النفط والطاقة حوادث مصافي النفط بفعل فاعل... التدخل السياسي! مؤسسة البترول مشارِكة في الجرم إذ لم تحرج معطلي التنمية

نشر في 27-01-2009 | 00:00
آخر تحديث 27-01-2009 | 00:00
No Image Caption
قد يُرجع البعض الحوادث المتكررة في مصافي النفط الكويتية إلى بيئة العمل الخطيرة، واحتوائها على مواد مشتعلة، لكن متخصصين نفطيين الْتقتهم «الجريدة» أكدوا أن التدخلات السياسية تلعب دوراً رئيسياً وأساسياً في مثل هذه الحوادث التي تحتاج إلى وقفة صارمة تجاه من يعبث بأهم قطاع في الكويت.

دعا عدد من المتخصصين في القطاع النفطي الى ضرورة تحييد الخلافات والتجاذبات السياسية عن القطاع النفطي الذي يجب ان يعامَل بحِرفية فنية بعيدا عن المصالح الضيقة لبعض الاطراف التي سعت الى ايقاف عدد من المشاريع التنموية في القطاع النفطي.

وبينما طالب البعض بتفعيل دور المجلس الاعلى للبترول واعطائه صلاحيات تنفيذية اكثر حتى يكون مشرفا على الجوانب الفنية والمالية في القطاع النفطي، قال آخرون ان من المهم وضع برنامج متكامل لتجديد مصافي النفط التي تتعرض يوما بعد يوم لكثير من المخاطر.

وقال المدير التنفيذي في شركة عارف للطاقة طارق الوزان ان القطاع النفطي يجب ابعاده عن التدخلات والتصفيات والمساومات، وهذا جوهر اساسي، ويجب تفعيل دور المجلس الاعلى للبترول واعطاؤه صلاحيات تنفيذية اكثر بحيث يكون مشرفا على الجوانب الفنية والمالية في القطاع النفطي، مشيراً إلى انه يجب التعرف على سبب تكرار الحوادث ومدى ارتفاع نسبها العالمية، وهل تحصل بنفس الاعداد والظروف ذاتها التي تمر بها الكويت؟ الجواب لا... لان هناك تدخلات سياسية نتيجة مساوماتٍ عادة ما تأخذ وقتا طويلا، إضافة إلى أنها تؤخر الاصلاح والتنمية، وهو ما حصل بمشروع تطوير حقول الشمال.

وقال الوزان انه يجب ايجاد هيئة متخصصة تعمل على تسهيل احتياجات القطاع النفطي وفصل القطاع عن لجنة المناقصات. واعطاء صلاحيات اكثر للقطاع الفني للامن والسلامة، حتى يتمكن من تحقيق الاهداف المطلوبة، حيث يطلق عليهم اسم «أطباء المصفاة والبنية التحتية» لمعرفتهم بمعدات المصافي، وهم يحددون ان كانت تصلح للعمل ام لا، وللاسف في الكويت لا يؤخذ بملاحظاتهم، وليست لهم سلطة بعكس الدول الاوروبية التي يعد فيها القطاع الفني هو الآمر الناهي.

وأضاف أن من المطلوب محاسبة المسؤول المقصر والابتعاد عن مصطلح «عفا الله عما سلف»، لأن المسؤول تقع تحت سلطته ارواح بشر، ولا يجب الاستهتار بها، مشيرا الى ان هناك مسؤولا لا يخطئ لأنه لا يعمل، كما أن هناك مسؤولا يخطئ لانه يعمل، بالاضافة ان البعض يخطئ لانه مهمل وهنا يكمن الخطر.

وقال ان القطاع النفطي قام بتهجير مجموعة من الكفاءات من خلال تحويلهم الى التقاعد، مشيرا الى ان هناك في جميع الشركات العالمية مَن يحال الى التقاعد ولا ينتهي دوره، بحيث يكون له دور استشاري فعال ويقوم بتغطية النقص في بعض المواقع لأن قدرات الأفراد في نهاية الامر تتفاوت من حيث الخبرة، مضيفا ان عدم وجود الخبرة ادى الى حدوث بعض الحوادث والاعطال الفنية الخارجة على المألوف.

صيانة التدخل السريع

من جانبه، يقول المحلل النفطي حجاج بوخضور: منذ بداية تسعينيات القرن الماضي والقطاع النفطي يسير بشكل متهاوٍ، ودخل في مرحلة لفظ الانفاس، او اصابتها بالاعاقة، موضحا ان مؤسسة البترول منذ ذلك الوقت وهي تهوي بسبب التعاطي الاداري داخل المؤسسة والتعاطي السياسي تجاه الثروة النفطية، من السلطتين التنفيذية والتشريعية على السواء، وهو ما كنا نحذر منه مرارا وتكرارا، خصوصاً ان السلطة التشريعية بحاجة إلى الاصلاح، والرقابة قد رفعت ادوات الهدم، ووجهتها إلى رأس القطاع الحيوي للدولة، ونتيجة لذلك تتكرر الحوادث النفطية، مضيفا ان المشكلة تكمن ثقافة الصيانة والعمل في مؤسسة البترول.

