ضويحي الهرشاني يرحل بين الموانئ والمغاصات

نشر في 15-08-2008 | 00:00
آخر تحديث 15-08-2008 | 00:00
لا يعرف البحر إلا من صارع اهواله، ولعل ركوب البحر يعد واحدا من اقدم مواجهات الانسان مع الطبيعة، وفيه تتجلى الارادة الانسانية القديمة باتجاه التغيير والبحث عن ارض جديدة وفرصة جديدة وبشر آخرين.

وعلى الرغم من ان القصائد التي تتناول حياة البحر تعد اثرا مهما في الشعر النبطي، الا ان كل الاعمال التوثيقية لهذا الشعر حاولت -للاسف الشديد- القفز فوق هذا الاثر الكبير، وركزت على قصائد الصحراء والقرية، بالاضافة الى القصائد التي تتحدث عن الحوادث التاريخية الكبيرة.

وقد احسن الشاعر عبدالرزاق العدساني صنعا، حين قام بتجميع قصائد الشاعر ضويحي الهرشاني (1840-1907)، وهو الشاعر الذي كادت قصائده ان تذهب ادراج الرياح، بسبب سوء التوثيق وتركيز العاملين في نطاق الشعر النبطي على شعراء دون غيرهم. وعائلة رميح والد الشاعر من اهل «جبلة»، ومن سكان فريج البدر، ويملك اهله سفنا شراعية صغيرة، وقد وهب الشيخ مبارك الصباح لرميح الهرشاني مزرعة في حي «جبلة»، وكان لشقيق الشاعر سعد بن رميح دور بارز في معركة الجهراء، حيث كان يحمل اهل الكويت على سفينته الى «الخويسات» و«كاظمة» ليشاركوا في تلك المعركة.

يا بحر فيك الرزق

ركب الشاعر ضويحي البحر في مرحلة مبكرة، فقد كان البحر مصدر رزقه وركبه تبابا وسببا وغواصا وبحارا، وعرف خفايا هذا العالم الغريب وواجه مصاعبه واهواله، وهو يلخص حياة البحر بهذا الحوار الصريح مع الموج:

يا بحر فيك الرزق لاشك مخطور

اكبر خطر غوص البحور الغزيره

واكبر مصيبة عندنا يا بو منصور

لا هبت رياح ٍقوية خطيره

وإلا نساك السيب في جمة بحور

اما نعس والا تعومس مريره

والنوخذة لا صار ضايق ومحشور

نضيق من ضيقه ونعجب نظيره

لعيون خلي سيد البيض والحور

سيد البنات اللي نهوده صغيره

لزيد في ذاك الخطر سبع شهور

ان كان ذا يرضي خوافي ضميره

ويتضح من خلال الابيات الاخيرة مدى حاجة الانسان الى معانقة هذا الخطر المرعب، حين يصبح ركوب البحر سبيلا وحيدا للحصول على الرزق والوصول الى الحبيبة وتحقيق الاحلام المشتركة، مهما بلغت صعوبة الامر، فهو يقول في احدى قصائده:

والله جزاما راح يمسح دموعه

اني لخلي روحتي يم سيلان

والرحيل الى الموانئ البعيدة يرافق ركوب البحر، وفي مدينة بومبي الهندية احدى اشهر المحطات التي كان يقصدها الكويتيون في ذلك الزمان، يأتي العيد فيتذكر الشاعر الحبيبة والوطن ويقول:

بالهند جانا العيد يا شين عيده

لو قالوا انه عيد ما ظنتي عيد

عيد بليا صاحبي ما نريده

يعل عيده عاد لو انه بعيد

انا في بمبي عنه داري بعيده

وهو بدار مطوعين الاواليد

دار الصباح اهل الفعول الحميده

واقول لهل الدار مبروك العيد

مبروك يااللي وسط قلبي وحيده

عسى عليك العيد مبروك وسعيد

عيدتي بالعيد هذا قصيده

عيدية مني لمتعب هل الصيد

في غربتي سويت انا هالنشيده

يوم ان حبه بالحشا دايم يزيد

هني من شاف داره

ويتملك حب الكويت قلب هذا الشاعر الذي اجبرته حياة البحر على فراق بلاده، فيحاول الالتصاق بها من خلال قصائده:

هبت علينا الشمال وزادت الموجه

يا كبدي اللي من القلاب حاميها

القاع فيها العسام وصار به روجه

علايم الشيت غير الدول كاسيها

اخيرا من شوف «ابو عينين» وبروجه

شوفة «غميضة» ومسكنها واهاليها

نفسي بوسط الكويت تصير مبهوجه

بلادي اللي من الاوطان مغليها

عيني من البعد يا الاجواد مزعوجه

هني من شاف داره واهتنا فيها

وفي قصيدة اخرى، يحاول ابن رميح ان يتغلب على وجده وشوقه لبلاده، ويستيعض عن ذلك بالدعاء لها بالخير والمطر، من دون ان ينسى بالطبع محبوبته التي تنتظره هناك:

ياالله عسى برق ٍتزايد لميعه

يمطر على جبلة وشرق الغمامي

عله من الاجواد يضفي ربيعه

يضفي على دار الشيوخ الحشامي

دار الصباح من البحر للوريعه

ومن الوريعة لين ياصل سنامي

يجيب عشبه من عيون ٍوسيعه

من سندو ابه ما لفتني علامي

ابو شفادة ٍمثل حمر الوشيعه

ما شفتها الا يوم طاح اللثامي

من العام حالي يا بن سالم وجيعه

حالي من الفرقا طواها اليهامي

كانه نسي يا الله عساه القطيعه

وكانه صدق يا الله عليه السلامي

وبما ان ضويحي من الرجال الذين عرفوا البحر واهواله، نجده يفاخر بذلك بقوله:

ركب البحر صعب ما داسوه شردان الرجاجيل

ما داسه الا شجاع ٍما يهين النفس لا احتاج

وهو يصف الحالة الصعبة التي يكون عليها الغواص، ويذكر رحيله وتنقله بين المغاصات العميقة، فيقول:

البارحة مرقدي في راس تنوره

واليوم بالهير قطوا فوقي حبالي

وفي موقع خاص داخل السفينة (بين التعاريض والسكان) يتذكر محبوبته، فيقول:

انا البارحه بين التعاريض والسكان

تلاقيت انا واللي عيوني يودنه

هجدني وانا في مشغلة بندر الخشبان

شمالي ابو عينين وشرقّي من جنه

سرى الليل كله ما سرى مدمج السيقان

انا والغضي في مرقدي مع هل الفنه

وانا اصبحت بالبيضة وهو مع هل الطرشان

على كوكب حرش ٍالعراقيب يردنه

منقولة من مجلة «الزمن» العدد 33 - 22/5/1999.

back to top