صوت الحب والأنس والطرب (26) أميرة الأحزان أسمهان... اللحن الأخير... رحيل مفاجئ وأسئلة غامضة

نشر في 30-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 30-09-2008 | 00:00

ترك حادث إطلاق الرصاص وإصابة أحمد سالم آثاراً عميقة أرهقت أعصاب أسمهان وأسلمتها للحزن.

زاد التحقيقات التي واجهتها توترها، وسؤالها عن حقيقة الذي جرى في تلك الليلة، وكذلك الضجة الواسعة التي أحدثها نشر الحادث، ومتابعة الصحف للتحقيقات، والخوض في سيرتها وحياتها الخاصة. كان أكثر ما يقلقها ويحطم أعصابها هو اتهام أحمد سالم لها ليلة الحادث بالانفلات والنشوز، وأنها تخونه مع حسنين باشا رئيس الديوان الملكي وزوج الملكة نازلي، وإن كانت الصحف لم تشر إلى ذلك الكلام الذي تكتمته السلطات ومنعته عن الصحافيين. أخذت أسمهان تتردد على المستشفى لتطمئن على حياة زوجها أحمد سالم الذي كان في خطر الموت.

فكرت في الهرب إلى شاطئ رأس البر، لتمضية أيام عدة، تريح فيها أعصابها، لكن استكمال المشاهد الأخيرة من فيلم «غرام وانتقام» مع يوسف وهبي كان يحتم عليها أن تبقى داخل الاستوديو لتواصل العمل الى أن ينتهي الفيلم. راحت تواجه الكاميرا وهي تعاني مشاعر المأساة التي تعيشها، ووسط المحنة سمعت أن شقيقها فؤاد الأطرش يخطط لإخراجها من مصر وإعادتها إلى جبل الدروز، ما زاد توترها وقلقها.

شرع فؤاد الأطرش في تنفيذ خطته لإبعاد أسمهان عن مصر وإعادتها إلى جبل الدروز، فسافر إلى سورية ومنها إلى السويداء عاصمة جبل الدروز، والتقى هناك بالأمير حسن الأطرش ابن عمه وزوج أسمهان السابق، وروى له حادث إطلاق الرصاص بتفاصيله كافة، مؤكدًا أن أسمهان ستطلب الطلاق وستحصل عليه، ثم تعود إلى حياة الانطلاق والحرية التي كبدتهم وستكبدهم مزيدا من المتاعب، وأنه لا بد من حل نهائي لحماية اسم الأسرة، والتوصل الى الحل قبل أن يخرج أحمد سالم من المستشفى، ثم قال فؤاد من غير تردد: أنت طلقت أسمهان شفويا، وليس في يدها الدليل على الطلاق، فإذا قلت إنك لم تطلقها وأنك تريد عودتها إليك فإن هذا سيحمل وزارة الداخلية في مصر على طلاقها من أحمد سالم وإخراجها من مصر...

فاجأه الأمير بقوله: لكني لا أريد عودتها إليّ...

فقال فؤاد وفي صوته عتاب: لا أقصد العودة بمعناها الصحيح، إنما أريد أن نستدرجها إلى الجبل ونبعدها عن القاهرة، وسلطات الأمن هناك لا تحب إقامتها... ولو غادرت القاهرة هذه المرة فلن تعود إليها إلى الأبد، هل تفهمني؟

قال الأمير وقد أدرك ما يعنيه: أتحسب أن حلك يجدي نفعا؟

* أن يجدي نفعا أو لا يجدي... فتلك مسألة تتركها لي، إنني قصدتك لأن أسمهان تعنيك وتهمك ولا أطلب أن تعيدها إليك، وإنما إلى الجبل... وهي تحمل جواز سفر سوري ومن السهل إخراجها من مصر إذا حصلت لي على خطاب من سلطان باشا الأطرش إلى المسؤولين في مصر، وأيضا خطاب من عبد الغفار الأطرش وزير الحربية السوري...

وافق الأمير حسن قائلا: بل سوف أقابل لك أيضا الشيخ تاج الدين الحسيني رئيس الجمهورية السورية وأحصل على خطاب منه.

ذهب فؤاد لمقابلة عمه عبد الغفار باشا الأطرش في مكتبه في وزارة الحربية السورية، وفي نهاية حوار طويل بينهما قال له عمه: أنا متفهم لكل ما تقول، لكن ماذا تريد مني؟

ـ أريد خطاباً إلى المسؤولين في مصر لإعادة أسمهان إلى الجبل...