وأشار إلى أنه إذا قدرنا الحوادث وفق المقياس العالمي -حتى لا نتجنى على القطاع النفطي- وإذا أردنا أن نقيم وضع المنشآت في الكويت، قياسا على نظيرتها في العالم لوجدنا منشآتنا ليست قديمة قدم نظيرتها في أميركا مثلا، حيث تمتد الى اكثر من 150 سنة، ومع ذلك تكون اسباب التعطل هناك عادة بسبب الاعاصير والكوارث الطبيعية، ولم نسمع عن اسباب تعطل لديهم كتلك التي تحصل في الكويت، مؤكدا ان اغلب المصافي في الكويت لا تتعدى الـ60 عاما، ولعل السبب في ذلك هو مستوى صيانة وادارة هذا القطاع.

وعن الحلول الممكنة للتقليل من هذه الحوادث قال بوخضور انه يجب تأسيس فرق صيانة للتدخل السريع تقوم بعملية التدقيق لمعالجة العاجل من متطلبات التشغيل ووضع خطط صيانة، وتدقيق فني للمنشآت النفطية، وبعد التشخيص هناك 3 حلول للصيانة فهناك الصيانة الوقائية المصممة وفق الثقافة التشغيلية في الكويت، وهناك صيانة روتينية بالاضافة الى الصيانة الطارئة.

واضاف انه مطلوب تغيير ثقافة العمل في المؤسسة وان تضع برنامجا شاملا تفصيليا ثم توجهه إلى مجلس الامة، على أن يربط بميزانية لحل مشاكل الحوادث، وعلى القطاع النفطي الا يستحي وألا يجامل، فالكل يعلم ان هناك صراعا بين السلطتين السياسية والتشريعية «للتمصلح» كما حصل مع المصفاة الرابعة، ويجب طرح الموضوع بقوة من قبل المؤسسة، وعلينا ألا «نتحجج» بأن السلطة التشريعية هي العائق، ولكن يجب إحراج من يتعمد تعطيل التنمية، وتطوير هذا القطاع وإلا فإن القطاع النفطي شريك في الجريمة.

المصافي منتهية الصلاحية

وأكد استاذ هندسة البترول بجامعة الكويت د. صلاح المضحي ان حوادث المصافي امر طبيعي، فتلك البيئة خطيرة، ومن يعمل من المؤكد انه سيخطئ. ولكن يجب ان يعرف الجميع ان مصافي النفط في الكويت من اقدم المصافي بمنطقة الخليج، ومنها ما يتعدى العمر الافتراضي، كما ان المعدات المستخدمة في المصافي منذ بداية بنائها ولا تواكب التطور الذي تعيشه التكنولوجيا في وقتنا الحاضر، مضيفا أن هناك صيانة دورية للاجهزة والمعدات، ولكن هذا في نهاية الامر لا يشفع، لأن المصفاة منتهية الصلاحية.

واضاف ان من الخطر الاستمرار على هذه المصافي القديمة لانها في نهاية الامر ستؤثر على العاملين، وسير العمل بشكل الصحيح، موضحا انه من المفروض وجود برنامج طويل الامد لتغيير وتجديد المصفاة بشكل جزئي لكي لا يتعطل الانتاج.

وألقى المضحي باللوم على القطاع النفطي لعدم تقديمه خططا لتطوير المصافي لاسيما في السنوات الماضية، عندما كانت الفوائض موجودة في ميزانية الدولة باستثناء تقديم مشروع المصفاة الرابعة، موضحا ان هناك اطرافا اخرى تتحمل التأخير في تطوير المصافي، خصوصاً من نواب مجلس الامة، ولكن الخطأ في نهاية الامر مشترك يتحمله القطاع النفطي ومجلس الامة، ويجب الالتفات بشكل سريع من قبل الحكومة، وخصوصا إلى المشاريع التنموية التي تحتاج الى دعم من قبلها وهذا ما لم نره في المرحلة الماضية.

وأشار المضحي إلى وجوب وضع برنامج متكامل لتجديد مصافي النفط، لأن من اولويات الشركات النفطية المحافظة على البيئة، والعاملين، فمن الاولى وضع خطة تدريجية لتطوير المصافي التي يعمل بها كثير من الايدي العاملة، والتي تتعرض يوما بعد يوم لكثير من المخاطر، مضيفا أنه يجب البدء في البرنامج الآن، ورصد المبالغ المخصصة لتلافي الحوادث في المستقبل، التي تعرض الثروة النفطية الى الخطر.

