أي لبنان نريد؟
في غمار توقيع القادة اللبنانيين على اتفاق الدوحة لا يسعنا إلا أن نستعيد صورة شهداء ثورة الأرز رفيق الحريري وجورج حاوي وسمير قصير وجبران تويني وبيار الجميل.الرئيس الحريري... آمن بالمستقبل وجسّد صورة لبنان المستقبل من خلال الصورة التي بنى عليها وسط بيروت، فأراد لبنان منارة لهذا الشرق، فأهّل الكادر وعلّم أكثر من 36000 شاب وشابة من الطوائف اللبنانية كافة على مدى عشرين عاماً خلال الحرب اللبنانية.تطوع لرأب الصدع ومداواة الجراح، فبعث في جسد الوطن الدامي روح التفاؤل، وزرع الثقة في الوطن والناس والمستقبل، فألقت الأيدي المثقلة بالسلاح سلاحها وحملت المعاول للبناء، لتدفع بعجلة التحديث الاقتصادي والسياسي كي تتحول لبنان إلى مركز اقتصادي فريد لا مثيل له في الشرق الأوسط. جورج حاوي... الحالم أبداً بالحرية والعدالة والمساواة والاستقلال، والمناضل لتحقيق تلك القيم، والمغرد دائما خارج سربه. فأطلق المقاومة الوطنية حين قيل أن العين لا تقاوم المخرز، فكسرت العين الخرز بتنوعها الوطني وانتمائها لكامل تراب الوطن حيث أطلقت الرصاصات الأولى على وقع عناق المآذن وأجراس الكنائس، فامتزج الدم الطاهر من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن الطوائف كافة لتقول للاحتلال: لا.نادى بالوحدة الوطنية في لقاء انطلياس، وأعلن أنه ليس هناك لبنان إلا بوحدة لبنانية، فدفع ثمنها إقصاءه لأن الموجة كانت باتجاه تثبيت سيطرة الشقيق الأكبر على حساب لبنان وتنوعه. لم ييأس ولم يتعب، وقدم نموذجاً آخر فريد في العالم العربي، استقال وهو في أوجه من قيادة حزبه ودعا إلى تجديد القيادة وضخ دم الشباب فيها، قرأ الوقائع وقدم نقداً ذاتياً جريئاً غير مسبوق في الأحزاب العقائدية الجامدة، وأعلن أن الولاء الأول والأخير للوطن وليس للمصالح الإيديولوجية والحزبية الضيقة.تمرد على حزبه ورفض البقاء في دائرة التبعية والارتزاق لسورية تحت شعارات قومية جوفاء، قكان بركب 14 آذار وجسّد بذلك قناعاته الراسخة الوطن فوق الإيديولوجيات والمصالح الضيقة.سمير قصير... مجسد الحلم العربي بالوحدة فهو اللبناني المعاش والمعشر، والفلسطيني الهوى المحب لسورية وشعبها رغماً عن أنف نظامها، آمن بحرية التعبير وتمحورت أفكاره حول النهوض العربي عموماً واعتبر ان من واجب العربي التفكير بالتداعيات التي تتركها انقلابات العالم المعاصر على ما يعد له من مصائر، أصر على أن استقلال لبنان مرتبط مباشرة بالمعركة من أجل الديمقراطية في سورية، فكان دائم التفاؤل وداعياً إلى نفض الغبار عن الأذهان ومسح التصورات التي يظنها الانسان حقائق نهائية لا راد لها فكان يعريها بسخريته ونقده اللاذع ويعيد تشكيلها معيداً الاعتبار للعقل. كان قدره فهم الاختلاف والتعامل معه إلى حدود اعتبار لبنان، بالرغم من حجمه الجغرافي وقدراته، مسؤولاً عن جيرانه العرب وعليه تعميم ما اعتبره مكتسبات ديمقراطية وثقافية واجتماعية ونهضوية على بقية الشعوب العربية البريئة من ممارسات حكامها والخاضعة في ظلم مطلق لجور هؤلاء الحكام.جبران تويني... المعادي للوصاية السورية على لبنان صاحب اليمين الشهير الداعي إلى إخلاص المسلمين والمسحيين للوطن وليس للطائفة، والتوحد للدفاع عنه.الفرق بين الظلمة والنور كلمة أطلقها جبران في سماء الحرية فكانت كالسيف القاطع لثورته وعنفوانه، لكنها خلقت الآلاف من اللبنانيين الذين تسلحوا بقوة جبران وحريته. آمن بحرية الصحافة وأرادها الصوت الذي يؤدي إلى اختراق الظلام.حزب الكتائب، حسب أدبياته، هو حركة ديمقراطية اجتماعية شارك في حركة الاستقلال ضد الانتداب الفرنسي وحمل بعد الاستقلال شعار الإصلاح السياسي والتعايش مع المسلمين في بلد متعدد الطوائف، لكنه انخرط في الحرب الأهلية وتمسك بشعار حماية الوجود المسيحي في لبنان وإخراج الفلسطينيين منه، فنُعت بالاعتزال من قبل شركاء الوطن.في مرحلة ما بعد الحرب، وخصوصاً بعد عام 2000، شهدت الكتائب تغييراً كبيراً حيث تحسنت علاقاتها مع شركاء الوطن من خلال اتفاق الطائف ولعب الشهيد بيار الجميل دوراً محورياً بإعادة الكتائب إلى خطها الأساسي الداعي إلى التعايش في ما بين اللبنانيين والحفاظ على وحدة لبنان واستقلاله، فكان مع 14 آذار بقاعدته الكتائبية، وأعطى الأمل من جديد للشباب المسيحي بوطن سمته التنوع والانفتاح.لم يتم اغتيال هؤلاء الشباب عبثاً، فالهدف واضح: لا مكان للبنان بتنوعه وانفتاحه... ومن غير المسموح له أن يشكل رافعة نهضوية لمحيطه، والمطلوب إبقاؤه في قالب طائفي منغلق على نفسه ومحيطه بعيداً عن الحداثة والموقع الاقتصادي المميز، لذلك كله على موقعي «اتفاق الدوحة» التفكير ملياً، وأن يقرروا مرة واحدة وللأبد، أي لبنان يريدون؟ *كاتب لبناني