حصل فؤاد على خطاب عبد الغفار باشا، وكذلك على خطاب سلطان باشا الأطرش الذي أتى به الأمير حسن، ولم يبق سوى خطاب الشيخ تاج الدين الحسني رئيس الجمهورية السورية الذي سيقابله الأمير حسن بعد يومين، ليحصل فؤاد على تلك الخطابات ويتوجه بها فورا إلى مصر ويطلب مقابلة وزير الداخلية كي يقدم له الخطابات الثلاثة، مطالبا أن ترحل أسمهان عن مصر وأن تعود إلى جبل الدروز! لتنتهي متاعبه ومتاعب الأسرة.

كان يوم الخميس 13 يوليو (تموز) 1944، قال الأمير حسن لفؤاد الأطرش إنه اتصل بمكتب الشيخ تاج الدين الحسيني رئيس الجمهورية السورية، وأن الأخير سوف يستقبله يوم السبت 15 يوليو(تموز).

في صباح اليوم نفسه (الخميس 13 يوليو)، اتصلت أسمهان بصديقتها زهرة رجب في رأس البر وقالت لها إنها ستحضر عندها غدا الجمعة لتمضي بضعة أيام، فقد استأذنت من الأستاذ يوسف وهبي في يومين راحة، خصوصا أنه لم يبق لها في الفيلم سوى مشاهد عدة قليلة جدا... فوافق.

التفكير في قتلها

كان عيد ميلاد كاميليا ابنة أسمهان يوافق اليوم التالي، وهو يوم الجمعة 14 يوليو (تموز)، وكانت كاميليا تعيش مع والدها الأمير في جبل الدروز، فاعتزم أن يحتفل بعيد ميلاد ابنته احتفالا كبيرا ويحتفي بها ليدخل السرور الى قلبها، وفي صباح يوم الجمعة كانت الصغيرة كاميليا تملأ البيت صخبا ومرحا، وتقفز من حجر الأب إلى رقبة الخال الذي كان ينتظر مرور ذلك اليوم بفارغ الصبر ليحصل في اليوم التالي على خطاب رئيس الجمهورية السورية ويعود إلى القاهرة لإخراج أسمهان من مصر!

طافت بذهن فؤاد في تلك اللحظة فكرة التخلص من أسمهان بقتلها... لماذا لا يفعل ذلك وقد فشل في تقويمها؟

خطر له أن يتحسس وقع فعلته على الصغيرة كاميليا، فقال لها وهي جالسة على ساقيه والأمير ينظر إليهما ويسمعه: قولي لي يا كاميليا، هل تبكين لو ماتت أمك؟

فقالت الصغيرة وقد صدمها السؤال: بل أموت وليس أبكي فحسب... نعم يا خالي... أليست أمي؟

انخرطت الصغيرة في البكاء وهي تبتعد عنه، ونظرت إلى أبيها وكأنها تستجير من قسوة سؤال خالها، وشق على الأمير أن تبكي ابنته يوم عيد ميلادها، وقال يعاتب فؤاد: هل في الدنيا خال يحتفل بعيد ميلاد ابنة اخته بهذه الطريقة، ويردد على مسامعها مثل هذا الكلام؟!

أدرك فؤاد أنه تمادى فاعتذر ولاذ بالصمت، وشردت الصغيرة قليلا ثم أقبلت على والدها، وهي تبكي وتسأله: لماذا لا تجيء أمي لتحضر عيد ميلادي؟

قال الأب وهو يخفي أحزانه: في عيد ميلادك المقبل ستجيء، فهي لديها أعمال كثيرة في مصر.

ـ أنت تضحك عليّ يا أبي، كان لديها أعمال في بيروت ودمشق والقدس أكثر فلم تمنعها عن يوم مولدي سابقًا!

السفر إلى رأس البر

في صباح يوم الجمعة 14 يوليو (تموز) استيقظت أسمهان في الخامسة صباحا وأرسلت سائق سيارتها إلى محطة مصر ليحجز لها تذكرة في القطار السريع الذي سيسافر إلى رأس البر، غير أن السائق عاد يقول: سيدتي التذاكر كلها محجوزة، ولن يكون هناك حجز قبل أيام عدة.

فقالت أسمهان في غضب: إذا لنذهب بالسيارة...

