أمل توحيد المسلمين الوحيد
في كل عام ومع حلول شهر رمضان، يتجدد السؤال: هل يبدأ المسلمون جميعاً صيامهم في يوم واحد إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد إسلامي ما؟ هل تنطلق فرحتهم بالعيد في الوقت ذاته أم يبقى الأمر حلماً بعيد المنال؟ ثمة دول تعتقد أنه لا يجوز الصيام على رؤية الدول الأخرى للهلال، وأنه لا بد من أن تراه في سمائها لتبدأ الصيام، بينما تؤكد أخرى أنه طالما ثبتت رؤيتُه في أية دولة فلا مانع من الصوم.
«الجريدة» وضعت القضية على طاولة علماء دين وفلك، عبر التحقيق التالي.في فتوى سابقة له، قال مفتي مصر د. علي جمعة بثبوت الهلال اعتماداً على الحسابات الفلكية الحديثة: «الرؤية في اللغة العربية من أفعال العلم وليست من أفعال الإدراك البصري فحسب، فالعلم الذي يتم التوصل إليه بالبصر والحساب والكاميرات والأقمار الاصطناعية شيء يمكن أن نصل به إلى الإدراك، ونتيجة لتلوث الأرض بصورة مستمرة، قد لا نستطيع على مدار سنوات رؤية الهلال، على الرغم من أننا على يقين بوجوده، لذلك أجمعت مؤتمرات عدة على أن تحديد بداية الأشهر العربية بالحساب الفلكي أمر قطعي».لعل من أوائل العلماء الذين اهتموا بالقضية، مفتي مصر الأسبق د. نصر فريد واصل، عندما طرح عام 1998 مسألة الاستطلاع بالقمر الاصطناعي، يقول عن فكرته: «تمت الموافقة على هذا المشروع في مؤتمر التقويم الهجري الموحد في عام 1414هـ، ويقوم على أساس أن القمر يدور حول الأرض مرة كل ساعة ونصف الساعة بمعدل 16 مرة يومياً، بالتالي تتفق جميع الدول الإسلامية والعربية، على مستوى العالم، على اختلاف المواقيت والأزمنة أو تتلاقى في جزء كبير من الليل (لا يقل عن 4 ساعات ونصف الساعة)؛ إذ إن ليلها واحد ونهارها واحد مع اختلاف توقيت بداية ونهاية الليل والنهار».يضيف د. واصل: «يمكننا، من خلال وضع جهاز استطلاع جوي داخل القمر الإسلامي، أن نجعل كل دولة تتأكد من ظهور الهلال أو عدم ظهوره، بحيث إذا ظهر يراه الجميع ويكون من حقهم الصيام أو الإفطار. سيقضي القمر، إذا انشأ، على الخلافات كلها المثارة بين الدول الإسلامية، سواء كانت حول الأخذ برواية دولة واحدة وتعميمها على الدول أو على دولة أخرى، أو حول الرؤية الفلكية والرؤية العينية، كذلك تعتبر توحيد الرؤية الشرعية على مستوى الدول العربية والإسلامية، خطوة أولى لتحقيق الوحدة في المجالات الأخرى كافة، وهو أمر أصبح المسلمون جميعاً في أمسّ الحاجة إليه».الغريب في الأمر، وفق ما يوضح د. واصل، أنه على الرغم من أن ذلك المشروع أصبح جاهزاً للتنفيذ منذ سنوات، وتمت الموافقة عليه من قِبل مؤتمر التقويم الهجري ومؤتمر دول العالم الإسلامي، ومؤتمرات إسلامية دورية أخرى، وثمة حساب مصرفي مفتوح بالدولار والعملات المحلية له، وعلى الرغم من التعاقد مع إحدى الدول الراعية للمشروع لتنفيذه، إلا أن مشكلة التمويل ما زالت تعوقه. «يرجع السبب الرئيس وراء ذلك إلى أن المسؤولين على مستوى الدول الإسلامية مقصرون تجاه الأمر وغير مدركين لأهمية توحيد الأمة لمجابهة الآثار السلبية والمعوقات التي تقابلها في الحياة العملية وفي العلاقات الدولية، وثمة دول ما زالت متمسكة برأيها في رؤية الهلال في بلدها بالعين المجردة وغير مقتنعة بالحسابات الفلكية والعلم الحديث، للأسف ما زال الخلاف بين الرأيين قائماً».