الأدب الياباني من مجاهل هيروشيما إلى فضاء العالمية

نشر في 27-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 27-09-2007 | 00:00

ثمة أسماء لامعة في الأدب الياباني بدأنا نكتشفها ونتفاعل معها، بعضها لأدباء مرموقين ومؤسسين لنهضة الكتابة الحديثة في الأدب الياباني، مثل غونيشيرو تانيزاكي، صاحب روايتي «المفتاح» و{الذين يحبون الشوك» ـ بحسب ترجمتهما إلى العربية ـ والكاتبين الروائيين ياسوناري كواباتا وكنزابورو أوي الحائزين نوبل للآداب.

أما الأدباء المعاصرون الذين لمع نجمهم فكثر نذكر منهم هاروكي موراكامي الروائي الياباني الأشهر في أيامنا هذه إذ استطاع أن يخرج من قوقعة المحلية إلى فضاء العالمية الأرحب، وتتهافت دور النشر على أعماله ومنها ما هو مترجم إلى العربية كـ{جنوب الحدود غرب الشمس» في ترجمة لصلاح صلاح و{سبوتنيك الحبيبة» الصادرة حديثاً لدى «المركز الثقافي العربي».

أثيرت ضجة حول شخوص موراكامي الروائية والمضامين التي يطرحها بدعوى أن موضوعاته تحمل بعداً لا أخلاقياً منافياً للقيم المستقرة عند اليابانيين والمجتمعات الشرقية بعامة.

يوكو تاوادا من الأدباء المعاصرين الذين ذاعت شهرتهم خارج حدود اليابان. يوكو تاوادا وهي أكاديمية وكاتبة مبدعة ألقت محاضرات في الجامعة الأردنية (في سبتمبر من العام المنصرم) ما سمح للكتاب والصحافيين العرب بالتعرف إليها. ورد في المذكرة التعريفية للجامعة أن تاوادا ولدت في طوكيو سنة 1960 ثم انتقلت إلى مدينة هامبرغ عام 1982 واستقرت منذ ذلك الحين في ألمانيا. علماً إن ظهور تاوادا الأول في عالم الأدب الألماني سبق شهرتها في اليابان بسنوات ونشرت قصائدها الأولى في ألمانيا عام 1987 وروايتها الأولى بعد ذلك بسنتين. تاوادا فريدة ومتميزة لعدة أسباب إذ تكتب القصة والشعر والأعمال المسرحية بالألمانية واليابانية. كتابها الصادر عام 2004 وضعته باليابانية والألمانية في الوقت نفسه. تقول تاوادا : «الألمانية لغتي اليومية وأستطيع التعبير عن مشاعري بدقة، لكن عند الكتابة أشعر بالتقيد، هذا تحد ممتع». نشرت تاوادا نحو ثلاثين كتاباً، وترجم بعض أعمالها إلى الإنكليزية والفرنسية والبلغارية والصينية والإيطالية والكورية.

قلة من الشعوب لا تتأثر بالحرب ولا تتخذ منه منطلقاً لتفسيرالأمور وتوجيهها الناحية السليمة، لا سيما إذا كانت تلك الحرب كبيرة وطاحنة مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية. فخلال فترة الحرب لم يكن بين الشعراء اليابانيين الذين لم يتأثروا بالنشاطات العسكرية القومية المتطرفة إلا القليل جداً، إذ عبّئ جميع الشعراء تقريباً ليكتبوا قصائد تشجع على الحرب وشاركوا تلقائياً أكثر منه إجبارياً. بحسب د. شاكرالحاج مخلف فإن هذا النوع من الجهد الأدبي لم يكن ممكناً لأي نوع أدبي أن ينشأ بعيداً عنه.

نجم عن تلك الحرب ما يسمى بجيل ما بعد الحرب العالمية ومن أهم رواده أويه كنزابورو الذي أخرج الرواية اليابانية بنيله نوبل للآداب عام 1994 إلى فضاء العالمية. تعبّر روايات جيل ما بعد الحرب في المجمل عن مرارة الهزيمة وما تركته قنبلة هيروشيما من تبعات نفسية واجتماعية واقتصادية.

تقول الأكاديمية السويدية في حيثيات منحها الجائزة لكنزابورو: «إن تجربة الحرب وانهيار اليابان في 1945 أثرا على تطوره بشكل قوي» وتضيف: «استطاع كنزابورو أن يشكل بقوة وشاعرية عالماً تتكثف فيه الحياة والأسطورة في صورة مؤثرة لوضع الإنسان في العالم المعاصر».

كان طبيعياً أن تنجم عن الحرب التي تحدثنا عنها مسألة أخرى لا تقل عنها أهمية تتصل بالعادات والتقاليد والتراث الإنساني للشعب الياباني، فلو أخذنا في الاعتبار أن المنتصر في ساحة الحرب يسعى دائماً إلى فرض ثقافته وقيمه الإنسانية على الشعوب المهزومة فإن اليابان هنا أفرزت ما يسمى بأدب الصمود والمحافظة على التقاليد في وجه الثقافة الأمريكية المنتصرة عسكرياً في الحرب الثانية، والتي ما زالت تحارب في سبيل فرض قيمها وأنماط سلوكها على الشعوب الأخرى وبينها بالطبع الشعب الياباني.

