عنف الإنسان وعنف الطبيعة

نشر في 25-05-2008 | 00:00
آخر تحديث 25-05-2008 | 00:00
 بدر عبدالملك

علم المجتمع والسيكولوجيا لم ينجح في تثقيفنا كيف نتجنب العنف الإنساني مثلما لم تنجح علوم الجيولوجيا والفيزياء وغيرها تجنيبنا مآسي ذلك العنف المدمر حالما تهز الطبيعة كتفها «غاضبة»، فيا لها من محنة إنسانية كبيرة تلك التي تمر بها سيشوان الصينية هذه الأيام!!

نستغرق في التأمل في تراجيديا الحياة، وكل ما حولها من مآس تلاحقنا منذ كل الأزمنة والعصور، وبقدر ما نسعى إلى معالجة التراجيديا والكوموتراجيديا بطرق مختلفة، فننقلها على خشبة المسرح بهدف التنفيس، لعل المشاهدين يدركون جوهر ما يسعى إليه الممثل المشحون بانفعالات النص الذي حمله للجمهور، بل كاد أن يغص بمفرداته حالما يبلغ ذروة التطهر (الكاثرسيس) والتنفيس عن معاناتنا المؤلمة.

ولكن كيف نواجه مآسي الحياة عندما يصنعها الإنسان بيده وينخرط المجتمع برمته في نسج تلك العملية المؤلمة؟ فقد كان عنف الإنسان في بيروت والسودان في (آبيي) إضافة إلى المشهد العربي في العراق والأراضي المحتلة، في وقت كان الكويتيون بهدوء وسلام يصطفون لاختيار مرشحيهم عبر صناديق الاقتراع، فقلت في نفسي برغم كل العثرات والإجراءات الانتخابية في ديمقراطية ناشئة لم تنضج، ديمقراطية بأصوات معادية للمرأة، فجعلت منها قاطرة مكملة لرجال يريدونها للغايات كالتصويت وتغيير سير النتائج، ثم بعد ذلك تستريح سنوات أخرى كما يشاؤون، وكلما حاولت المرأة شق طريق جديد مختلف واجهتها مخلفّات التاريخ المثقلة بالتخلف التي نسميها جزافا العادات والتقاليد، ولا نجرؤ على أن نصفها بعبارات حقيقية كالتخلف، فتلك الحقائق باتت تراجيديا غير معلنة.

في هذا الفضاء المتنوع من عنف الإنسان وصناديق الانتخابات هنا وهناك، بين عنف وعدوانية جنوب إفريقيا القاسية حيال مهاجرين من زيمبابوي، لم نلتفت إلا كما نلتفت إلى صور الأفلام السينمائية الملصوقة على جدران الإعلانات، فكل عالمنا صار الإعلام يفرحه ويبكيه على عجل، المهم أن ينسى بسرعة ويبلع حبة «البندول» ويزيد من جرعاته المخففة للضغط والتوتر، فلماذا نلقي نظرة حقيقية على ميانمار التي دخلت مأساة حقيقية وصار الأطفال مشردين وأيتاما، والملايين حملت معها حزنها وقسوة الطبيعة، مع نظام أكثر عنفا وحصارا وكذبا في معالجة الكارثة، فكل شيء لدى النظام الدكتاتوري بخير، وهو قادر على مواجهة المحنة بمفرده وبطريقته، في وقت لا يمتلك الجنرالات مخازن للحبوب والأحذية، بقدر ما يملكون أرصدة وملايين في بنوك خارجية؟!

كل شيء بخير وعنف الطبيعة التي هزت جذعها قليلا وكما نقول «مجرد كحة» نبعت من صدر الأرض فاهتزت الموازين في تركيبة الطبيعة الصامتة، فكانت الأعاصير تجتاح المدن والقرى وتجرف ما تجرف، وعلى الفقراء حمل ما يمكنهم حمله، وإن كانت بيوتهم خاوية، ولم يكن بإمكان الجنرالات القدرة على إخفاء حقيقة الوضع السياسي، فكما يقولون عندما يصاب المجتمع بكارثة طبيعية مدمرة تعري الوضع السياسي وتضع النظام أمام مشهد العالم، الذي اختلف عن عقود سابقة، فنحن بتنا في عصر الفضائيات والتلفاز، وعلى الإنسانية التعاطف الوجداني في المأساة ولو للحظات قليلة، فقد امتزج عنف الإنسان مع عنف الطبيعة ومعاناة الإنسان مع قسوتها.

ولو تخيلنا الكوارث السابقة قبل سبعة عقود، الكوارث التي كانت تصيب عالمنا وتسحق مئات الآلاف، ولكننا لا نراها ولا نمنح بصرنا فرصة «متعة الألم» فقد كنا ملاكين صغارا يمتلكون مذياعا، وإذا لم تنقل لنا وكالات الأنباء أخبار الفاجعة هذه أو تلك، فإن الخبر يمر سريعا كالبرق الخاطف، فننام بهدوء العصافير، غير أننا اليوم نعيش قلب العاصفة كوننا مصابين بمرض جديد اسمه «التلفاز» فيسلبنا شخصيتنا ويشكلنا كيفما يرغب، حتى إن ادعينا أننا قادرون على الصمود، ولجم مؤثراته السحرية والخبيثة والمغرية، وقد بات يساهم في تعليمنا وتربيتنا على التكيف مع مشاهد العنف القادمة لنا من خريطة الدنيا الواسعة، ونتألم قليلا للصور، ثم نعود لكي نتسلى بالصور المضادة لحبوب مقاومة العنف، عنف البشر الذي كان بإمكاننا تجنبه لو قمنا بحسابات الحكمة وعنف الطبيعة التي ليس بإمكاننا إلا أن نتعلم منها قياسات الاستشعار عن بعد، وأحيانا لا تنفع كل تلك الأجهزة المتطورة!! فعلم المجتمع والسيكولوجيا لم ينجح في تثقيفنا كيف نتجنب العنف الإنساني مثلما لم تنجح علوم الجيولوجيا والفيزياء وغيرها تجنيبنا مآسي ذلك العنف المدمر حالما تهز الطبيعة كتفها «غاضبة»، فيا لها من محنة إنسانية كبيرة تلك التي تمر بها سيشوان الصينية هذه الأيام، وكأنها الكارثة تحاول إفساد مزاج الناس والحكومة وهي تستعد لفرح الأولمبياد.

* كاتب بحريني

back to top