تجربة الديوان الاول

نشر في 15-02-2009
آخر تحديث 15-02-2009 | 00:01
 آدم يوسف يتردد شعراء كثر في إصدار ديوانهم الأول، وقد يمتد بهم الأمر سنين طويلة، بعضهم يمتلك تجربة شعرية مميزة وذات نكهة خاصة، لكنهم يحجمون عن النشر بداعي الإحباط ربما، أو هو الشعور باللاجدوى، والزهد بكل ماله علاقة بالشهرة، والأضواء.

وقع بين يدي أخيراً ديوان «فهرس الأخطاء»، الكتاب الأول للشاعر العراقي عبود الجابري، وهو أحد الدواوين التي يقتنيها أحدنا من دون تردد حين يقرأ منها صفحة أو اثنتين، شريطة أن يمتلك ذائقة جيدة، وما أدهشني أن الجابري لم ينشر ديوانه هذا إلا بعد مرور عشرين سنة من الكتابة الشعرية والقراءة ومتابعة تطور القصيدة.

الديوان يحوي خمسة وعشرين قصيدة، سؤالي أين بقية ما كتبه الجابري من قصائد خلال هذه الفترة، هل وأدها في الرمال وضاعت إلى غير رجعة؟ فمن غير المعقول أن تكون قصائد الديوان هي كل ما كتبه الشاعر، ومن غير المعقول كذلك أن تكون كل تلك القصائد غير المنشورة ضعيفة فنياً ولا تصلح للنشر.

ليست مسألة تأخر النشر وحدها ما يعترض الشعراء، مع أعمالهم الشعرية الأولى، بل هناك شعراء يتبرأون من دواوينهم، ويحرقونها، من ذلك ما أعلن عنه الشاعر الراحل محمود درويش، في حوار أجراه معه عبده وازن قبل ثلاث سنوات من رحيله، حيث أعلن أنه بريء من ديوانه الأول «عصافير بلا أجنحة»، يقول: «مجموعتي الشعرية الأولى حذفتها كلياً، ولا أعترف بها البتّة، وكانت صدرت في فلسطين أيام الفتوّة، وهي عبارة عن قصائد مراهقة شخصية وشعرية».

أما الشاعرة سوزان عليوان فلم تتوقف عند ديوان واحد، بل أحرقت الدواوين الثلاثة الأولى من أعمالها الشعرية، لسبب عدم رضاها على المستوى الفني لقصائد تلك المرحلة، تقول: «(إحراق) دواويني جاء في لحظة يأس من الكتابة، من كتاباتي تحديداً، لقد نشرت هذه الأعمال في سن مبكرة، وبالتالي حين تجاوزها وعيي أحسست بعدم الرضا عنها فنياً».

بالنسبة إلى حالتَي محمود درويش وسوزان عليوان قد يكون الإحراق هنا فعلاً رمزياً، فقط لمجرد التخلص من محاولات المرحلة الأولى بكل ما تحمل من طموح وانفعال عاطفي يفتقر إلى الخبرة أو النضج الفني اللازمين، فعلى المستوى الواقعي الدواوين وقعت بين إيدي القراء وهي في عهدة التاريخ وأصبحت جزءاً من إرثهما الأدبي، وشخصياً مازلت أحتفظ بالدواوين الثلاثة من شعر سوزان عليوان بإهدائها الشخصي، حتى إن أعلنت إحراقها أو التبرؤ منها.

ثمة جانب آخر من فعل إحراق الأعمال الشعرية، قد يكون أكثر قساوة وأبعد أثراً، وذلك حين يحرق الشاعر أعماله قبل نشرها، وهنا نكون خسرنا تجربة شعرية وتراثاً أدبياً في الوقت ذاته، يصعب على القارئ كذلك أن يتابع أو يقيم المرحلة تلك من عمر الشاعر إذا كان لا يمتلك من آثار الشاعر شيئاً، ومن النماذج التي بين أيدينا تجربة الشاعر السعودي حمزة شحاته الذي أعلن أنه يتخلص في كل عامين أو ثلاثة من نتاجه الشعري، وذلك لعدم الرضا، أو لشعوره بقصور فني في كتاباته، يزداد الأمر قسوة حين يمتلك الشاعر في داخله حسّ ناقد، هنا لن يتردد أبداً في إحراق أعماله، أو إحجامه عن نشرها لسنين طويلة.

back to top