بوليصة التأمين

من جهته، قال نائب رئيس مجلس إدارة الشركة المتحدة للمشروعات النفطية خالد الهارون ان بيئة المصافي بطبيعتها خطيرة ومعرضة لاي حادث، كونها تتعامل مع مواد سريعة الاشتعال، فهناك اجراءات صارمة للامن والسلامة لتلافي الحوادث وتقليلها، ومن المستحيل أن نمنع الحوادث بشكل نهائي، وهو ما يدعو بعض الشركات بين فترة واخرى إلى التباهي بأنها لم تتعرض لحوادث خلال 5 آلاف ساعة، بحيث يدخل هذا الاعلان ضمن الايجابيات في ملف الشركة، خصوصاً في ما يتعلق ببوليصة التأمين، حيث ان كثرة تكرار الحوادث تؤثر سلبا على فاتورة التأمين.

وأضاف: اذا نظرنا الى مصافي الكويت، فهي ليست بجديدة، ولكن العبء الكبير يقع على فريق الصيانة، خصوصاً في برمجة اقفال المصفاة للتدقيق على الانابيب والمفاعلات وقياس نسبة الامان.

اما في ما يتعلق بالايدي العاملة ومستواها لاسيما من شركات المقاولة، فقال الهارون ان الحوادث قد تأتي بسبب التعاقد مع عاملين غير مدربين، خاصة في عمليات الصيانة ولكن يجب ان تكون هناك فرق خارجية تتأكد من مستوى الصيانة وتدقق على نسبة الامان فيه وهي عادة ما تأخذ تقاريرها لتقييم شركات التأمين، مشيراً إلى ان من اسباب مثل هذه الحوادث ما يتعلق «بالتوظيف الجائر» من خلال الواسطة التي لا تعتمد على الخبرة والكفاءة، مما يأتي بعواقب وخيمة نتيجة لهذا التوظيف غير العادل في القطاع النفطي.

وأوضح أنه نظرا لتكرار الحوادث في الماضي استعان القطاع بشركات عالمية لتلافي الحوادث، ولكن يبقى السؤال هل سيستمر القطاع على هذا النمط، ام انه يأتي كرد فعل على اي حادث؟ ويجب في المرحلة المقبلة التقصي عن اسباب الحوادث، وهل سببها نقص في الصيانة أو تخاذل أو تغاضي عن بعض الامور.

تطييب خواطر النواب

قال وزير النفط الأسبق د. عادل الصبيح ان مصافي النفط بشكل عام والمرافق الصناعية المماثلة دائما معرضة للمخاطر على مدار الساعة، والسبب أن بيئة العمل خطيرة لوجود مواد سريعة الاشتعال مضيفا أن مثل هذه المرافق تحتاج الى صيانة مستمرة، وبعضها يأتي طبيعيا بحسب معدلات الحوادث على مستوى العالم، غير أن البعض الآخر قد يتجاوز المعدل الطبيعي، إذ لا يمكن التحدث عن هذه الحوادث بمعزل عن المعدلات العامة، حتى يكون التقييم علميا، ولكن ما يحصل من تقييم في الكويت لحوادث المصافي هو عبارة عن تقييم سياسي، فإذا كان المسؤول مرضيا عنه فستمر مثل هذه الحوادث مرور الكرام دون اي تعليق او مساءلة، واذا كان غير مرضي عنه فستغدو هذه الحوادث اداة ووسيلة للنيل منه، وللاسف عندما يتم التحدث عن هذه الحوادث يكون الدافع سياسيا، لا فنيا لتجنب مثل هذه الحوادث.

وقال الصبيح إن المؤسسات التي تدير المصافي يجب أن تكون منضبطة لأبعد الحدود، بحيث تكون مؤهلة بشكل جيد، وتوظف العمالة الماهرة، وان تكون قادرة على الحد من اي تدخلات، سواء في التوظيف او معاقبة المخطئين، موضحا اننا إذا نظرنا الى الكويت فسنجد ان مثل هذه المرافق الحيوية لا تستطيع ممارسة دورها بحرية مهنية، كما ان هذه المرافق تتعرض لكثير من التدخلات في الترقيات، بالاضافة الى حماية الموظف المقصر في عمله مما يقلل من التزام الجميع.

وأشار إلى ان المشكلة في ظل هذه الظروف تتجاوز الجهاز الفني الذي يدير المصفاة، وترجع إلى من يتدخل لحماية غير المنضبطين، مما أدى إلى فقدان الجهاز الفني قدرته على التزام تنفيذ برامج الصيانة، مضيفا انه يجب منع التدخلات السياسية في القطاع النفطي، لاعتماد الكويت عليه بصفة أساسية، بالاضافة الى اعطائهم الدعم الكامل والحرية في قيامهم بدورهم، كما يجب تعيين الاكفاء في هذا المجال لا أصحاب الواسطات والمحسوبيات، والابتعاد عن تطييب خواطر بعض نواب مجلس الأمة في هذا المجال.

back to top