كفاية!

نشر في 09-10-2008
آخر تحديث 09-10-2008 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي خلال الأيام القليلة الماضية أعطت الحكومة المصرية لمعارضيها أسباباً إضافية للمطالبة برحيلها وبالشروع فوراً في حوار وطني يتخطى دوائر الحزب الحاكم ويستهدف تحديد أولويات المجتمع وواجبات الدولة في لحظة الأزمة الراهنة.

وزير الثقافة ومرشح مصر لأهم منصب ثقافي عالمي «رئاسة اليونسكو» السيد فاروق حسني لم يجد ما يقوله لتفسير حريق المسرح القومي سوى أنه دليل جديد على سوء القدر! لا حديث عن التقصير والإهمال في حماية وصيانة تحفة معمارية وصرح فني عظيم كالمسرح القومي، ولا إشارة إلى الانهيارات المتتالية في المرافق العامة وأسبابها، وبالقطع لا ذكر للمسؤولية السياسية التي تتحملها وزارته ويتحملها هو شخصياً كممثلها الأعلى ولا لإمكانات المحاسبة. فالقدر، المتجسد دوماً في حرائق مصر في صورة «الماس» الكهربائي، هو المسؤول الأول والوحيد عن الكارثة والوزير حسني يدعونا للتسليم بقلوب راضية بأن إرادة القدر لا تحاسب ولا راد لها.

نادر النظير مثل هذا التعامل الاستخفافي مع عقول المصريين وهم يرون عاصمتهم تحترق بالقطعة ويستيقظون بصورة شبه يومية على وقع كوارث يصنعها التقصير والإهمال وسياسة اللافعل واللامحاسبة الحكومية.

لم تكد سوى ساعات فليلة تمضي على حريق المسرح القومي حتى صدر الحكم بسجن رئيس تحرير يومية الدستور المصرية إبراهيم عيسى لمدة شهرين في قضية «صحة الرئيس مبارك» ليقدم دليلاً إضافياً على اعتلال الجسد المصري وفساد التعامل الحكومي مع قضايا الحريات الإعلامية والصحافة المستقلة. في عام 2008 وفي ظل وعد رئاسي بعدم حبس الصحافيين وفي عالم الفضاءات الإعلامية المفتوحة الذي أفقد الدول والحكومات ومن دون رجعة القدرة على احتكار تداول الأخبار والمعلومات والآراء يعاقب صحافي مصري بالسجن لتناوله في مقال رأي شائعات راجت لفترة في أوساط الرأي العام وتحدث عنها كثيرون بصياغات مختلفة.

أخطر ما في الحكم على إبراهيم عيسى، رغم صدور عفو رئاسي بشأنه لاحقا، أنه يجسد حلقة بائسة جديدة لسياسات التضييق على الصحافة المستقلة واحتواء الحريات الإعلامية التي تنتهجها الحكومة المصرية بوضوح منذ سنوات. والدلائل على ذلك كثيرة ابتداءً بالتعقب القضائي المستمر لعدد من الصحافيين المصنفين حكومياً في خانة المعارضين ومروراً بالاعتداء المنظم لأجهزة الأمن على الصحافيين أثناء أدائهم لعملهم، وانتهاءً بالميثاق البوليسي لتنظيم البث الفضائي في العالم العربي الذي أقرته الجامعة العربية وفقاً لمبادرة مصرية سعودية مشتركة وفعلته الحكومة المصرية سريعاً. ولا شك في أن الإطار الأوسع لهذه الممارسات المحبطة إنما يتمثل في الانقلاب الحكومي المنظم منذ عام 2006 على مساحات الحراك السياسي والمدني التي تطورت في الفترة بين عامي 2002 و2005 ولعبت فيها الصحافة المستقلة والإعلام الحر دوراً رئيسياً.

الملفت للنظر حين مقارنة التعامل الحكومي مع حريق المسرح القومي ومع قضية إبراهيم عيسى، هو التغير الجذري في صورة الحكومة، من حكومة اللافعل واللامحاسبة والتسليم بإرادة القدر التي نراها حاضرة حين تحترق صروح القاهرة أو عندما يدفن سكان حي الدويقة العشوائي أحياءً بعد الانهيار الصخري بالمقطم، إلى حكومة تتحرك بفاعلية شديدة فتخطط وتدبر وتنفذ بكفاءة سياساتها الهادفة إلى تفريغ الحياة السياسية والإعلامية من المضمون وخنق الأصوات المستقلة.

لا سوء قدر هنا يا وزير ثقافة مصر، بل أولويات حكومة أنت تمثلها توظف طاقتها في محاصرة المجتمع ضماناً للبقاء في السلطة وتتجاهل عن عمد التأسيس لمعاني المسؤولية والمحاسبة في النظام السياسي.

*كبير باحثين بمؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي- واشنطن

back to top