ما قل ودل: المحكمة الجنائية الدولية (7) محاكمة رؤساء عرب وأفارقة بعد البشير

نشر في 06-10-2008
آخر تحديث 06-10-2008 | 00:00
 المستشار شفيق إمام بدأت هذه السلسلة من المقالات بالمذكرة الصادرة من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير، لاتهامه بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وهو ما أثار علامات استفهام لدى المواطن العربي الذي اعتاد على تأليه حكامه، وأنهم بمنأى عن أي مساءلة، وهو ما اقتضى في هذه السلسلة إلقاء الضوء على بعض أحكام نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تعرفنا فيها على أسباب نشأة هذه المحاكمة التي فرضتها الحربان العالميتان الأولى والثانية، والانتقادات التي وجهت لمحاكمات نورمبرغ، والتي كانت الدول المنتصرة فيها تحاكم قادة الدول المنهزمة، وبينا في المثالين السابقين المسؤولية الجنائية لرؤساء الدول والحكومات، وأن أوامر الرؤساء لا تعفي المسؤولين عن الجرائم الدولية من العقاب، لنصل إلى النقطة الأهم التي أثارت الدنيا ولم تقعدها، وهي أنه من الممكن جدا محاكمة أي رئيس عربي، بعد البشير وهذا هو لبّ القضية التي شغلت أذهان بعض الرؤساء العرب، عقب صدور مذكرة التوقيف في حق الرئيس البشير، ولا أستبعد أن يكون قلق هؤلاء وفزعهم من هذه المذكرة وراء المظاهرات التي خرجت إلى الشوارع العربية لتندد بهذه المذكرة وتدين المدعي العام، ولا نستبعد أن تكون التحركات العربية لإنقاذ الرئيس البشير ورفاقه من أمر الاعتقال الدولي والمحاكمة، هي سبب هذا القلق الذي ساور الرؤساء العرب.

وهل هذه القضية لم تكن خافية على الكثير من الأقلام الصحفية العربية والمثقفين العرب في المقالات والتصريحات التي نشرت بموضوعية وشفافية.

عمرو موسى ومنى الشاذلي

ومن هذه التصريحات ما جاء على لسان أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى أثناء زيارته إلى السودان في أعقاب صدور هذه المذكرة، عندما أجاب عن سؤال لمذيعة إحدى القنوات الفضائية التي كانت تجري في السودان في الوقت نفسه حواراً مع نائب الرئيس السوداني، إذ سألت منى الشاذلي في برنامجها الشهير «العاشرة مساء» السيد عمرو موسى سؤالاً واضحاً وصريحاً، وطلبت منه الإجابة عنه بنعم أو لا فقط، قالت له هل يمكن أن يخضع رؤساء عرب آخرون لنفس المحاكمة التي يتعرض لها البشير الآن؟ فأجاب: يمكن أن يحدث بالطبع.

الجهود المكثفة لاحتواء الأزمة

ولهذا كان التحرك السريع لاحتواء قضية البشير، فكان اقتراح ليبيا الذي تقدمت به بطلب إضافة فقرة جديدة الى القرار الخاص بتمديد تفويض القوى المشتركة (يوناميد) في إقليم دارفور، تقضي بتعليق قراراتها ضد البشير، وهو التعليق الذي أقره مجلس الأمن مدة سنة.

وهو ما طالبت به منظمة المؤتمر الإسلامي والمجموعة الأفريقية الكاريبية الباسيفيكية، والاتحاد الإفريقي الذي باشر مفوض الاتحاد المكلف بالأمن والسلم به رمضان العمامرة اتصالاته بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن للإقناع بهذا التعليق.

زلزال ضرب القصور وهز العروش

وكتب صلاح الدين حافظ في صحيفة الأهرام القاهرية في يوم 23 يوليو 2008 تحت عنوان «وماذا بعد جلب الرؤساء للمحاكم الدولية» يقول: لابد أن زلزالا قد ضرب أركان قصور الحكام، وهز عروش السلطة بدرجة لم تحدث من قبل... وأنه إذا مضت الأمور كما يجب ويريد السيد أوكامبو فإن هذه الذراع ستطول رؤوس الكثيرين، حيث نظم الحكم وكبار المسؤولين متهمون على الدوام بالفساد بارتكاب الفظائع وممارسة الانتهاكات في حق شعوبهم من الانفراد بالسلطة إلى الانفراد بالثروة ومن المبالغة في القهر إلى توسيع دوائر الفقر.

قضية الحكم الصالح الرشيد

ويضيف الكاتب فيقول: نعرف أن تسييس أعمال المحكمة الجنائية الدولية، واستغلالها بعيداً عن معايير القضاء العادل أمر قائم، وندرك أن المعايير المزودجة أمر شائع في مثل هذه الأمور خاصة، ونثق بأن دولا كبرى مثل أميركا تستغل هذه المنابر القانونية والقضائية، ونعلم أن أزمة دارفور تحديدا قد لعبت فيها أياد عديدة ونشاطات خبيثة حتى أوصلتها إلى المحاكمة الجنائية الدولية.

