د. أحمد حمَّاد: المستشرقون سبقوا المسلمين الى ترجمة القرآن بقرون
ظهرت ترجمة معاني القرآن الكريم للمرة الأولى في عهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). هذا ما فاجأ به د. أحمد زكي حمَّاد (استاذ في كلية اللغات والترجمة في جامعة الأزهر) الحضور في خلال المحاضرة التي ألقاها أخيراً في مكتبة الإسكندرية بعنوان «ترجمة معاني القرآن: الأصول والقواعد»، ضمن فاعليات الموسم الثقافي الذي ينظّمه مركز المخطوطات التابع للمكتبة.
قال د. حماد إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يترجم الآيات التي يوردها في رسائله إلى الملوك والحكام الأعاجم، إلا أن جهود المسلمين في ترجمة القرآن بدأت متأخرة للغاية في أوائل القرن العشرين، تحديدًا عام 1905، ولم يكن دافعها سوى الرد على طعون المستشرقين، وليس بيان معاني القرآن لغير المتحدثين بالعربية، مشيراً إلى أن على المسلمين واجب تبيان معاني القرآن لكل إنسان ولكل لسان ومنوهاً بالطائفة القديانية الأحمدية السباقة في ترجمة معاني القرآن الكريم، إلا أن ترجماتها شابها التحيز إلى مذهبها، وبالتالي التحريف في معاني آيات كتاب الله المحفوظ.من الحقائق الجديرة بالاهتمام، التي أثارها د. حماد، أن جهود المستشرقين في ترجمة كتاب الله بدأت في وقت مبكر للغاية في القرن الثاني عشر، عندما أنجز روبرت كيتوني عام 1143 ترجمة لاتينية للقرآن، زاخرة بسوء الفهم، إلا أنها شكلت أساساً للكثير من الترجمات الأخرى التي ظهرت بعد ذلك.ألمح د. حماد إلى أن ترجمات المستشرقين، إما كانت تضم معاني مغلوطة ومحرّفة للقرآن، كما في حالة ترجمة جورج سال وجون رادول وإدوارد بالمر وريتشارد بيل، أو كانت منصفة، كما في حالة آرثر جون أربري، لكنها مع ذلك لم تكن دقيقة. كذلك أشار إلى أن عدم الدقة في ترجمة أربري لا يرجع إلى سوء بواعثه، مثل الآخرين، الذين افتروا على القرآن والرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وإنما إلى سوء مقاصده، أراد أن يصدر ترجمة مبدعة للقرآن بالإنكليزية توازي جمالية القرآن بالعربية، ما أدى إلى استخدامه ألفاظاً إنكليزية صعبة وغير مفهومة وتؤدي إلى تحريف المعنى المقصود. ضرب د. حماد مثلاً على تحريف في معاني القرآن قام به اليهودي أهارون بن شمش عام 1979، عندما أشار في ترجمته لإحدى الآيات إلى أن المسجد الأقصى يبعد عشرة أميال عن مكة المكرمة في مكان يسمى الجعرانة، وهو ما ينافي الواقع، إذ أن المسجد الأقصى يوجد في مدينة القدس في دولة فلسطين.في سياق متصل، تحدث د. حماد عن تجربته الشخصية في إصدار ترجمة للقرآن الكريم بالإنكليزية، وأشار إلى أن أول ما استرعى انتباهه أثناء تحضيره لرسالة الدكتوراه في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية، أن معظم الترجمات التي اطلع عليها لآيات القرآن الكريم، والتي قام بها مسلمون، لم تكن دقيقة، نظراً إلى أن غالبية من تصدوا لهذا العمل الشاق، لم يتلقوا تعليماً شرعياً، فكان منهم الطبيب والمحامي.من هنا، بدأت فكرة إصدار ترجمة إنكليزية تراوده، فاهتم بتحري الأمانة العلمية والدقة وبأن تخرج الترجمة بلغة سليمة خالية من الغموض والإسفاف. أضاف أنه شكل فريق عمل تحت إشرافه للتصدي لتلك المهمة الشاقة الجليلة، وخططوا لإصدار الترجمة في خمس سنوات، إلا أنها امتدت إلى 15 عاماً، وصدرت الطبعة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية العام الماضي.تحدث د. حماد عن الطريقة التي اتبعوها، إذ اطلعوا على الترجمات السابقة التي قام بها المسلمون والمستشرقون على حد سواء، ثم أصدروا ترجمة أولية بعد خمس سنوات، وراجعوها ونقحوها، ثم عرضوها على عينة من الأميركيين المثقفين وغير المثقفين للحصول على رد فعلهم، لتصدر أول طبعة للقرآن المترجم وفق المعايير العالمية عام 2007.كذلك أكد أن العمل لم ينته بصدور الطبعة المترجمة، إذ أن اللغة الإنكليزية لغة ديناميكية، لذا يجب أن يستمر الجهد لتظل معاني القرآن واضحة للأجيال المقبلة من المتحدثين بالإنكليزية في العالم، مشيراً إلى أن «التحدي يبقى في أن نجعل القرآن متاحاً لكل فرد وكل إنسان», مؤكداً أن «القرآن يعد أكثر الكتب قراءة في العالم، وهو وثيقة حيّة ومهمة للغاية، ورسالة عالمية لجميع البشر».في هذا الإطار روى د. حماد حكاية مشوّقة عن صحافي أميركي يدعى عبدالله كلارك اعتنق الإسلام بسبب التحيّة التي يسلم بها المسلمون على بعضهم بعضًا، إذ سافر بتكليف من جريدته إلى المغرب لبحث ظاهرة الإرهاب، وعندما وصل إلى هذا البلد المسلم، استغرب أن تكون تحية الإسلام هي السلام، مع ذلك يتهمهم الغرب بالإرهاب.استنتج من خلال تجربته بالاستقرار في الغرب لسنوات طويلة، أن القواسم المشتركة بين الحضارتين الإسلامية والغربية كثيرة وتسمو فوق الخلافات الموجودة راهناً، شرط أن يتخلى الطرفان عن ثلاثة أمور: خلق الإستعلاء على الآخرين، نظرة الاستهزاء، وعقدة التنابذ بين الحضارات.كذلك لاحظ أنه بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، شهد العالم صحوة دينية كبرى لم تقتصر على المسلمين، بل تشمل جميع الديانات، كالمسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية، لافتاً إلى أهمية ترشيدها وموزانتها كي لا تنقلب إلى أداة خطيرة تثير الصراعات بين الشعوب والثقافات, مشدداً على أهمية إحياء سنة الحوار بين الحضارات، وليس الصدام بينها، وهي النظرية التي أثارها صامويل هنتنغتون أواخر القرن الماضي في كتابه «صراع الحضارات».