كل شيء كان

يتذكر الكاتب الياباني هاروكي موراكامي انطباعاته عن تجربته الأولى في معايشة الحضارة الأمريكية المعاصرة: « كل شيء كان كبيراً جداً، ضخماً ولامعاً، كل شيء كان يبرق بإغراء وبعظمة من نوع جديد». تميزت روايات وقصص هاروكي موراكامي وقصصه بحضور دلالي لأيقونات ورموز ما أصبح يعرف الآن بعولمة الثقافة الأميريكية، في سرديات تحافظ دائماً على خصوصية يابانية وتنحو أحياناً إلى مواجهة أسئلة مباشرة وجريئة تتعلق بتراث الماضي الامبريالي الاستعماري المرعب لليابان والآثار التي مازالت ماثلة من ذاك الماضي على الواقع المعاصر. يقول د. علي محمد سليمان نقلاً عن رولاند كلتس: «إن تجربة الأدب الياباني تشكل نموذجاً غنياً للتفاعل بين الأدب والواقع الثقافي الكوني. قد لا تبدو الصورة التي يقدمها الأدب الروائي الياباني عن الآثار المدمّرة للعولمة الثقافية في النموذج الأميريكي مريحة للكثير من اليابانيين، لكنها بالتأكيد تعكس بصدق التجربة الإنسانية ليس في اليابان فحسب بل في العديد من أمم كوكبنا الأرضي وثقافاتها».

المفتاح

تتضمّن رواية «المفتاح» لمؤلفها غونيشيرو تانيزاكي مضامين فلسفية ورموزاً فكرية تصب في عمق الثقافة اليابانية، فمن حيث الحوادث وتراتبيتها تتحدث الرواية عن رجل ياباني يكتب مذكراته الشخصية بكل ما فيها من تفاصيل وخصوصيات تتناول العلاقة الجنسية مع زوجته المحافظة والناشئة على التقاليد اليابانية الأصيلة، وفي المقابل تدون الزوجة مذكراتها الشخصية متناولة التفاصيل الحميمة بمنأى عن زوجها. وكلا الزوجين لا يعلم شيئاً عمّا يدونه الطرف الآخر. قد يبدو للوهلة الأولى أن الرواية تعزف على وتر الجنس والعلاقة بين الرجل والمرأة، خاصة مع ظهور شخصية «كيمورا} الشاب الوسيم القوي البنية عشيق الزوجة، إلا أن لغة الرواية ورموزها اللفظية تحيل على شيء من الفلسفة اليابانية. مثلاً، تستند الرواية إلى ثنائية العتمة والضوء. يظهر ذلك جلياً حين يسعى الزوج إلى اكتشاف تفاصيل جسد الزوجة فتعيقه العتمة حيث لا مفر إلا بالبحث عن شعلة مضيئة. أما «المفتاح» عنوان الرواية، فيرمز إلى استكشاف ما استغلق من الأمور. وقد لا يعلم كثيرون أن المفتاح في دلالته الظاهرة يحيل على مفتاح الصندوق الذي يحوي مذكرات الزوج، لكنه يحمل بالتأكيد دلالة أعمق. تستند الرواية كذلك على سرد التفاصيل الصغيرة، سواء تلك المتعلقة بالجسد أو غيرها. معلوم أن المنمنات والخطوط التفصيلية الدقيقة جزء من التراث الياباني الأصيل.

جنوب الحدود

الرواية الأخرى التي نشير إليها سريعاً هي «جنوب الحدود غرب الشمس» لهاروكي موراكامي، وتتحدث عن شاب يسعى إلى بناء ذاته وعن مراحل نشأته الأولى وخطواته التعليمية ومغامراته العاطفية.إلا أن الرمز الأهم في هذه الرواية حالة العرج التي تعانيها إحدى بطلات الرواية وهي ملازمة للرواية منذ البداية وحتى النهاية، ما يجعلنا نتساءل عن الدلالة في هذه الحالة، خاصة أن الفتاة العرجاء هي الحب الأول في حياة بطل الرواية.

أدرك نقاد كثر أن شخوص موراكامي غير تقليدية ومثيرة للجدال، خاصة أنها تظهر في سياق الحديث عن ثقافة تكرس الشتات والضياع والوحدانية في مقابل قيم الأصالة ومفاهيم المؤسسة في التراث الياباني. وهو متهم كذلك بالدعوة إلى التغريب ومسايرة النهج الأمريكي ذي الثقافة الاستهلاكية.

ظاهرة ترجمة الأدب الياباني إلى العربية بذاتها فكرة جيدة تحسب للقائمين بها من مترجمين ودور نشر، حتى وإن كنا في البداية فالطريق أمامنا طويل لاكتشاف كنوز الأدب الياباني، هذا التراث المهم الذي ما زلنا نجهل الكثير منه.

back to top