ولكننا بالمقابل نعرف أن قضية الحكم الصالح الرشيد، وتحقيق العدالة واسترجاع الشعوب لثرواتها وصيانة حقوقها وحرياتها، ضد نظم القمع والفساد والاستبداد قضية تستدعي التعلق بقشة حتى لو كانت المحكمة الجنائية الدولية، التي نتصور أنها ستكون رادعا من بين روادع عديدة لمن أغوتهم قوة السلطة ونفوذ المال المنهوب، وممارسة قهر شعوبهم بلا قانون أو شرعية.

كيف يفسر «لويس أوكامبو» الدكتاتورية

وفي هذا السياق ألف لويس أوكامبو، المدعي العام كتابا بعنوان «كيف نفسر الدكتاتورية لأولادنا».

كتب فيه يقول كيف نشرح لأولادنا الاغتصاب والتشريد؟ كيف نبرر لهم هروبنا من المواجهة؟ إن كل ما قدمناه للضحايا كان مجرد وجبة مشكوك في وصولها إليهم؟ كيف نفسر أننا اكتفينا بإلقاء «أجولة- شوالات» الدقيق وصناديق الطعام من باب الطائرة من فوق ارتفاع كاف للهروب من المخاطر، ولكن السؤال الأهم: وهل نتمنى لأولادنا العيش في ظل الإبادة والقتل والاغتصاب والفساد؟ أي عالم سنخلفه لأولادنا؟

أصل المشكلة في دارفور

وكعادتنا نحن العرب، تركنا الخطر الذي يحدق بالسودان، الذي لم يكن لويس أوكامبو مسؤولا عنه، ولكن العرب جميعا كانوا مسؤولين عن هذا الخطر، وهو تقسيم السودان إلى كانتونات أو دويلات، وإن إثارة القلاقل والتمرد في دارفور كان جزءا من مخطط دول أجنبية، لتستبيح أرض السودان الزاخرة بالثروات الطبيعية، وسلة غذاء الوطن العربي، وهم في رد فعلهم تركوا أصل المشكلة داخل الصراع في دارفور، بدلا من الدعوة الى عقد مؤتمر عربي لحل مشاكل التنمية في السودان وجنوبه بوجه عام، ودارفور بوجه خاص، التي بدأ الصراع فيها بين الرعاة والزرّاع من أهل الإقليم حول أزمة المياه التي يعانيها هذا الإقليم.

لويس أوكامبو ناشط حقوق إنسان

نعم تركنا أصل المشكلة لنعيش في أوراق لويس أوكامبو، لتشويه صورته وإضعاف موقعه، واتهامه بأنه أداة للدولة الطامعة في ثروات السودان، حيث لم نجد في أوراقه إلا قضية عن اتهامه بتحرش جنسي بصحافية من جنوب إفريقيا، وهو الاتهام الذي وجهه اليه موظف بالمحكمة لجأ الى منظمة العمل العربية، بعد أن تم فصله من المحكمة، وهو اتهام لم تثبت صحته، ونفته الصحافية نفياً قاطعاً.

وقد عارضت بشدة، في اجتماع لإحدى لجان البرلمان العربي، حضرته في دمشق لبحث قضية البشير، عارضت ما أثير في المناقشات التي دارت في هذا الاجتماع من وجوب رد المدعي العام لويس أوكامبو بدعوى عدم استيفائه للمؤهلات والخبرات المتطلبة لهذا المنصب قبل أن أعرف شيئاً عن هذا الرجل، الأمر الذي دفعني إلى التنقيب في ملفه، والبحث في تاريخه، فعرفت أنه قبل تعيينه مدعيا عاما في المحكمة الجنائية الدولية كان أحد نشطاء حقوق الإنسان في الأرجنتين وأنه وصل إلى المحكمة من خلال ملفه الوطني في الأرجنتين بقرار أجمعت عليه الدول المشاركة في التصديق على الاتفاقية الخاصة بإنشاء هذه المحكمة وبوضع نظامها الأساسي، وقد تولى التحقيق في عدة قضايا خاصة بحقوق الإنسان وبالفساد، فتصدى لمحاكمة القادة العسكريين في الأرجنتين خلال فترة التحول الديمقراطي، وأثبت التهمة عليهم، وتولى التحقيق كذلك في محاكمات العسكريين المسؤولين عن حرب جزر الفوكلاند وقادة التمرد العسكري في الأرجنتين عام 1988.

كما شارك في تأسيس شركة قانونية متخصصة في برامج مكافحة الفساد وحماية حقوق الإنسان، كشفت عن ضلوع جهاز الشرطة السري في تشيلي في مقتل الجنرال كاروس براتس، وكان للشركة إسهاماتها في كشف عدد من قضايا الرشوة السياسية وفي حماية الصحافيين من الملاحقات.

وقد شغل العديد من المناصب الاستشارية الدولية منها البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة لتقديم استشارات للحكومات لإنشاء نظم مكافحة الفساد.

ومن هنا فإن إثارة الغبار على تاريخ هذا الرجل، لا تخدم قضية البشير.

back to top