طموح مُرتجل... قندرة
الآن، وبعد أن هدأت عاصفة «القندرة»، أو ما يُسمّى بحادثة الحذاء الشهير، نستطيع أن نتحدث بهدوء عنها، وأن نتناولها بعقلانية ومنطق ما ستتجلى عنه من انعكاسات سلبية على الشخصية العربية، كأنه لم تكفِنا كل النتائج المتخلفة من عملية الحادي عشر من سبتمبر التي قصمت العلاقات الإنسانية، وأنزلت الشخصية العربية إلى أسوأ أحوالها، فتحولت النظرة إلينا ليس كمتخلفين فقط بل أُضيف ما ينقصها لتكتمل بصورة الإرهابي، ولتضيق علينا كل مساحات الحرية والكرامة. الحكم على نضوج الشخصية يتم عن طريق معرفة قدرتها على التحكم بدرجة انفعالاتها وردود أفعالها تجاه كل ما يواجهها من أحداث، وكلما كانت الشخصية ناضجة كانت ردود أفعالها موزونة وعاقلة ومحترمة، لكن أن تكون ردود الفعل الشعبي عامرة بكل هذا الانفعال العاطفي الطافح بالفرح تجاه حدث يسيء إلينا وإلى شخصيتنا العربية، ولسلوكها غير المتوازن تجاه حدث غير لائق بنا ولا بحضارتنا الممتدة عبر قرون من التاريخ الإنساني، فكيف يأتي فعل قذف رئيس دولة بحذاء وهو في ضيافتنا المشهورة باحترام الضيف وحسن استقباله حتى إن كان عدوا لنا، وكأن هذا الحذاء بات من أكبر انجازاتنا العربية حتى نهلل له من المحيط إلى الخليج.
للأسف، دائما نهلل لنكساتنا القادمة، التي لن تمر بسهولة مثلما مرت حادثة الحذاء، فردود الفعل تجاهنا لن تمر بذات السهولة، إذ من المتوقع ألّا يُسمح بدخول الصحافيين بأحذيتهم مرة أخرى في أي لقاء أو مؤتمر، ربما سيدخلون حفاة، أو يجلسون من خلف حاجز شبكي أو زجاجي مثلا، وربما لن يُسمح لهم باصطحاب هواتفهم النقالة، أو مسجلاتهم، أو أي أجهزة أخرى لأنه قد تصبح موضة قذف الرؤساء بكل شيء صالح للقذف والإصابة والتنشين. هذه الصورة البشعة للعرب ستزيد المعاملة المعادية لهم، وستضاعف التشويه المحاصر لسمعتنا. وبالنسبة إلى شخصية قاذف الحذاء «منتظر الزيدي»، لا أدري إن كان فعلا بطلا يحلم بتغيير مصير العراق إلى الأفضل أو أنه يحلم بتغيير مستقبله الشخصي إلى الأفضل؟ ففي المقابلة التي أجراها «زافين» في محطة المستقبل الفضائية، والتي استضاف فيها مجموعة من الصحافيين العراقيين -وهذه المقابلة تمت قبل حادثة الحذاء- ما لاحظته عليه في المقابلة هو أنه شخص طموح جدا بشكل لاهث وغير طبيعي، حيث كان يريد الاستحواذ على كل الأسئلة وعلى الانتباه التام، حتى إنه قال لزافين إنه يعدّ نفسه لرئاسة الوزارة وليس لوزير في وزارة، ولأجل أن يصبح رئيسا لوزارة مُنتظرة رفض أن يكشف عن أي شيء فعله ويخجل منه، لأنه لا يريد أن يحاسبه عليه أحد، حتى إن كان من زملائه، وفي رأيي أنه أراد أن يطهّر صورته المستقبلية باعترافه هذا حتى يستبق من يريد فضحه في المستقبل الذي يكون فيه حين ذاك رئيسا للوزارة. شاب مثله عانى الفقر وعمل منذ طفولته وأكمل دراسته رغما عن هذه الظروف السيئة، ألا تعيد هذه الأوضاع ذاتها في صورة أخرى؟ هذا الطموح القاتل ألا يذكرنا بصدام حسين آخر كان ينتظر الفرصة المناسبة للقفز إلى المستقبل؟«منتظر الزيدي» لبد في إعداد فكرته، وفكر في قنص فرصته الذهبية التي ستقذف به إلى أحلامه الكبيرة بأسرع من البرق، لذا كان تصرفه مدروسا ومحضّرا من قبل، جلس على حذائه متحفزا للحظته القادمة، وما أسهلها من لحظة... بالفعل قذفت به إلى الشهرة والنجومية وهذا ما يريده، وعلقة تفوت ولا حد يموت، وسيخرج من السجن بطلا مثل «مانديلا» المجاهد ضد المستعمر لبلاده، وسيعين حاكما أو رئيسا للوزراء كما هي خطته، وأتمنى لحظتها ألّا ينسى أن الفضل في ذلك يعود إلى سقف الحرية الذي يتمتع به العراق اليوم من بعد إزالة صدام حسين.