يؤيد د. مسلم شلتوت (أستاذ بحوث الشمس والفضاء ونائب رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك) الحساب الفلكي لأنه، وفق قوله، علم يقيني بينما الرؤية ظنية، موضحاً أنه لا يوجد إجماع على الأخذ باستطلاع الأقمار الاصطناعية في توحيد الأهلة العربية من الناحيتين الفنية والشرعية، اذ يرفض علماء الشريعة في المملكة العربية السعودية، رصد الهلال بالقمر الاصطناعي باعتبار أنه لا يجوز شرعاً وأن الرؤية الأرضية هي نقطة الفصل في ذلك.من الناحية الفنية، لأن الاستطلاع بالقمر الاصطناعي لا بد من أن يكون على ارتفاع ألف كلم عن سطح الأرض، وذلك يتطلب إجراء برامج محاكاة وبالتالي ستكون الصور المرئية على أجهزة التلفزة مخالفة للصورة الحقيقية التي سجلت بعدسات القمر الاصطناعي.يضيف د. شلتوت: «عقدت جمعية إسلامية في هولندا مؤتمراً لمناقشة هذه القضية في الفترة الأخيرة، واتُّفق على ثلاثة شروط للموافقة على الأخذ بنتائج استطلاع القمر الاصطناعي، هي: -لا بد من أن يولد القمر الجديد قبل الظهر في يوم الرؤية.-لا بد من أن يكون مكث 20 دقيقة بعد غروب الشمس في اليوم 29 من الشهر. -لا بد من أن يكون البعد الزاوي بين القمر والشمس 5 درجات. إذا تحققت الشروط يكون غداً (أي اليوم التالي ليوم الرؤية) هو بداية الشهر العربي الجديد. أما إذا لم تتحقق أي من الشروط الثلاثة يكون اليوم التالي هو المكمل للشهر، ثم يكون اليوم الذي يليه هو بداية الشهر العربي الجديد».يعتبر المفكر الشيعي أحمد راسم النفيس أن المشكلة ليست في القمر الاصطناعي وهل هو جائز أم لا، بل تتعدى ذلك بكثير وتدخل في اعتبارات سياسية، واختلاف بين العلماء، حتى الشيعة أنفسهم يختلفون في ذلك وهو لا يبرئهم من الاعتبارات السياسية. «شخصياً أستبعد أن يحدث أي اتفاق حول توحيد هلال رمضان أو غيره من الأشهر العربية، لأن الحسابات الفلكية قائمة ولا أحد يكترث بها، وفي بعض الدول يؤخذ بالرؤية المجردة بالعين وشهادة شاهدين، وغالباً يكونان غير عادلين، الأخذ بالرؤية البصرية نوع من عمى البصيرة».يتساءل د. حسن عبيدو (أستاذ التفسير في كلية الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر): «هل يمكن أن ينقل القمر الاصطناعي صور ظهور الهلال عند الغروب في جميع أنحاء العالم الإسلامي، كما ينقل مباريات الكرة ووقفة عرفات وما إلى ذلك؟ إذا كان باستطاعته ذلك، يصبح فرض عين على كل دور الإفتاء في العالم الإسلامي، أما إذا لم يستطع ذلك فيجب أن تكون هناك هيئة دينية عالمية لها تأثير القبول، كدار الإفتاء في مكة المكرمة أو المجمع الفقهي في مكة، ومن ثم يجب عقد اجتماع، ليلة أول كل شهر وإلزام العالم الإسلامي كله برأي واحد. أصبح الحساب الفلكي راهناً حقيقة علمية يقينية لا تحتمل الخطأ، تستطيع مراصد الفلك أن ترصد وتقدر مطالع الشمس والقمر لسنوات مقبلة وتحسبها بالدقيقة والثانية».بدوره يعتبر د. أحمد كريمة (أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر) أن من المقرر شرعاً أن ثبوت الرؤية يكون بأحد أمرين: إما برؤية الهلال وإما باكتمال شعبان ثلاثين يوماً، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً».يشير د. كريمة الى أن « العلماء والفقهاء اختلفوا في رؤية الهلال حول مدى التزام المسلمين كافة به إذا ثبتت رؤية الهلال في قطر إسلامي أم لكل قطر رؤيته كما فعل ابن عباس (رضي الله عنه)، وذلك خلاف قديم ما زال قائماً إلى الآن»، مشدداً على أن الأصل أن تتحد الأمة في أمورها العبادية. «كان الخلاف في رؤية الهلال مستساغاً في الماضي، لتباعد الأقطار وصعوبة الاتصالات. أما الآن فلا عذر للمسلمين، نظراً إلى التقدم العلمي من الممكن أن تحلق طائرة فوق السحاب لرصد الهلال وبالتالي تتفق الأمة على رؤية موحدة للأهلة شرط التزام الدول الإسلامية كلها بهذه الرؤية». يرى الشيخ محمود عاشور (وكيل الأزهر الأسبق) أن من مساوئ العالم العربي والإسلامي عدم الإتفاق على رأي واحد في صيام رمضان، وبذلك اختلفت أعيادهم وأفراحهم، وانتقل الخلاف إلى العرب المقيمين في أوروبا، فكل يصوم ويفطر مع بلده، وبذلك تزيد حدة الخلاف. «فكرة القمر الاصطناعي الإسلامي طيبة وعظيمة نتمنى تطبيقها على أرض الواقع».من ناحيته، يقول د. عبد المعطي بيومي (العميد الأسبق لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر): «قضية الأهلة والرؤية البصرية والحسابات الفلكية شائكة، لن تزول إلا بالفهم الراقي والتقبل لواقعنا الحاضر الذي أصبح أكثر انفتاحاً على العلم، والتقنية التي تغني عن كثير من الشك واللبس، حيال هذه القضية التي تزورنا أحداثها في كل عام مرتين، أصبحت الحسابات الفلكية الآن وسيلة قطعية لثبوت الأشهر ما يستدعي الأخذ بها. يتطلب الزمن الراهن اعتماد التقنية الحديثة لاستطلاع الأهلة نظراً إلى تلوث أجواء الكرة الأرضية بحيث قد تستحيل الرؤية بالعين المجردة».أما د. آمنة نصير (أستاذة العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر) فتعلق على هذه القضية قائلة: «تعتبر حالة التشرذم التي تعاني منها الأمة العربية والإسلامية السبب في عدم القدرة على توحيد الكلمة في بداية شهر الصوم. من المؤسف أن لدينا من وسائل التكنولوجيا الحديثة ما يسهل عملية تحديد بداية الأشهر العربية، ولكن لم يحدث ذلك بعد».فتاوىفي فتوى للأمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت (رحمه الله) قال: «إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد إسلامي فإنها يجب أن تثبت في البلاد الإسلامية كافة، وبالتالي يصبح الصيام فرضاً على الجميع».فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: يثبت دخول شهر رمضان، أو الخروج منه بالرؤية البصرية سواء كانت بالعين المجردة أم بواسطة المراصد، إذا ثبت في أي بلد إسلامي بطريق شرعي عملاً بالأمر النبوي الكريم الذي جاء به الحديث الشريف «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا»، واشترط المجلس ألا ينفي إمكان الرؤية في أي قطر من الأقطار بواسطة الحساب الفلكي، فإذا جزم هذا الحساب باستحالة الرؤية المعتبرة شرعاً في أي بلد فلا عبرة بشهادة الشهود التي لا تفيد القطع وتحمل على الوهم أو الغلط أو الكذب؛ وذلك لأن شهادة الشهود ظنية وجزم الحساب قطعي، والظن لا يقاوم القطعي، فضلاً عن أنه يقدم عليه باتفاق العلماء.