أكره الحب لطه عدنان... الإنترنت في الشعر

نشر في 20-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 20-11-2008 | 00:00
No Image Caption

الكره لا ينفي الحب، بل يؤبّده ويجعله حضوراً دائماً لا مجال لنفيه أو التخلّص منه... هكذا يهجو طه عدنان العالم في كتابه «أكره الحب» الصادر حديثاً عن دار «النهضة».

لم يعتمد عدنان اللامبالاة بل وثّق هذا العالم بشكل جعل من شبهة الرفض التي يبرزها العنوان وتعززها قصائد وعبارات كثيرة وصور متناثرة بقوة، احتفاء غير منهجي بهذا العالم المهجو والمنفي بمعالمه كافة المادية المعنوية والعاطفية والسياسية...

يلجأ الشاعر إلى ما يشبه الشتيمة ليكره العالم، فلا يأتي الشعر كبيان الرفض ومنطقه في أحيان كثيرة، بل تتهرب اللغة مرات كثيرة من عناء الدخول في نقاش العالم المكروه بهدف التقليل من حضوره المرفوض والقاسي، ولا تحاول إبداع عالم مضاد يستطيع بواسطة الشعر صنع شبكة لامبالاة تتجاهل مواضيع العالم وتفكك حضوره وترصد علاماته من خلال نفيها.

رطانة متكرّرة

تبقى الأشياء التي يرصدها الشاعر في مكانها وكأنه يحصيها ويبوّبها ويفهرسها، ويفتّش في صندوق الرطانة فتطفو على سطحه عبارات جاهزة، يقطفها ويقدّمها جاهزة. يعلن في قصيدة بعنوان «الشاشة عليكم»:

صباح الخير أيها العنكبوت

صباح الرضى يا زقزقة الكهرباء

أنا جاهز فخذيني

إلى عالمي الذي من ضوء

فلدي جيران طيبون

في هوتمايل

وأتراب ودودون

في ياهو

يقول في مقطع آخر من القصيدة نفسها:

أدردش إلكترونياً

وأفرفش إلكترونياً

أعشق إلكترونياً

وأبغض إلكترونياً

أخلص إلكترونياً

وأخون إلكترونياً

أتاجر إلكترونياً (...)

أغازل إلكترونياً

وأناضل إلكترونياً

أتضامن مع الانتفاضة

إلكترونياً

وأدين شارون

إلكترونياً

أحلم بتحرير فلسطين

إلكترونياً

وإلكترونياً أتظاهر

من أجل إيقاف العدوان

على العراق وأفغانستان

يقدِّم الشاعر في هذين المقطعين تقريراً شاملا لسطوة وسائل الاتصال على حياتنا، وعن الكيفية التي تُنتهك فيها خصوصياتنا وتحوّل حياتنا إلى حياة قائمة في المجال الافتراضي، حيث يفقد الواقع سلطته ويتحوّل إلى واقع آخر لا يوازي ذلك الأصلي ويتماشى معه بل يخترقه بعنف ويجرّه إلى إقامة جبرية في حدود ضيقة حيث لا رغبات ولا أحلام ولا نزوعات تتحقق.

لم يجعل الشاعر من هذه الأزمة الكبرى التي تخترق العالم المعاصر موضوعاً شعرياً، ولم يلجأ الى أبواب سرية وخلفية يلج بواسطتها إلى الموضوع برؤيا شاملة مفتوحة وإنسانية، بل أبقاه في حيّز العرض واستعمل آلياته ومفاهيمه ولغته نفسها. وهكذا لم يعد قادراً على نفيها أو حتى على نقاشها. صار أسيرها وجر الكتابة إلى مصير افتراضي بسبب لحاقها بلغة الإنترنت، لأنه أخرج التكرار من وظيفته التوكيدية شعرياً وبلاغياً وحوّله إلى مجرد عرض غير معزز بالصور، فجاء ضعيفاً وهشاً أمام سطوة بلاغات الإنترنت. أصبح الشعر خادم تلك السلطة الضخمة، وليس جلادها كما أراد.

تضاءل دور الشعر وجرِّد من أسلحته فصارت الإنترنت قوة عظمى تغرّد وحدها في الساحة وتفرض إيقاعها ولغتها ومفاهيمها وأسلوبها على العالم بأسره، فلم يستطع الشعر كما كتبه عدنان النجاة من أن تبتلعه أمواجها العاتية التي لا ترحم.

لغة مضجرة

اختار الشاعر أن يجعل اللغة مضجرة في تعبيره عن الضجر فبدا شبيهاً ببطل الرسوم المتحركة «السنافر» سنفور غضبان، وهو شخصية كرتونية تردد دائماً عبارة «أكره» التي اختارها عدنان عنواناً لكتابه ولإحدى قصائده. كرر فعل الكره داخل القصيدة، فوقع في فخي الضجر والكاريكاتورية.

يقول في قصيدة «أكره الحب»:

لا أحب الرثاء

لأنه محض مجاملات متأخرة

وملاطفات

نلوكها بعد فوات الأوان

وأكره المديح

لأنه كذب فصيح

لا أحب الشعر القديم

لأنه يحتاج إلى كتب الشرح

وكتائب الشراح

وأكره النقد المعاصر

لأنه عملة سهلة

ويختم قصيدته، قائلاً:

لا أحب السلم

لأن الحياة تصير رتيبة معه

وبلا طعم

وأكره الحرب

لأنها عكس السلم

لا أحب الحياة

لأنها بنت كلب

وأكره الموت:

نباحها الأخير

وحدها الصور الشعرية تسمح لمزاج الشاعر الخاص بالحضور، حتى لو كان مخالفاً للمنطق، أما حين يلجأ الشاعر إلى استعمال بيان سببي تحضر فيه لعبة التبرير من دون تعزيزها بالصور فإنه يكون مضطراً للجوء إلى المنطق وإلا جاء خطابه فاقداً للشعرية.

كره عدنان يصبح مجرد عبث لا طائل منه ولا يحتاج إليه المتلقي في شيء، فهو لا يضيء مساحة ولا يهب مساراً لصناعة مزاج معين جميلاً وخاصاً داخل عقل الشعر.

لم يترك الشاعر في البيان الختامي لقصيدته أي مجال للعودة، فهو يكره الحياة ويكره الموت! أين هو إذاً، ولماذا لا يدلّنا على البرزخ الذي يقيم فيه، ولماذا حرص على إخراج ديوانه إلى النور... أليست الكتابة فعل حياة؟

back to top