الدور الثقافي

نشر في 20-02-2009
آخر تحديث 20-02-2009 | 00:00
 محمد سليمان بعد الاحتفال بمرور مئة عام على إنشاء جامعة القاهرة عُقدت في معرض القاهرة للكتاب احتفالية أخرى بمناسبة مرور نصف قرن على إنشاء وزارة الثقافة، وعلى مدار عام كامل كان الاحتفال بالجامعة التي ولدت عام 1908 ضرورياً ومُرحباً به بسبب دورها التعليمي والتنويري وسعيها إلى تغيير الواقع المصري والدفع به إلى آفاق النهوض والتقدم، ولعلنا نتذكر جهود أحمد لطفي السيد وطه حسين وأحمد أمين وغيرهم من رواد التنوير والتعليم الذين انطلقوا من هذه الجامعة، محاولين تحديث المجتمع وتغيير واقعه، وبوسعنا أن نقول إن أبناء وأحفاد هؤلاء الرواد مازالوا يحملون الشعلة ويواصلون، رغم انحطاط الواقع وترديه، الجهد ذاته.

من ناحية أخرى لم تحظ احتفالية وزارة الثقافة بنفس الاهتمام والترحيب ربما لأن معظم المثقفين والمبدعين يعدون هذه الوزارة مسؤولة عن تهميش المثقف، خصوصاً المُعارض والمستقل أو المختلف، وعن انحسار الدور الثقافي المصري في العالم العربي في نصف القرن الأخير، ويتذكرون طه حسين وحديثه قبل عقود عن انتقال المركز الثقافي من القاهرة إلى بيروت، وكان العميد في الواقع يشير إلى تحول المناخ في مصر، وتآكل هامش التسامح والحرية، ومن ثم كان الانتقال إلى بيروت القادرة على احتضان الجديد والتجريبي والمختلف أمراً لا مفر منه وضرورة تتطلبتها حركة الإبداع والثقافة بوجه عام.

ومن المعلوم أن اتساع هامش التسامح والحرية يؤدي إلى ازدهار الثقافة وتعاظم دور المثقف وحضه على الابتكار والتجديد، واتساع هذا الهامش في مصر قبل أكثر من قرن بسبب خروجها من دائرة النفوذ العثماني سمح لرواد التنوير المصريين والعرب برفع راياتهم والسعي إلى تغيير الواقع وتحديثه، وأوجد مناخاً مشجعاً للإبداع والحوار والتجريب واستحداث فنون لم يعرفها العرب من قبل كالمسرح والقصة والرواية والسينما. وقد أدى اتساع هذا الهامش إلى إبراز القاهرة كمركز ثقافي تتحاور فيه التيارات الفكرية والإبداعية والسياسية، ويهاجر إليه الكتاب والشعراء والمفكرون والمطربون والممثلون والإعلاميون من عواصم عربية أخرى للمشاركة في نشاطاته، وقد ظل هذا المركز قادراً وفعالاً حتى منتصف القرن الماضي وقيام ثورة يوليو 1952، ومن ثم حل الأحزاب والتنكيل بالمعارضين وإلغاء التعددية.

وقد رصد طه حسين هذا التحول مبكراً عندما تحدث عن انتقال المركز الثقافي من القاهرة إلى بيروت التي احتضنت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي حركة النشر والتحديث والتجريب والترجمة، وقدمت ورسخت عدداً كبيراً من الشعراء والكتّاب العرب الموهوبين والمتمردين والساعين إلى إبداع مختلف، وقد ظلت بيروت مركزاً للثقافة العربية، وعيناً لها ترصد بها التحولات الفكرية والإبداعية في الغرب حتى منتصف السبعينيات واندلاع الحرب الأهلية التي أطاحت بهوامش الحرية والتسامح والتعددية، ومن ثم بدور بيروت الثقافي الذي لم ترثه على ما أظن عاصمة عربية أخرى.

كما تعددت في العقود الثلاثة الأخيرة المراكز الثقافية في العالم العربي من المغرب إلى دول الخليج، وأصبح لكل مركز دوره وخصوصيته واهتماماته الثقافية، والسؤال الذي تردد في الأيام الأخيرة عن تراجع الدور الثقافي المصري في المنطقة العربية هو سؤال مسكون بالرومانسية والحنين إلى ماضٍ غابر كانت فيه مصر وحدها، بسبب الاستبداد العثماني وتسلطه، مؤهلة للقيام بهذا الدور، وبقيادة حركة التنوير ومشاريع التقدم.

لكن الظروف تبدلت تماماً في نصف القرن الأخير بعد تحرر الأقطار العربية من معظم أشكال الاستعمار، وتصاعد قدرات عواصم عربية عديدة على لعب دور بارز ومؤثر في المجالين الثقافي والإعلامي، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار منجزات عصر الاتصالات في الأعوام الأخيرة والحرية المتاحة للفضائيات ولمجلات ودور النشر الإلكتروني القادرة على إلغاء الحواجز والمسافات، والوصول بالمنتج الثقافي والإبداعي إلى أطراف العالم.

لكن هذه المنجزات لا تعني اتساع هامش الحرية والتسامح وتحرر المثقف من الرقابة والملاحقة في بلادنا التي تضيق بكتابها ومبدعيها وتقلص باستمرار حريتهم وقدرتهم على أداء دورهم، ويكفي أن أشير إلى القضايا والأحكام التي صدرت ضد أربعة من المبدعين، وهم أحمد عبدالمعطي حجازي، وجابر عصفور، وجمال الغيطاني، وحلمي سالم والأحكام الأخرى التي صدرت ضد أربعة من رؤساء تحرير الصحف المعارضة والمستقلة في الفترة الأخيرة.

* كاتب وشاعر مصري

back to top