استعدت للسفر واصطحبت معها صديقتها التي لم تعد تفارقها ماري قلادة، واستقلا السيارة، وطلبت من السائق أن يسرع، وخلال الطريق ظلت واجمة تنظر من النافذة ولا تتحدث، ولاحظت ماري قلادة ذلك، فسألتها: في ما تفكرين؟!

ـ لا شيء.

* لا تخافي... كل شيء سيكون على ما يرام، وستنتهي المشاكل كلها، وتعود لك أيامك الجميلة وضحكك وغناؤك وصوتك الجميل.

هزت أسمهان رأسها وهي تقول: هل تظنين أن ذلك كله سيعود حقا؟

* مؤكد سيعود.

ـ لا أظن...

* لماذا التشاؤم؟

ـ ليس تشاؤمًا، لكنني أشعر بانقباض غريب... أشعر أنها النهاية يا ماري

* أي نهاية، إن شاء الله ترتاح أعصابك في رأس البر وتعودين أفضل.

ـ لقد وحشتني كاميليا، هل تعرفين أن اليوم عيد ميلادها؟

* إن شاء الله تحتفلين معها العام المقبل في القاهرة.

ـ العام المقبل!! يا ترى من يعيش.

مصرع أسمهان

في تلك اللحظة، كان «الأسطى» فضل، سائق السيارة، وصل إلى كوبري المنصورة، فاجتازه، ثم انحرف إلى اليمين في طريقه إلى دمياط وبعدها رأس البر، تاركا وراءه بلدة طلخا... وبعد بضعة كيلو مترات قطعها السائق بسرعته الجنونية، فوجئ بمطبات عدة لم يستطع معها التحكم في عجلة القيادة، فانحرفت السيارة بشدة إلى اليمين لتهوى إلى قاع «ترعة الساحل»...

لكن السائق استطاع أن يقفز من السيارة في اللحظة المناسبة، تاركًا أسمهان وصديقتها ماري قلادة لمصيرهما المحتوم!!

ماتت أسمهان غرقًا في الحال...

ماتت الأميرة آمال الأطرش... أجمل أميرات جبل الدروز... أجمل مطربات عصرها، وما تلاه من عصور!

ماتت هي وصديقتها ماري قلادة، وكان ذلك في ضحى يوم الجمعة 14 يوليو (تموز) 1944، وأثارت نجاة السائق تساؤلات وتكهنات كثيرة حول الحادث، وأن ثمة من خطط ودبر لقتل أسمهان.

من القاتل؟!

في لحظات انتهت حياة الأميرة والمطربة الأسطورة آمال الأطرش، وكأنها لم يكن لها وجود، وطوال 64 عاما مضت على رحيلها، لم يتوقف الكلام عن لغز الحادث الذي انتهت به حياتها.

هل كان الحادث مدبرا ونتيجة طبيعية لجولات اللعب مع الكبار!

بقيت أصابع الاتهام تشير إلى أجهزة المخابرات التي لعبت أسمهان معها ولحسابها، ثم انقلبت عليها ولعبت ضدها، وليس كما أشاع البعض أن وراء تدبير الحادث السيدة أم كلثوم، خوفا من أن تهز أسمهان عرش نجوميتها وتألقها!!

لكن قبل أن تُتهم أم كلثوم بذلك هناك آخرون تشار أصابع الاتهام بقوة اليهم، خصوصا أن كثيرين من المحللين أكدوا أن إشاعة أم كلثوم أطلقتها المخابرات الإنكليزية نفسها بعد أن اكتشفوا دورها المزدوج، بل والثلاثي «الإنكليزي ـ الفرنسي ـ الألماني»!!

لذلك قيل أيضا إن المخابرات الألمانية هي التي قتلت أسمهان، وأن لديها أقوى الدوافع للانتقام منها، فهي وإن كانت اتصلت بالمخابرات الألمانية بعد انقلابها على الإنكليزيين والفرنسيين، فهي، كما يعتقد الألمان، التي أبلغت المخابرات البريطانية والفرنسية عن الصحافي الأميركي فورد عميل المخابرات الألمانية الذي كان اتفق معها أن يرتب لها اللقاء مع سفير هتلر في أنقره!

لذلك فإن أجهزة المخابرات الثلاثة التي كانت تعمل بشراسة في الحرب العالمية الثانية في هذه المنطقة من العالم، كان لدى كل منها من الدوافع ما يجعلها تدبر مصرع أسمهان!

لعبت أسمهان مع الثلاثة... ضد الثلاثة، وإن كان الرأي الغالب هو أن المخابرات البريطانية كانت الأسبق في الوصول إليها!

