الروائي كمال رحيم: شتات اليهود في الأدب يعكس واقعهم

نشر في 18-01-2009 | 00:00
آخر تحديث 18-01-2009 | 00:00

قاص ماهر، تشغله الإنسانية برحابها الواسعة ويغوص في الممنوع والمسكوت عنه، من خلال تناوله قضايا شائكة ومثيرة. كتب عن شتات اليهود روايتين وأثار جدلاً واسعاً. اتهمه البعض بالتحيّز وآخرون وصفوه بالمتسامح. يستعد اليوم لكتابة الجزء الثالث في الموضوع نفسه... عن أعماله وكتاباته وجديده، التقت «الجريدة» الروائي كمال رحيم في الحوار التالي.

لماذا تكرّر الكتابة عن اليهود للمرة الثالثة، على رغم أن كثيرين تناولوا هذا الموضوع سابقاً؟

اليهود المصريون هم أكثر من يعنيني لأنهم يشكلون فئة خصبة للكتابة حولها، وموضوعاً شائكاً تناوله بعض الروائيين سابقاً، وفي مقدمهم الكاتب القدير إحسان عبد القدوس بشكل واضح في روايته «لا تتركني هنا وحدي»، ونجيب محفوظ بشكل هامشي في روايته «زقاق المدق» وفتحي غانم في «أحمد وداود»، وإبراهيم المازني ونعيم تكلا... أعمالي مجرد حلقة في سلسلة تتكلّم عن يهود مصر الذين يشكلون جزءاً من نسيج الشعب المصري.

من يقرأ روايتك لا يستطيع الفصل بين يهود مصر وغيرهم من اليهود في أرجاء العالم.

أصوّر حياة أسرة يهودية، اعتنت ببطل الرواية المسلم «جلال» لأن عائلة والده أنكرته، وفي سياق ذلك أتحدث عن والدته اليهودية، لذا كان من الواجب الإشارة في الوقت نفسه إلى شتات أسرة والدته، لكني لم أقصد التنقيب في شتات اليهود الذي قد يشغل دراسات لا روايات.

لمَ التعاطف مع شخصية اليهودي التي رسمتها؟

يأتي تعاطفي من منطلق أن جدّ البطل رجل مصري، ولد في مصر وعاش وسط أهلها، اضطرته الحياة إلى التشتت، وإن تعاطف معه الآخرون. أعتقد أني تناولت هذه المسألة من منطلق إنساني، وتصادف أن يكون بعض أفرادها يهوداً، منهم المتسامح الذي يؤمن باليهودية الصريحة المتسامحة مثل الجد زكي، وإلى حد ما الخال شمعون، ومنهم الصهيوني الكاره والمتعاطف مع إسرائيل مثل الخال أذاك وهارون زوج الخالة، ويعقوب أبو السعد زوج الأم.

لكن قد يختلط على القارئ إن كنت تقصد اليهودية أم الصهيونية؟

اليهودية دين وتراث حضاري وأنبياء ورسل، أما الصهيونية فحركة سياسية أصولية أسسها هرتزل، ونجحت في إنشاء وطن لليهود على حساب العرب، وتتسم بالتطرّف والقتل والوحشية. وهي حركة منبوذة ومن يتسامح معها خائن لوطنه وأهله. أما أنا فتعاطفي يأتي كما قلت مع اليهود المصريين.

ترى الأم ابنها جلال، بطل روايتك، يهودياً وهو يراها مسلمة، هل يعني ذلك أن الإنسانية تعلو على الدين؟

قلت ذلك في الرواية لأن كل شخصية تعبر عن أحاسيسها تجاه الآخر. فجلال يكاد يعتقد أن أمه مسلمة، وهي تعتقد أنه يهودي نتيجة ارتباطهما الشديد ببعضهما بعضاً. لا أعتقد أن ثمة تعارضاً بين الإنسانية والدين لأن منبعهما واحد، من الله، والبشر كلهم مهما اختلفت دياناتهم يتسمون بنفحة من الله سبحانه وتعالى، هكذا يقول لنا ديننا الإسلامي الخاتم.

