اليوم العالميّ للمسرح... بين البرازيلي أوغستو بوال وذكرى الرائد المسرحي خالد النفيسي

نشر في 27-03-2009 | 00:00
آخر تحديث 27-03-2009 | 00:00

يحتفل اليوم العالم باليوم العالمي للمسرح. في هذه المناسبة يوجه أحد كبار المسرحيين في العالم رسالة توزّع في البلدان كافة، يلقيها هذه السنة الدكتور أوغستو بوال رائد مسرح المقهورين، بالإضافة إلى تقديم عروض المختلفة.

في الكويت يتميز هذا اليوم بسمة خاصة، إذ شهد رحيل رائد المسرح خالد النفيسي في العام 2006، لذلك يحتل هذا الأخير مساحة واسعة في احتفالات هذا اليوم تخصص للتذكير بمناقبه.

تقول الفنانة القديرة سعاد عبد الله عنه : « خالد المبدع، ستبقى أعماله باقية أبداً على القنوات، الوفي كان دائم السؤال عن الأصدقاء، المشاكس لم يسلم أحد من مقالبه الطريفة من أبناء جيله، رجل المواقف وقف دائماً إلى جانب أصدقائه في معاناتهم وخفف آلامهم، الصريح يعلن عن وجهات نظره بجرأة وإن لم تكن في مصلحته».

من هو أوغستو بوال؟

أستاذ جامعي ومسرحي وعالم في مجال الكيمياء، ولد في البرازيل ودرس في جامعة كولومبيا أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي، لم يعمل جدياً في المسرح إلا بعد تخرجه، تعاون مع مسرح «أرينا» في ساو باولو، فأنتج أعمالا تجريبية رائعة. اعتاد دعوة الناس لمناقشة تجاربه قبل عرضها على الجمهور، لأن هذا الأمر يجعلهم مشاهدين و{أصحاب مواقف»، برأيه، وذلك عبر ردود أفعالهم على ما يعرض أمامهم.

في الستينيات طوّر بوال تقنية جديدة تتيح للجمهور إيقاف العرض وتقديم اقتراحات مختلفة حول الشخصية التي تعاني من الاضطهاد، وينفذ الممثل، الذي يمثل هذه الشخصية، هذه الاقتراحات.

كان بوال ناشطاً ثقافياً خطيراً في بلاده. شكلت نشاطاته، في نظر الانقلابيين في البرزيل إبان الستينيات، خطراً حقيقياً، فاختطف من الشارع خلال مغادرته المسرح وعذب في السجن، ثم نفي إلى الأرجنتين حيث ألف كتابه الأول «مسرح المضطهدين» (1973)»، ومنها انتقل الى أوروبا وطوّر في باريس أسلوبه الثوري في مجال المسرح، ونظم فيها مهرجاناً لمسرح المضطهدين (1981).

كتب بوال المؤلفات والمقالات المهمة في المسرح ونال الجوائز في المسرح في بلاده وخارجها (جائزة الأب فنتورا، ساس، جائزة موليير، جائزة أوبي...) وفي عام 1997 منحه إتحاد المسارح للتعليم العالي في شيكاغو جائزة career achievement .

من أقواله

- «البعض يصنع للناس مسرحاً، بينما نحن هنا جميعاً مسرح»، مقولة أطلقها بوال أثناء وصفه لمسرح «المقهورين».

- «ملّ الناس الوعظ، يريدون أن يُسمعونا أصواتهم».

الرسالة

المجتمعات الإنسانية «عظيمة» في حياتها اليومية وفي لحظات معيّنة تقدّم «المشهديات»، فهي مجتمعات «رائعة» كإطار للتنظيم الإجتماعي وتقديم مشهديات كتلك التي سترونها.

إن العلاقات الاجتماعية هي محاكاة لما يجري في المسرح، حتى لو لم يدرك البشر هذه الحقيقة: من حيث استخدام المكان، لغة الجسد، اختيار العبارات والنغمات الصوتية، طرح الأفكار والانفعالات المتضاربة، كل ما نستعرضه على خشبة المسرح، وما نعيشه في أيامنا. لهذا يمكن القول: إن عالمنا هو مسرح!