غير أن أصابع الاتهام لم تقف عند أجهزة المخابرات الثلاثة المذكورة، فثمة جهات أخرى لديها من الدوافع ما يجعلها تفكر في قتل أسمهان. كان يعرف أن أسمهان على علم بفضائح أمه الكثيرة الملكة نازلي والذي فعلته مع الضباط البريطانيين الشبان في فندق الملك داوود بالقدس، وقد عملت على تسجيل الفضائح بالصور وأرسلتها الى القصر مكايدة منها للملكة نازلي التي كانت تنافسها في حب حسنين باشا، وحتى عندما عادت أسمهان إلى مصر لم تبتعد عن حسنين وعادت علاقتها به على رغم أنه كان تزوج من الملكة نازلي، وتزوجت هي من أحمد سالم.

هناك أيضا الأمير حسن الأطرش الزوج السابق لأسمهان الذي ضاق بنزواتها وإساءتها له وكسر قلبه، لدرجة إقدامها على الانتحار للطلاق منه، وليس الأمير حسن وحده، فمعه أيضا شقيقها فؤاد الأطرش بعد أن اتهمها بالإساءة إلى سمعة العائلة والشجرة الأصيلة شجرة الدروز، لكن تلك الاتهامات التي تشير إلى الملك وإلى الأمير حسن وإلى فؤاد الأطرش لا ترقى على رغم دوافعها ومبرراتها إلى مستوى الخطر الذي يشكله اللعب مع الكبار في عالم المخابرات، خصوصًا في زمن الحرب!!

أين كانوا؟

ماتت أسمهان، لكن كل من أحبوها واختلفوا معها، أين كانوا وقت مصرعها؟

في اللحظة التي ركبت فيها أسمهان السيارة من القاهرة في طريقها إلى رأس البر، كان التابعي يركب القطار من رأس البر في طريقه إلى القاهرة، هو وصديقاه أحمد الصاوي وتوفيق الحكيم، وبعد دقائق من مصرع أسمهان، كان قطار التابعي وصل إلى محطة المنصورة فعرف بالخبر، وراح الصاوي والحكيم يهدئان من روعه وحزنه، وسالت عيناه بالدموع وهو يترحم عليها، وجلس يتذكر أيامه الجميلة معها وراح يقول: «كانت تهوى الجمال في ألوانه ومعانيه كافة؟ كانت تهوى الموسيقى، والشراب الجيد والطعام الجيد، والزهر الجميل والعطر الجميل والثوب الجميل والصوت الجميل! كان غروب الشمس في لونه من الذهب المذاب يملأ عيينها الجميلتين بالدمع! وكان نور القمر وهو أشبه بقطرات الفضة تتساقط من بين أوراق الشجر الكثيف. كان يمسك بأنفاسها، ويشيع في وجهها عجبا من جمال الله وصنعه، شهدنا مرة، هي وأنا، شروق الشمس عند منطقة اللسان في رأس البر، فإذا بها تخرج مصحفا صغيرا كانت تحمله دائما في حقيبة يدها، وتقبل الكتاب الكريم وتبكي! أمام آيات جمال الله... رحمها الله».

يكمل التابعي: «لو أن المتناقضات جمعت في شخص لكان هذا الشخص هو أسمهان، كان إحساسها وشعورها الدائم أنها لن تعيش طويلا، وأنها ستموت وهي في ربيع العمر وريعان الشباب! صدق إحساسها وشعورها، فقد كانت مثل الطيف، والنسمة الجميلة التي تمر بك في يوم حار فترطب حياتك.

لن أنساك يا أسمهان.. رحمك الله.

في اللحظة نفسها أيضًا، لحظة موت أسمهان، كان أحمد سالم يفيق من غيبوبته الطويلة في مستشفى قصر العيني ليرى إلى جانبه والدته وقد أمسكت بيده!

فجأة دخلت إحدى الممرضات وهمست في أذن أمه بشيء جعلها في حالة اضطراب، ولاحظ أحمد سالم ذلك فسأل أمه: ماذا جرى، هل من خطب؟

لم تجبه، فعاد يسأل ويلح في السؤال.

قالت الأم بصوت واهن حزين: أسمهان تعيش أنت!!

أحس بحزن هائل يعتصره، وراح يجهش بالبكاء.

في اللحظة نفسها، دخل الدكتور إسماعيل السباعي وكان يعرف بالخبر، فطلب من الموجودين أن يخرجوا ويتركوا أحمد سالم وحده .

