محمد الأيوبي... الإنسان في حالة حزن وتشوّهات التشكيلية افتتحت موسمها بمعرض لأعمال الفنان الراحل
افتتحت الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية موسمها الثقافي بإقامة معرض للوحات الفنان التشكيلي الراحل محمد الأيوبي ضم 26 لوحة، تجسد حالات مختلفة للإنسان، يغلب عليها الحزن، والصورة المشوهة للوجود والأشياء.
تحت رعاية الشيخ طلال خالد الحمد الصباح، أقامت الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية معرضاً لأعمال الفنان محمد الأيوبي ضم المعرض 26 لوحة تعرض لأول مرة بعد رحيله في معرض منفرد تخليداً لذكراه.يعتبر الفنان الراحل من الفنانين الشباب البارزين الذين تركوا بصمة في الساحة الفنية التشكيلية في الكويت وعملوا على تطويرها في مرحلة ما بعد التحرير. التشنج والاضطراب والحدة وتعددية الألوان كانت من ابرز سمات معرض «الأيوبي» الذي لاقى بدوره اقبالاً كبيراً من قبل رواد الحركة التشكيلية الكويتية والمهتمين الذين ابدوا اعجابهم بالأعمال الفنية المعروضة للفنان الراحل، وأبدوا حزنهم الشديد على رحيل موهبة فنية كويتية معاصرة اثرت في الحركة التشكيلية الكويتية.المرأة والحزنتتعدد الألوان وتختلف الزوايا التي يلتقط منها الأيوبي الحدث في لوحاته. ويبدو واضحاً الحزن والقسوة وصراع الذات، وكذلك النظرة المتشائمة إلى الحياة فقد جسد «الأيوبي» المرأة في لوحاته حائرة متألمة مضطربة منحنية وكئيبة، وهي حالة واضحة للعيان يمكن التقاطها من النظرة الأولى (لوحة: امرأة). ولم يتوقف الأيوبي عند تصوير المرأة حزينة فحسب، بل يجسدها في صورة إنسان مسلوب الإرادة، مثبت في جدار، كما حرص على ان تبدو المرأة في أغلبية اللوحات مشوهة وبنصف وجه. ثنائية الرجل والمرأةيستند الأيوبي في مجمل لوحاته على الإنسان واختلاف أمزجته وأحواله، فيندر مثلاً أن نجد لوحة من أعماله تصور الطبيعة الصامتة، كما أنه بعيد كل البعد عن الرسم التجريدي الملغز في الإيحاء، بل هو يمنحنا في لوحاته جزءاً من الإنسان، ويترك للمتلقي حرية البحث عن الجزء الآخر، أو حرية تأويل حالة هذا الإنسان من حزن وألم أو فرح ونحوه. وفي تصويره للإنسان نجد الأبعاد جميعها، فهناك لوحة لإنسان فرد مشوه الجسد، أو لوحة مزدوجة لرجل ومرأة يغلب عليها التشوه، أو الإيحاء بحالة من الحزن والعدائية تجاه الوجود والناس. في لوحة «احتضان» يصور الراحل الأيوبي العلاقة بين الرجل والمرأة على أنها مرعبة ومخيفة في لحظة الالتصاق، والذي بدا بوضوح على وجوه الشخوص داخل اللوحة، ليعيد الكرّة مرة أخرى في لوحة «قبلة» التي جسدت علاقة الرجل بالمرأة خالية من العاطفة والأحاسيس والألفة، وإن كانت «القبلة» في حياتنا العامة تشي بمزيد من الترابط والتوحد الإنساني. ذلك لا يمنع من ان بعض اللوحات على الرغم من التقشف الواضح في الوانها فإنها كانت تحمل فيضاً من العاطفة والحب والألم، لوحة «المرحوم محمد مع والدته» التي كان «الأيوبي» بها ملتصقاً بوالدته ومستلقياً على صدرها، وقد حازت هذه اللوحة اعجاب الأغلبية من الحضور، جدير بالذكر ان اللوحات نفذت بألوان الزيت على القماش.«فرانسيس بيكون»بدأ الأيوبي بالرسم في سن مبكرة بتخطيط على الورق، ثم انتقل إلى رسم الصور الشخصية، ليتدرب بعدها على يد الفنان سامي محمد على فنون النحت واساليبه، انتج مجموعة من المجسمات التي كان واضحاً فيها تأثره بأسلوب مدربه، لكنه سرعان ما تأثر بالأساليب الأوروبية، لاسيما الفنان الإنكليزي «فرانسيس بيكون»، ليس تقليداً بل إعجاباً وتواصلاً مع اسلوبه، امتازت اعمال «الأيوبي» بالصفاء والدقة وتقنية الرسم الهادئ، على الرغم من قسوة الخطوط والتشاؤم والمرارة والحزن التي طغت على جميع أعماله، حتى الزهرة على الرغم من جمالها فإنها كانت حزينة وبائسة في لوحاته، فقد كان واضحاً على لوحاته القوة التي يقابلها هدوء واضح ورؤية فنية جديدة انفرد بها بأسلوب متميز. «رؤية تصويرية»لقد اظهر «الأيوبي» تفوقه في النحت كما اظهر تفوقه في الرسم، وفي كثير من الحالات كان يحدد عناصره الإنسانية بخط واضح يتحرك بكل ليونة وانسيابية ليحقق الكتلة، والمساحة ضمن تكوينات متماسكة بالبناء، متينة بالقاعدة، وكان الخط «لغته» الأساسية، أثرت مرحلة الاحتلال وانعكست على اعماله وشكلت الألوان والرموز، والشخوص خطوطاً درامية لقصص تظهر الرعب والغضب على مساحات كبيرة من اللوحات، المواضيع التي كان يتعامل معها «الأيوبي» تختلف عما هي عليه لدى معظم الفنانين الكويتيين الآخرين، فقد كان يركز على السخط والغضب والمأساة كما بدا في أغلبية اعماله الزيتية، قدم تنويعاً واختلافاً في اعماله ليس بهدف الخروج من نصية الرسم والتعامل مع الأشكال فحسب، وإنما الإغراق في ما يختلج في اعماق شخصيته، كان يعمل على تشويه اشكال الواقع المرئية تعبيرا عن احساساته إزاء تلك الأشكال أكثر من إيفاء متطلبات الرؤية التصويرية. رحيليذكر أن الفنان التشكيلي محمد صلاح الدين الأيوبي رحل عن عالمنا في الثالث من نوفمبر 2007 عن عمر يناهز الرابعة والثلاثين، بعد تعرضه لحادث مروري مؤلم، وبرحيله فقدت الحركة التشكيلية الكويتية فناناً معاصراً، أثر بعمره الفني القصير على الحركة التشكيلية في الكويت، وترك بصمة مميزة انفرد بها عن ابناء جيله من الفنانين الشباب.