رمضان مبروك... هنيدي الأوّل

نشر في 09-01-2009 | 00:00
آخر تحديث 09-01-2009 | 00:00
محمد هنيدي وزملاؤه من صنّاع فيلمه ذي العنوان الطويل «رمضان مبروك أبو العلمين حمودة»، وبعض النقاد والصحافيين، هؤلاء كلهم تحدثوا عن هذا الفيلم على نحو بالغ الجدية، لكننا لا ننظر إليه النظرة ذاتها.

يقول هنيدي ومخرج الفيلم وائل إحسان وكاتبه يوسف معاطي: «لقد تناولنا موضوعاً مهماً وحيوياً في المجتمع المصري اليوم وهو التعليم ومشاكله، والمدرّس وعمله، وحال الشباب والطلاب... وفيلمنا دعوة إلى عودة الثقة بين المدرّس والتلميذ المصري اليوم» (27/12/2008).

أما بعض المعلقين على الفيلم، وسواء من منطلق الإعجاب به أو الاعتراض، فراح يقيّمه بمعيار جاد، على المستوى الدرامي ومستوى الأفكار، بينما هو في الحقيقة لا يتعدى كونه فيلماً خفيفاً من نوع كوميديا الأفكار العامة البسيطة جداً، التي لا تهدف إلا الى جلب الضحك، وربما الابتسام فحسب. والحق أن الفيلم من هذه الناحية حقق هدفه، من دون ابتذال ملحوظ، وبقدر من الاتقان المعقول، ولذلك استقبله الجمهور استقبالاً حسناً وسط دفعة الأفلام التي عُرضت خلال عيد الأضحى المبارك، محققاً بذلك أعلى الإيرادات مقارنة بغيره، وأرقاماً لم تحققها أفلام هنيدي منذ وقت طويل.

كان هذا نتيجة طرافة الفيلم، بدءاً من السيناريو والحوار، مروراً بكفاءة التنفيذ ومحورها مخرج قادر على إدارة عناصر الفيلم الفنية المختلفة نحو هدفها.

حوّل يوسف معاطي أحداث الفيلم الأميركي القديم المشهور «الملاك الأزرق» إلى كوميديا، ثم خفّف من منطق الدراما الواقعية، إذ لا يمكن أن نتصور مثلاً إمكان حدوث ما رأينا في الفيلم من وقوع علاقة عاطفية تتطوّر إلى زواج، بين مدرّس اللغة العربية البسيط الفلاح رمضان مبروك والنجمة الكبيرة الساطعة وسط الأضواء وفي سماء الغناء، والتي اختار لها صانع الفيلم اسماً على غرار هيفاء وهبي وهو نجلاء وجدي! وتؤدي هذا الدور الفنانة اللبنانية سيرين عبد النور على نحو لطيف مقبول.

ببساطة، لا نتصوّر مثلاً دخول هذا المدرّس على نجمة الغناء المشهورة في غرفتها أثناء عملها من دون حتى وجود أحد يسأله «إلى أين؟!»، لا مدير أعمال ولا حرّاس ولا بواب! حتى أنها تشعر بالارتياح تجاهه من أول نظرة. لم لا، أليس بطل الفيلم ونجمه؟! لقد جاءها ليمنع ذهاب تلامذته المشاغبين إليها، خوفاً على مستقبلهم ودراستهم لكنه ينجذب إليها، وتتحوّل الحكاية إلى عاطفة وعلاقة حب فزواج، ثم إلى مشكلة عدم رضا أمه (ليلى طاهر) عن العلاقة والزواج (أضاف وجود ليلى مذاقاً جميلاً في الفيلم)، لكن «رمضان» حريص على أمّه وعلى رضاها، فيسارع الى الطلاق من دون محاولة كافية لحلول أخرى، ثم تقتنع الأم بالمرأة المغنية فترضى من دون تمهيد كافٍ، كذلك تقتنع المغنية بالتوقّف عن الغناء إرضاءً للحبيب والأم... ليهنأ الجميع في النهاية.

ليس هذا تفكيراً فنياً درامياً يحمل منطقاً حقيقياً جاداً، يقصد به أصحابه تقديم فيلم متماسك مقنع درامياً، أو تقديم فيلم يناقش قضايا «حيوية» تهم المجتمع وتشغله... قضايا التعليم والمدرّسين والشباب! لكن أصحاب الفيلم يتحدثون عنه كذلك، بقدر ما يعلّق عليه البعض، كما ذكرنا، بالمنطق نفسه تماماً.

يُذكر أن أحد أعضاء مجلس الشعب في مصر هاجم الفيلم «لأنه محتوى يشوّه صورة المدرّسين في مصر...». و»رمضان مبروك أبو العلمين حمودة» في حسابنا فيلم خفيف، لا بأس به. وقد استمتعنا بأداء محمد هنيدي الظريف وخفة حضوره التي لا يمكن إنكارها. وبعدما كان تألُّق هنيدي انطفأ أو خبأ في «بلية ودماغه العالية»، وفي «يا أنا يا خالتي» وأغنيته المبتذلة الشهيرة بدرجة من الإسفاف يتعذر التغاضي عنها، يطل هذا الفنان الأول الذي فتح الطريق أمام جيله في الكوميديا، بل أمام جيل جديد في السينما المصرية سواء في الكوميديا أو غيرها، إن لم يكن أمام أكثر من جيل طال انتظاره، خصوصاً قبل عقد من الزمان بفيلميه المميزين «صعيدي في الجامعة الأميركية» و»همام في أمستردام» (إخراج سعيد حامد وتأليف مدحت العدل).

هنيدي الأول في دفعته، وعلى رغم ظهور موهوبين كثيرين معه وبعده، لا يزال يؤكد تميزه وحضوره المحبب ولماحاته الخاصة كممثل كوميدي مهم. الطريف أن مؤلف الفيلم بعد أن حوّل قصة «الملاك الأزرق» ومأساته إلى عمل سينمائي من أعمال الفكاهة، وكان مقرراً بحسب مخرج الفيلم الإشارة في عناوينه إلى أنه اقتباس عن الفيلم الأجنبي المعروف وجدا «بعد أن أجرينا تعديلات على السيناريو أن نحذف جملة الاقتباس» («المصري اليوم» 27/12/2008). وجدا أن الفيلم الجديد طمس ذلك الأصلي، لكن الأهم أن المنطق في الفيلم ضاع، وبقي «رمضان مبروك أبو العلمين حمودة» مجرد عمل فكاهي خفيف نعترف بظرافته!

back to top