يقول جلال في الرواية «ما عاد يجدي الكلام»، هل ترى أن هذه العبارة تنطبق الآن على حالة القضية الفلسطينية؟

كما قلت الرواية تجربة إنسانية، ومحاولة لكشف النقاب عن يهود مصريين تركوا بلادهم رغماً عنهم، وأخشى أن يختفوا من أدبنا وتاريخنا.

موقف جلال من حرب أكتوبر والرافض لزيارة السادات لإسرائيل... هل كان يعبّر عن موقفك؟

من الصعب الربط بين الكاتب والشخصيات، لأن مسألة الكتابة معقدة يغلفها الخيال والواقع معاً، لكن هذا لا يحول دون ورود أفكار الكاتب على لسان بعض الشخصيات أحياناً.

لم أقصد اليهود ووجهة نظرهم في حرب أكتوبر، بل وضع الجاليات العربية والإفريقية وتقبّلها لهذا الحدث لأني شاهدت بعيني رد الفعل العربي إزاءه خلال رحلتي إلى فرنسا.

سعيت إلى ترسيخ التسامح في «أيام الشتات»، هل اليهود نفسهم يؤمنون بذلك؟

لا يشغلني اليهود أو غيرهم. أنا أعتقد بضرورة التسامح، وإن وجدت لدى الطرف الآخر الرأي نفسه، سنلتفي حتماً ونتقارب. وانحيازي للمسلمين بديهي وطبيعي، لأنني عربي مسلم فكيف أنحاز إلى غيرهم؟ وإن كانت لديَّ القدرة على حمل السلاح لذهبت إلى غزة للدفاع عنها، لكن سنين عمري الطويلة لا تسمح بذلك.

لماذا هاجر اليهود من مصر، هل بسبب القوانين التي فرضتها الدولة المصرية أم لحلمهم بالعودة إلى إسرائيل؟

ترك اليهود مصر لسببين، الأول: لما فعلته إسرائيل في حرب 48 و56 و67، وما شكّله ذلك من رد فعل لدى الشعوب العربية، وموقف مصر ضد اليهود فشعروا بأن لا أمان لهم في البلاد العربية. والثاني: الضغوط التي مارسها النظام السياسي القائم في مصر آنذاك عليهم.

لماذا تسرد أحداث روايتك السابقة «قلوب منهكة» بضمير المتكلّم؟

أميل إلى استخدام الضمير الأول أي ضمير المتكلم، لأنه يجعلني أمسك بتلابيب الشخصية المحورية وأنظر إلى العالم والشخصيات الأخرى من خلال نظرتها. وحتى في مجموعتي القصصية التي أصدرتها سابقاً استخدمت ضمير المتكلم في معظم القصص.

في «قلوب منهكة» تجعل الطفل بطلاً، هل يثير ذلك استنكاراً ما؟

اندهشت عند ملاحظتي الأطفال من الجيل الجديد، وأحببت تقمُّص هذه الشخصية. في «كليلة ودمنة» مثلاً، استنطاق للحيوان وليس الإنسان فحسب.

عملت مديراً للأنتربول المصري في فرنسا... كيف تقيِّم وضع الجاليات العربية في الخارج؟

يتأثر العرب جداً بما يحدث في أوطانهم ويغارون على بلادهم، خصوصا جاليات شمال إفريقيا وجيبوتي والسنغال. خلال فترة عملي في الأنتربول المصري في الثمانينات، كانت الجالية اللبنانية مشغولة بالحرب على وطنها، وفي ما عدا ذلك الوضع مأزوم.

نبذة

د. كمال صلاح محمد رحيم من مواليد محافظة الجيزة (مصر) عام 1947. تدرج في وظائف الشرطة ووصل إلى وظيفة مدير الأنتربول ودرجة لواء، ثم تقاعد وعمل أستاذاً زائراً في أكاديمية الشرطة في سلطنة عمان. حاصل على دكتوراه في القانون العام - جامعة القاهرة - 1986.

صدر له:

- «مشوار» - قصة فائزة بجائزة «نادي القصة» - 1997.

- «الأم صغيرة» - قصة فائزة بجائزة «نادي القصة» - 1998.

- «شيء حدث» - قصة فائزة بجائزة «نادي القصة» الثانية – 1996.

- «أيام في المنفى» - قصة فائزة بجائزة «نادي القصة» الثانية – 1996.

- «قلوب منهكة» - 2004.

- «أيام الشتات» - 2008.

back to top