هل يفوز الغرب في حرب أفغانستان؟
لمَ نطرح هذا السؤال الآن؟
ما من دليل على أن الحرب شارفت على نهايتها. فحركة طالبان تزداد قوة وتوسّع انتشارها في أجزاء مختلفة من البلد، على رغم وجود 70 ألف جندي غير أفغاني. وتخسر حكومة حميد كرزاي سلطتها ومصداقيتها في أفغانستان وخارجها. بالإضافة الى أن العاصمة كابول تعرّضت لاعتداءات مذهلة هذه السنة، مثل الانفجار المدمر في السفارة الهندية وآخر في فندق سيرينا الفاخر. كذلك أصبح مصير أفغانستان أكثر أهمية اليوم لأن رئيس الولايات المتحدة المنتخب، باراك أوباما، قال إن بلده سيواصل القتال، بخلاف العراق، حيث التزم بسحب 150 ألف جندي أميركي. كذلك وعد غوردن براون بتعزيز القوة البريطانية في أفغانستان المؤلفة من 8 آلاف جندي. وثمة إشارات تُنبئ بأن الحرب قد تمتد إلى باكستان لأن الولايات المتحدة بدأت تستخدم طائرات بلا طيار لمهاجمة أهداف داخل الأراضي الباكستانية.كيف ظهرت حركة طالبان مجدداً بعد أن هُزمت تماماً عام 2001؟ظنّ البيت الأبيض أن حرب الإطاحة بطالبان بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) نجحت بسرعة أكبر وكلفة أقل مما كان متوقعاً. ففي وجه حملة جوية أميركية دعمت الائتلاف الشمالي المناهض لطالبان، سقطت كابول ومدن أخرى من دون قتال. لكن هذه الأحداث كانت أشبه بخدعة. فلم تحارب حركة طالبان حتى النهاية، بل عاد مقاتلوها إلى قراهم وهرب قادتها عبر الحدود إلى باكستان. تمتعت حركة طالبان بملجأ آمن داخل الأراضي الباكستانية، وشكّل ذلك مفتاحاً أساسياً لاستمراريتها. لطالما اعتمدت على مديرية الاستخبارات الداخلية الباكستانية للحصول على دعم عسكري وتوجيه في عملياتها. في سياق متصل، يخاف الجيش الباكستاني من أن تحاصره قوات معادية. لذلك لا يزال يرى في حركة طالبان الأفغانية أحد حلفائه القلائل. في البداية، نجحت الولايات المتحدة في ترهيب الجيش الباكستاني بعد العام 2001. لكن عندما غزا الرئيس جورج بوش العراق عام 2003، بدأ قادته يدركون أن «حربه على الإرهاب» لم تكن خطرة إلى هذا الحد. نتيجة لذلك، أعادوا إحياء طالبان ودعموها لتصبح قوة لا يُستهان بها.لمَ فشلت الحكومة الأفغانيّة في توطيد الاستقرار بعد سقوط طالبان؟افتقرت الحكومة المركزية التابعة لحميد كرزاي إلى ركائز أساسية لتحقق هذا الهدف، خصوصاً الموظفين المهرة المدربين. كذلك كانت البنية التحتية الاقتصادية منهارة. ولم يشهد الأفغان أي تحسّن يُذكر في حياتهم. علاوة على ذلك، اعتبرت الولايات المتحدة أسياد الحرب حلفاءها المحليين، على رغم أن المواطنين الأفغان يكرهونهم. فإذا استثنينا التعصّب الديني وسياسة التعتيم، نرى أن جاذب طالبان السياسي اعتمد على معارضتها المفترضة لأسياد الحرب. ولربما مُوِّل هذا التمرد بأموال تجارة الأفيون. تقدّر الأمم المتحدة راهناً أن أفغانستان تنتج 92% من الأفيون الذي يُحوَّل إلى هيروين ويُباع إنتاجها بنحو 4 مليارات دولار سنوياً. يبرز أيضاً القلق من أن القوات الأجنبية الإضافية، على رغم أنها قد تقوّي الحكومة في بعض النواحي، سترسخ اعتقاد الأفغانيين بأن حكومتهم ما هي إلا دمية أجنبية.هل تضمن تعزيزات القوات الأجنبيّة النصر العسكري على طالبان؟إنه احتمال بعيد لأن الحرب بدأت تنتقل إلى باكستان. ففي الأراضي الباكستانية يتدرب مقاتلو طالبان ويجندون أعضاءً جدداً ويحصلون على إمدادات ضرورية لقواتهم. وما دام المتمردون يتمتعون بمعاقلهم هذه، سيتمكنون دوماً من النهوض مجدداً بعد كل هزيمة.