خطاب الاعتذار وخطاب الكراهية

نشر في 21-02-2008 | 00:00
آخر تحديث 21-02-2008 | 00:00
 بدر عبدالملك

إن اعتذار رئيس وزراء أستراليا التاريخي لشعبه يحمل في مضمونه وطياته عمقاً إنسانياً ودلالة سياسية لعصرنا المهتم كثيراً بالتعددية الثقافية وحقوق الإنسان، فأين هذا من منابع البغضاء والكراهية التي تشد بعض العقول نحو الفتاوى العدوانية وإهدار الدم، لكل من يخالفهم في الطرح والرؤى؟

رفع العالم قبعته تقديراً واحتراماً لرئيس وزراء أستراليا كيفن رود، عندما أعلن من داخل البرلمان الأسى والندم وبكل أسف، لما أصاب من ظلم السكان الأصليين، من القبائل الأبيجورية، نيابية عن الأسلاف الذين مارسوا بكل وحشية نهجاً قريباً للإبادة، خلال المئتي عام الماضية. وقد بدا الاعتذار الشجاع والجريء خطوة تاريخية مهمة، من أجل إغلاق ذلك الملف الأسود والمشين في حضارتنا وإنسانيتنا، حيث قتل وفصل الأطفال عن عائلاتهم بهدف التذويب الكلي للعنصر الأصلي من السكان، بلغت في عنوانها درجة لا متناهية من البغضاء والكراهية.

وإذا ما كان الاعتذار التاريخي يحمل في مضمونه وطياته عمقاً إنسانياً ودلالة سياسية لعصرنا المهتم كثيراً بالتعددية الثقافية وحقوق الإنسان حتى للأقليات الضئيلة منها، وبتعميق المعنى الحقيقي لثقافة الحرية والديموقراطية ومضمونها الفعلي، بضرورة الاختلاف مع التعددية في إطار من الشرعية وبعيداً عن قيم وسلوكيات العنف. هذا الموقف الجديد في أستراليا المتطلعة نحو المستقبل، ليس إلا تعبيراً واضحاً عن إغلاق كل مخلفات التاريخ الرمادية في روح وعقل الأستراليين.

وبينما تلقي أستراليا وراءها تركة الماضي السلبي وإرثه، نجد في الكويت من يحاول إيقاف حركة التاريخ عنوة، وعرقلة تقدم المجتمع نحو آفاق جديدة، مثل تلك العقول المتعلقة بالماضي وزمن الثأر وثقافة الوأد، تجد نفسها تستقي من ثقافة ومنابع الماضي حججاً واهية وتخرصات هشة بحجة التقاليد والأعراف والقيم، والأكثر كارثة بتفسير الدين وفق منظورها الضيق.

من هنا كانت منابع البغضاء والكراهية تشد بعض العقول نحو الفتاوى العدوانية وإهدار الدم، لكل من يخالفهم في الطرح والرؤى وتفسير جوانبه الشرعية والفقهية من دون سوداوية الانغلاق والحقد على كل حالة تجديدية تفرضها المتغيرات. ما همس به أخونا المختلف في الرؤيا والتشدد للنائب علي الراشد عضو مجلس الأمة، بأنه سيقتله لكونه مع مجموعة ليبرالية معه، اقترح إلغاء قانون منع الاختلاط، الذي تم إقراره نيابيا عام 1996، إذ يسعى النواب عام 2008 لمعالجته أيضا عبر المجلس، فلماذا يغضب هؤلاء وهم الذين قبلوا بخيار الديموقراطية في الأساس، وكان عليهم في الجانب الآخر معرفة أن الشخص الديموقراطي ليس بعين واحدة، كما أن الديموقراطية ليست حكراً على أحد، وأن ميدان الشرعية الشعبية فيها داخل قبة البرلمان، وعلى من نجحوا في عام 1996 أن يسعوا إلى تثبيت القانون ديموقراطياً، أما عبارات التهديد بالقتل ليست إلا تركة الانتقام والثأر التاريخية للسلف والأجداد والجاهلية، وقد طلقها الإسلام إلى الأبد، وما عادت ثقافته المعاصرة، ولكن من يحيون ويعيشون داخل تابو الظلامية، لا يودون للعالم أن يكون مختلفا وتعدديا يناقض مدرستهم ومنهجهم، وهي التي باتت مدرسة لا يمكن أن تعيش في قلب القرن الحادي والعشرين، ومن يريدون العيش في عصور تلاشت وأزمنة بادت، فإنهم بالإمكان بناء مستوطنات في الصحراء والعيش بنهج مغلق للجماعة، بحيث من يوافقهم يذهب لهم هناك، وينضم إلى حركتهم من دون التدخل في شؤونهم، شريطة ألا يتدخلوا هم في شؤون الآخرين، وبذلك تصبح الحرية حقيقة يمارسها الجميع، جماعات فضلت العزلة لرفضها العيش على نمط العصر، وجماعات قررت أن تعيش بديموقراطية حقيقية تنتمي إلى واقع جديد لا يعرف معنى القتل بسبب الاختلاف مهما كانت طبيعته، حيث لكل مشكلة وقضية مختلفة بين الأفراد مؤسسة اتفق المجتمع وتوافق عليها، كمظلة يعيش بين ظهرانيها. ما نطق به الشخص المختفي بين كوابيس الموت والكراهية لا يعكس وجهة نظر فردية، إنما هو تعبير عن نهج ورغبات عدة خفية، وقد عرفت كيف تحرضه وتعبئ روحه بثقافة القتل، محاولة أن تصنع من هؤلاء مجاهدين أبراراً، بينما هم ليسوا إلا قتلة يستقون الكراهية من ينابيع وبيئة عدوانية مضللة، وقد تناسوا ونسوا أن الديموقراطية كانت خيارهم، وتناسوا أن من يهددون الراشد بالقتل بأنه ينتمي إلى الإسلام وينتمي إلى البيت الكويتي الواحد، حتى إن اختلفت الآراء.

من يعتقد أن هذا الصوت الهامس في الهاتف مختلفٌ عن عقلية من حاول استجواب نورية الصبيح وزيرة التربية قبل مدة فهو واهم، فقد خلقت هذه البيئة السياسية مواطنين دفعت بهم إلى قتل فلذات قلوبهم لمجرد الشك بأنهن منحرفات وغير ذلك، حيث سجل المحاكم والشرطة يحتفظ بتلك القصص. ما أثار غضب الكويتيين من ذلك الخطاب ليس كافياً، إنما ينبغي ردم منابع الضغينة واجتثاث ثقافة الكراهية فهي لا تنتمي إلى الإسلام الحقيقي مهما بلغ الاختلاف بين الإخوة.

* كاتب بحريني

back to top