حاولت الأم أن تبقى، لكنه أصر على خروجها أيضا، فخرجت وخرج الدكتور السباعي فسألته: لماذا أخرجتني ثم خرجت أنت أيضا وتركته وحده؟

قال الدكتور: لأنه في حاجة إلى أن يبكي طويلا!

في اللحظة نفسها أيضًا، لحظه موت أسمهان، كان حسنين باشا في بيته مع زوجته الملكة نازلي.

جاء الخبر، فأصابه الوجوم.

راح في دوامة من المشاعر المختلطة، لقد ماتت أسمهان التي أحبها من قلبه، وبموتها ماتت الفضيحة المنتظرة لو أنها عاشت إلى يوم المحاكمة أمام محكمة الجنايات ووقف زوجها أحمد سالم يدافع عن نفسه ويدفع تهمة الشروع في قتلها ومن حوله كبار المحامين الوافدين المتطوعين للدفاع عنه، وقد أعدوا أنفسهم للقول بأن أحمد سالم الزوج المسكين كان ضحية بريئة لعلاقة أسمهان بحسنين باشا رئيس الديوان الملكي، وأن الأخير هو السبب في كل ما جرى وهدفهم من ذلك ليس تبرئة أحمد سالم وإنما فضيحة عدوّهم اللدود حسنين!

لكنها ماتت، وماتت معها الفضيحة!

في مساء اليوم نفسه، لبست كاميليا ثوبا كانت أمها أسمهان اشترته لها من تل أبيب، وبدأ الغناء والرقص وأطفأت شموع عيد ميلادها، ثم وقف الأمير حسن إلى جانبها وبدأت توزيع قطع الحلوى على الحاضرين، وفجأة رن الهاتف فأمسك فؤاد السماعة وإذا بصوت يسأله: من المتكلم فؤاد أم حسن؟

ـ فؤاد.

* أنا هايل الأطرش مدير الأمن العام في السويداء.

ـ أهلا هايل.

* أستاذ فؤاد العوض بسلامتك.

عند ذلك سقطت السماعة من يد فؤاد وقد تبدلت ملامح وجهه، فاستعاد وعيه وتناول السماعة وقد سكت الجميع ووقفوا مذهولين بانتظار معرفة ما أسقط السماعة من يده، ثم تمالك وسأله: فيمن؟

* شقيقتك أسمهان ماتت يا فؤاد.

استجمع فؤاد شجاعته وقال لهايل الأطرش: اسمع يا هايل لا تصدق تلك الإشاعة لأنها دعاية سخيفة لفيلمها الذي تمثله مع يوسف وهبي، لأنه في نهاية القصة يجب أن تموت البطلة، ولا بد من أن استوديو مصر أراد أن يجذب انتباه المشاهدين مسبقًا.

أجابه هايل: كلامك غلط يا فؤاد، سمعت الخبر الآن من إذاعة لندن، ماتت أسمهان وصديقتها ماري قلادة في حادث غرق سيارتها في ترعة عميقة بين قرية طلخا ومدينة المنصورة.

لم يستطع فؤاد الوقوف بعد أن تأكد من خبر الوفاة.

ارتمى على أقرب كرسي مغمى عليه، فالتقط الأمير حسن السماعة وتكلم مع هايل بضع كلمات، وراح يردد: لا حول ولا قوة إلا بالله.

أغلق الهاتف وصرف المدعوين بأدب وقوة أعصاب كي لا ينقلب عيد ميلاد كاميليا إلى «مناحة» واحتضن ابنته التي عرفت الخبر، فأخذت تصرخ ماما، ماما وتبكي بكاء مرا أبكى والدها والعائلة.

الوداع

بعد أسابيع من حادث مصرع أسمهان، عُرض فيلم «غرام وانتقام» وكان أول مشاهد الفيلم نعش مرفوع على الأكتاف بينما يوسف وهبي يمشي وراءه كالمخبول يعزف على قيثارته ألحانا حزينة صارخة! فكان المشهد من البداية إنذارا بالمصير الفاجع الذي لقيته أسمهان قبل أن ترى فيلمها الثاني والأخير «غرام وانتقام» الذي أثار أحزان الملايين من المعجبين بأسمهان الذين كانوا يخرجون من دور العرض وقد امتلأت عيونهم بالدموع.

رحلت أسمهان، وما زال اللغز مستمرا... رحلت المطربة وبقيت الأسطورة... أسطورة أميرة الجبل!!

back to top