لغة وضاح شرارة

نشر في 09-11-2008
آخر تحديث 09-11-2008 | 00:00
No Image Caption
 محمد الحجيري بعض من يتابع مقالات الكاتب اللبناني وضاح شرارة الفكرية والسياسية في جريدة «الحياة» أو ملحق نوافذ في جريدة «المستقبل»، يشعر بعجز عن إتمام قراءة المقالة، أو تشعر عيناه بالتململ بسبب الجمل المعقدة وكثرة المفاهيم الاجتماعية، فضلاً عن كثافة المعلومات المشحونة والجمل المتداخلة والتمادي في الوصف.

هل تحتمل الجريدة اليومية التي يتابعها القارئ عابراً مقالات صعبة، أم أن تلك المقالات يجب نشرها في مجلات متخصّصة، لا سيما في زمن صحف «التابليود» والإنترنت و»الثقافة السطحية»؟

حتى في ترجمات شرارة، يعجز القارئ عن الفهم، وربما يستعين بـ»لسان العرب» لفهم ما يقرأ، وشرح الكلمات الغامضة. حين ترجم شرارة ولقمان سليم كتاب «توقيعات» للكاتب الفرنسي - الروماني سيوران، بدا كأن «شذرات» هذا الكاتب العظيم تخفي معانيها أو تمارس تصوفاً بذاتها، أو تحتاج من يفكّ لغزها. من قارن النص العربي بالأصل الفرنسي لاحظ الفارق. الطالبة اللبنانية مي صباغ أعدّت دراسة عن ترجمة سيوران الى العربية، ولاحظت من خلال دراستها أن هذه الترجمة تحتاج الى من يعيد صياغتها في إطار «العربية المبسطة».

لمن يكتب الكاتب؟ هل لنفسه أم للآخرين؟ يعتبر الناقد الفرنسي رولان بارت أن النص يصدر عن ذات ملأى تصدر موقفاً في المستوى الإدراكي، وتفرغ شحنة في المستوى الانفعالي، وتبدع جديداً في المستوى الفني- الذوقي، ولذلك كله لا يمكن أن نفصل النص عن صاحبه، باعتباره رؤية شمولية فيها تقاطع بين الذاتي والموضوعي، وبين الفكري والوجداني. النص الحقيقي، كما يرى أحد الكتاب، يجب أن يكون أذكى من صاحبه، أما الكتّاب الأذكى من نصوصهم فعليهم استبدال الكتابة بحرفة أخرى، وثمة من قال إن بعض الكتّاب الكبار يكتب لأناس هم أرفع منه شانأ، فيما تكتب فئة أخرى للأقلية، وهذه الأخيرة عليها إيضاح النص للفئات الأخرى.

أشكال كثيرة في أساليب الكتابة، وكل واحد يخترع أسلوبه. نزار قباني، مثلاً، كتب الشعر بلغة الجرائد، والروائي الياس خوري يكتب الجملة التي تتوالد من نفسها، والكلمة التي تنفي الآخرى، وثمة أدباء، مثل الروائي حسن داوود، يكتبون الجملة البطيئة الملتوية أو السائرة كبزاقة بين العشب، فيتعذّب القارئ وربما يشعر بالنعاس من أول صفحة، هؤلاء لديهم علاقة صوفية مع الجملة أو اللغة، كأنهم يكتبون لذاتهم فحسب، أو همهم الجمل المنمّقة. في المقابل، ثمة كتّاب (الصحافي سمير عطا لله نموذجاً) يكتبون بانسيابية مدهشة، نقرأ المقال كما لو أنه نقطة ماء تكرج على جسد.

هكذا، الأسلوب أو النص فن كما الفنون كافة، لديه كاريزما كما الشخصيات. من الفنانين مطرب صوته أصيل لا نستطيع سماعه، وثمة كاتب رائع لا يمكننا قراءة نصّه كله... طريقة الإيصال «فن» بحد ذاته.

back to top