الأعراس ومناسبات الحداد كلها «مشهديات»، لكنها تبقى طقوساً ألفناها في حياتنا حتى أصبحنا لا نميّز حقيقتها هذه. وما الاستعراضات الفخمة والظروف الطارئة، مثلها مثل قهوة الصباح، تبادل التحية الصباحية، الحب الجبان، نوبات الانفعال القوية، جلسات السادة، اجتماعات الساسة، سوى عوالم مسرحية.

إن إحدى مهمات الفن إيقاظ إحساس البشر بالجوانب المشهدية في حياتهم اليومية، التي يؤدي فيها الممثلون دور المشاهدين لأنفسهم، وهي أداءات يلتقي فيها المسرح والحياة على الأرض. نحن جميعاً فنانون: حين نقدّم عروضاً مسرحية نتعلم كيف نشاهد ما هو جلي وواضح لنا لكننا لا نملك القدرة على رؤيته، لأننا تعودنا الاكتفاء بالنظر إليه فحسب. لهذا، يصبح المألوف لنا غير مرئي: تقديم المسرح هو ضرب من إنارة مسرح الحياة.

في سبتمبر الماضي، دهشنا جميعاً بانكشاف الستر عن أحد هذه المشهديات المسرحية: نحن الذين كنا نعتقد أننا نعيش في عالم آمن، على الرغم من كل الحروب، المذابح والمجازر والتعذيب التي تحصل بالتأكيد، لكن في أماكن نائية أو قفراء. فجأة، صعقنا، نحن الذين كنا نتوهم أننا نعيش آمنين بما لدينا من أموال، إما أودعناها في مصرف محترم أو كنا نستثمرها في تجارة مؤمنة في سوق البورصة، حين قيل لنا إن أموالنا تلك تبخرت، إنها مجرد قيمة افتراضية، مجرد ابتكار اخترعه دهاقنة الاقتصاد، هؤلاء هم أشخاص حقيقيون وليسوا افتراضيين، لكنهم غير جديرين بالثقة والاحترام. كان هذا مسرحاً رديئا، مخططاً أسود عاد على البعض بالملايين وعلى كثر بالخسارة والحسرة. إزاء ذلك، تنادى بعض الساسة من الدول الغنية لعقد اجتماعات سرية وخرجوا بحلول سحرية. بقينا نحن، ضحايا قراراتهم تلك، نراقب المشهد بحسرة من الشرفات الخلفية.

قبل عشرين سنة، أخرجت مسرحية « فيدرا} Phedre لراسين في ريو دي جانيرو. كانت موجودات مسرحنا فقيرة جداً: جلود بقر فرشناها على الأرض، من حولها أثاث بسيط من الخيزران. اعتدت قبل كل عرض للمسرحية أن أوصي الممثلين قائلا: « إن الخرافة التي دأبنا يوماً بعد يوم على اختراعها انتهت اليوم. عندما تعبرون خلف هذه الأعواد الخيزرانية، لن يكون من حق أحدكم أن يستريح. إن المسرح هو الحقيقة المخبوءة «.

عندما نتطلع الى المظاهر، بإمكاننا أن نشاهد المضطهدين وقامعيهم في كل مجتمعات الأرض من كل الأثنيات والأقليات والطبقات الاجتماعية، إنه عالم مليء بالظلم والوحشية، لهذا ينبغي أن نخلق عالماً آخر بديلا منه لأننا ندرك أننا قادرون على ذلك، لكن في وسعنا أن نختار بناء هذا العالم بأيدينا ومن خلال عملنا على المسرح وفي دوائر حياتنا الشخصية، لنشارك في خلق هذا المشهد الرائع الذي سوف يبدأ.

حالما تعودون الى بيوتكم، اعملوا مع أصدقائكم لإنتاج مسرحياتكم الخاصة بكم، ثم انظروا إلى ما لم تستطيعوا أن تروه: الى ما هو حقيقة واضحة وضوح الشمس. إن المسرح ليس مجرد حدث عابر، إنه أسلوب حياة!

نحن جيمعاً ممثلون: معنى المواطنة ليس أن نعيش في مجتمع بعينه، بل أن نعمل لتغيير هذا المجتمع!

back to top