المرحلة الجديدة من الإصلاح في البحرين

نشر في 19-04-2009 | 00:00
آخر تحديث 19-04-2009 | 00:00
 بدر عبدالملك يذكرنا مناخ الفرح العائلي الحالي والشعبي في شوارع البحرين بعشية عام 2000 عندما اعتلى جلالة ملك البحرين سدة الحكم، مع شيء مختلف هذه المرة هو تلك الأمطار الكثيفة والغيوم الرعدية، حيث امتلأت الباصات بالمجموعات التي تم العفو عنها بعد أن حكم عليها بمدد طويلة بتهم العنف والقيام بأعمال تخريبية استهدفت أمن البحرين واستقرارها. وتعني رسالة الذين أطلق سراحهم بعفو ملكي حقيقة سياسية جديدة هي أهمية المشروع الإصلاحي وضرورة استمراره بنفس قوة ودفق السنوات الأولى، فتلك المسألة وحدها أزالت من المناخ السياسي والاحتقان المتواصل حقائق مهمة من الضروري أن تستوعبها كل القوى المعنية بالانفراج السياسي، والابتعاد عن اتخاذ العنف والقوة طريقا وبديلا عن الحوار السياسي السلمي لكل معضلات وملفات الوطن اللاحقة والسابقة.

ليس من الضروري أن نتوقف بجمود سياسي للرسالة، إنما بقراءة جديدة للمرحلة التي تمر بها المنطقة والعالم، حيث لا تسمح كل الظروف بخلق جبهات داخلية متوترة ولا بعرقلة النمو الاقتصادي والتنمية بتلك الأعمال العنيفة والتخريب اليومي الذي جعل من هؤلاء ينتقلون من رسالتهم السلمية إلى الدخول في خندق القوة وحده.

كان العفو العام عن 178 سجينا بأعمار مختلفة وقادة وزعماء معارضة ينتمون إلى مرحلة التسعينيات، الذين لم يكونوا مقتنعين بالمشاركة السياسية، فكان قرار هؤلاء في عام 2000 مواصلة نضالهم في المواجهات العنيفة وبشتى الطرق، فالمهم في أجندتهم هو استنزاف النظام في جبهات عديدة، وليس من المهم مدى توازن القوى بين الطرفين، فأعلنت يومها «جمعية الوفاق» و«حركة حق» الحالية، اللتان كانتا في عام ألفين تعتبران جسدا ورأسا تنظيميا واحدا، مقاطعة الانتخابات الأولى بعد إعلان الإصلاح ومشروع الملك التحديثي القائم على تأسيس مجتمع مؤسساتي معاصر يحترم الحريات والقانون والدستور، ودخلت جمعية الوفاق من جديد في صراع بشأن رفضها للمشروع، ولكنها بعد سنوات وجدت أن الساحة السياسية وواقع التوازن والتغيير الذي أحدثه الحكم الجديد في بنية ذلك الصراع يحتم عليها إعادة النظر في توجهاتها السياسية، فعقدت مؤتمراتها الداخلية حول فلسفتها في استمرار مقاطعة الانتخابات أو بضرورة المشاركة، وبالتأثير في القرارات والتشريعات، دون أن يعني ذلك توقف استمرارية عملها الجماهيري السلمي خارج تلك المؤسسة، في ما دعا الشق الثاني من الوفاق بضرورة المقاطعة ورفضها للمشروع الإصلاحي رفضا مطلقا. هذا التجاذب السياسي الداخلي للوفاق أدى إلى تصدع في بيتها التنظيمي نتج عنه بروز تيار جديد داخلها أطلق على نفسه تسمية «حق» وهو اختصار لتسمية الحركة الديمقراطية للتغيير. وفيما دخلت الحركات السياسية جميعها مع النظام في توافق على أن تلغى كل أشكال أدوات العنف والممارسات السرية المناهضة للمشروع الإصلاحي والانفراج السياسي والعمل الديمقراطي السلمي، كانت حركة «حق» وحدها في الجانب الآخر من توجهاتها تواصل أعمالها السرية العنيفة متخذة من ذلك الجناح أداة ضغط لعملها العلني الذي كان جزء من قادته البارزين في الجانب الآخر يواصلون تحركهم العلني بغطاء المطالب العلنية في تغيير الحكم، بل تجاوزت حدود احترام الدولة ورموزها باستخدام تعبيرات لا يجيزها القانون.

ومع ذلك فإن مواصلة الاحتقان لا يحل مشكلة قائمة ولا يزيل المناخ المتوتر في أجواء سياسية مغبرة قد تدفع البلاد إلى حالة أسوأ من ذلك، فما يميز مرحلة التسعينيات والمرحلة الحالية هو بروز النزعة الطائفية وانقسام المجتمع إلى جبهات داخلية ساهمت في النيل من الوحدة الوطنية كركن أساسي من تماسك المجتمع البحريني... هذه الظاهرة الخطيرة شعر بها الملك وشعرت بها ضمائر وطنية كثيرة يهمها البحرين كوطن موحد وفاعل وحي ومستمر في العطاء والتقدم.

تسع سنوات سمان من الإصلاح رغم أن القارب كان يبحر في أمواج عاتية وصعبة، ومع ذلك نستطيع أن نقول إن الملك كان ربانا حكيما– يبحث عن حلمه الجميل- يقاوم كل التموجات التي تواجه القارب، وكان عليه في هذه السنوات أن يهتم باستمرارية مشروعه الإصلاحي وتعميق مساراته وتجذيرها. فقد كان يهتم بالكلمة والتعبير والحريات العامة، ويتابع ما هو ممكن في المرحلة الإصلاحية لتأسيس مجتمع متوازن وحقوق عادلة لشتى القوى والتباينات العرقية والمجتمعية، ولكن كما نعرف، أن المجتمع بتجاذبه المذهبي والعرقي أحيانا يجد نفسه مندفعا، ويذهب إلى أبعد مما يراه ممكنا، فيدخل في التيه السياسي وصعوباته الوطنية والبرامج المجتمعية والسياسية المرحلية، التي لن تحتملها التربة البحرينية بنهج العنف والقوة. في هذه الأجواء حدث كثير من اللقاءات والحوارات الداعية إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وتماسك مجتمع البحرين الحديث، وأخيرا قبل إعلان العفو الملكي دعت جمعية «المنبر التقدمي» جميع الجمعيات السياسية والجهات الرسمية للحوار السلمي، وضرورة جلوس كل تلك الأطراف، لمعالجة «الاحتقان وكل الأشكال والملفات التي تدفع في اتجاه الصدام والعنف المتصاعد» باعتبار أن التوتر والصدام لن يكونا أبدا في مصلحة البلاد مهما كان توازن القوة مختلا، ولكنها في ذات الوقت يولجان البلاد في نتائج سيئة وغير محمودة لجبهتنا الداخلية، في وقت تشهد فيه منطقة الخليج توجهات واهتمامات للتغيير نحو المزيد من الإصلاح وتعزيز توجهات الديمقراطية الوليدة، والدخول في عالم الحريات وحقوق الإنسان.

* كاتب بحريني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top