كذلك تحاول الولايات المتحدة دفع الجيش الباكستاني إلى إقفال الحدود، لكن هذا الهدف مستحيل سياسياً وعسكرياً. إذ لا تعترف الحكومة الأفغانية بالحدود الراهنة التي فرضتها بريطانيا عشوائياً في القرن التاسع عشر. ولطالما اعتبر الجيش الباكستاني حركة طالبان الأفغانية مصدر قوة له، بخلاف تنظيم القاعدة وحركة طالبان الباكستانية الخطرين في نظره. خلال الأسابيع الأخيرة، لم يواجه مقاتلون مسلحون ببنادق رشاشة وقاذفات قنابل صاروخية صعوبة تُذكر عندما أوشكوا على إقفال خط الإمدادات الحيوي الخاص بحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة عبر ممر خيبر. يُظهر هذا الواقع مدى الخطر الذي تتعرض له القوات الأجنبية في أفغانستان المحاطة باليابسة من كل جانب. فقد تمكّن المتمردون من التنقّل بحرية بين الجبال الحدودية وفي بيشاور أيضاً، تلك المدينة على مدخل ممر خيبر.هل يتعرّض الغرب لخطر التورّط في مواجهة بين الهند وباكستان؟إنه خطر كبير. تحل أفغانستان بسرعة مكان كشمير بصفتها القاعدة حيث تتواجه باكستان والهند. فالنخبة الباكستانية شديدة الحساسية إزاء أي إشارة إلى ازدياد تأثير الهند على أفغانستان وسعيها إلى زعزعة الاستقرار في باكستان بمساعدة المتمردين في إقليم بلوشستان الباكستاني. اشتدت هذه المواجهة إثر اعتداءات مومباي التي نفذها عشرة من مقاتلي عسكر طيبة قدموا من باكستان في نوفمبر (تشرين الثاني). قد تعمد الحكومة الباكستانية إلى قمع هذه الحركات الجهادية، لكنها لن تتخلص منها لأنها تعتبرها مفيدة على الأمد الطويل، على غرار حركة طالبان الأفغانية. كذلك تتذكر باكستان بمرارة أنها لم تلقَ سوى تجاوب ضئيل من الجهة الهندية عندما خفّضت عدد المتمردين المتسللين إلى كشمير بنسبة 85% بعد العام 2004. ولعل أحد أخطر أوجه الأزمة المتنامية في جنوب آسيا يكمن في أن الصراعات التي تشمل أفغانستان وباكستان والهند بدأت تتلاقى. هل ستفوز حركة طالبان في أفغانستان؟مستحيل، لأن حركة طالبان مرفوضة من الطاجيك والهزارا والأوزبك وغيرها من أقليات أفغانية يتألف منها معظم الشعب. قد تنال طالبان حصة في السلطة، لكن بالنسبة إلى الأفغان العاديين، ربما يعني ذلك أن قادة طالبان والمسؤولين الحكوميين المحليين سيسلبونهم مواردهم كلها.ألا يجب دعم الحكومة الأفغانيّة؟يجب دعمها من دون أن يتحول إلى استعمار. فالاتكال على قوة أجنبية للحصول على الدعم العسكري والمساعدات الأجنبية يحمل معه سلبيات لم تأخذها الولايات المتحدة ولندن في الحسبان. إذ لا يملك المواطنون والمسؤولون حافزاً حقيقياً يدفعهم إلى الإصلاح لأنهم يعرفون أن القوى الأجنبية ستنقذ دوماً الحكومة في كابول.هل يحمل تدخّل الولايات المتحدة في العراق دروساً لأفغانستان؟نعم، إلا أنها مختلفة عما قد نتوقعه. فزيادة عدد الجنود الأميركيين في العراق عام 2007 وخطة أمن بغداد، التي لقيت دعاية واسعة النطاق، لم تحققا إنجازات كبيرة بمفردهما. فقد انتهت الانتفاضة العربية السنيّة ضد الاحتلال الأميركي وتشكّلت الحكومة الشيعية الكردية لأن الشيعة كانوا ينتصرون على أرض المعركة. لكن الوضع في أفغانستان مختلف تماماً. أما الدرس الأهم فهو أن العنف في العراق تراجع عندما شعرت البلدان المجاورة، خصوصاً إيران وسورية، أنها ما عادت مهددة. ينطبق الأمر عينه على أفغانستان. علاوة على ذلك، لا بد من الإقرار بأن باكستان تملك أسباباً وجيهةً لتشعر بالتهديد. ويجب أن تحل الولايات المتحدة هذه المشكلة إذا كانت تريد حقاً تأسيس حكومة مستقرة في كابول.هل يجب أن يرسل حلف شمال الأطلسي قواتاً إضافية لمحاربة طالبان؟نعم- ستمنع هذه القوات حركة طالبان من توسيع سلطتها لتشمل أجزاءً إضافية من البلد.- ستتيح استخدام مساعدات إضافية لرفع مستوى المعيشة وزيادة شعبية الحكومة.- سيؤدي عدد أكبر من الجنود إلى إنشاء جزر يعمّها السلام حيث تستطيع الحكومة الأفغانية البدء بتأسيس نفسها.لا- ستجعل الحكومة في كابول تبدو دمية أجنبية.- عدد الجنود غير كاف ولا يمكن للحكومة الأفغانية ملء فراع السلطة الذي خلّفته حركة طالبان.- لا يمكن للدعم الأجنبي تقديم أي مساعدة لأن الإدارة الأفغانية معطّلة وفاسدة الى درجة أنها تعجز عن إدارة البلد بنزاهة.