشلا ذريعاً للسياسة الاسرائيلية، لأن استمرار عدوانها على الشعبين اللبناني والفلسطيني لم يصل إلى شيء»، مشيرا إلى ان «عدوان يوليو 2006 كان هدفه تطويع الشعب اللبناني وهم لا يفهمون إلا منطق القوة ولا يفهمون منطق الشرعية الدولية». كما، أكد رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» ميشال عون أنه «لا تناقض بين روحية الجيش اللبناني وروحية المقاومة الوطنية، وهما تتلاقيان»، مشددا في حديث تلفزيوني أن «المقاومة تحمي الجيش، والجيش يحمي المقاومة، والاختلاف بينهما هو في الأسلوب». وشكر عون «المفاوضين في صفقة التبادل، على طريقة التفاوض التي كانت على درجة عالية من التقنية والتكتم»، معتبراً أن «اليوم (امس) هو يوم الوحدة الوطنية، يوم فخر واعتزاز لأننا أعدنا الاحترام لجثث شهدائنا وأعدنا الاعتبار لأسرانا. وكل شيء يدعو الى التفاؤل». من جهتها، عبرت «قوى 14 آذار» في بيان لها عن سعادتها لـ«عودة الاسرى المحررين وجثامين الشهداء من اسرائيل»، ورأت «ان هذه الخطوة التي تمت بإشراف الامين العام للامم المتحدة تندرج في إطار تنفيذ القرار 1701»، مشيرة الى أنه «ينبغي على الامم المتحدة الاسراع في عودة مزارع شبعا الى السيادة اللبنانية». وتقدمت «قوى 14 اذار» بالتهنئة الى جميع اللبنانيين بـ«ولادة الحكومة الجديدة والعودة الى الاحتكام الى المؤسسات الدستورية بعد تعطيل دام طويلا، وعلى هذه الحكومة ان تضع برنامجها على الاسس التي حددها اتفاق الطائف والقرارات لدولية واتفاق الدوحة وخطاب القسم».أبو العينينأوضح أمين سر قيادة حركة «فتح» في لبنان سلطان ابو العينين ان نحو 150 من الرفات التي تم تسلمها من اسرائيل «تنتمي الى فدائيي فتح الذين تمنوا ان يدفنوا في فلسطين». وقال: «هؤلاء لهم دلالة وهم محطة اساسية ورئيسية وتاريخية في مسيرتنا النضالية، هؤلاء جميعهم رموز كلهم استشهدوا داخل الاراضي الفلسطينية»، مشيراً الى انه سيكون لهم دفن مؤقت في لبنان لحين دفنهم وتشييعهم في فلسطين ان شاء الله».سجناء هداريم ودعوا القنطارودّع السجناء الفلسطينيون أمس، عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار ورفاقه في سجن هداريم بالقرب من مدينة حيفا، في حضور «الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» أحمد سعدات، وأمين سر حركة «فتح» في الضفة الغربية مروان البرغوثي، المعتقلين في السجن نفسه، على ما أفاد نادي الأسير الفلسطيني.وقال المحامي الياس صباغ، وكيل مروان البرغوثي وسمير القنطار: إن حفل الوداع كان «عبارة عن شرب الشاي معاً وعناق بعضهم بعضا، خصوصا اثناء خروج السجناء الى الساحة من الواحدة والنصف ظهراً حتى الرابعة بعد الظهر». وأضاف: «من الطبيعي أيضا أن يودعوا سمير القنطار، لأن السجناء الفلسطينيين يشعرون بتقدير خاص له لكونه ضحَّى بأجمل سنوات عمره من أجل فلسطين، وهناك اجماع حوله بأنه يمثل السجناء ويتكلم باسمهم امام الإدارة».