خذ وخل: أحلى التماسي لمصلي الكراسي!

نشر في 23-09-2007
آخر تحديث 23-09-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

أخشى ما أخشاه؛ أن يأتي اليوم الذي تجد فيه إمام المسجد وحده واقفاً يوحد الله، بينما بقية المصلين يتربعون على الكراسي، يلعنون -في سرهم- الذي كان السبب في اضطرارهم إلى الصلاة على النحو الموصوف آنفا! وربما يضطرون إلى ممارسة حياتهم اليومية على الكراسي إياها، يتربعون عليها أثناء تناول الطعام، وربما يتناسلون وهم قاعدون عليها في أمان الله.

● إلى حين أواخر سبعينيات القرن العشرين لم تشهد مساجد الكويت وجود الكراسي التي تحتشد بها حالياً بكثرة لافتة للبصر والبصيرة! كنت تجد المواطن الشايب الذي بلغ أرذل العمر ييمم المسجد الجامع سائراً على قدميه، متكئاً على عصاه فحسب! كان الكرسي الوحيد الحاضر في المسجد هو المخصص لإمام صلاة الجمعة، الذي يستريح عليه إثر انتهاء خطبته الأولى.

في هذه الأيام يروعك كثرة عدد الكراسي، ويدهشك عدد مستخدميها المتربعين عليها خصوصا بسبب مرضي. ولو كان الأمر مقصوراً على الشّياب المسنين لهان الأمر، وقلنا لا حول ولا قوة إلا بالله سبحانه، لكن البليّة في أن جُل شاغلي الكراسي هم من الشباب الموفوري الصحة والعافية... كما يبدو من سمتهم ومحياهم! ولا أبريء نفسي ألبتة، فأنا واحد من الشباب الشياب المصلين قعوداً على الكراسي ولا فخر!

والطريف، إن كان ثمة طرافة في الأمر، هو أن ظاهرة الكراسي اياها؛ حاضرة أيضا في مساجد الكويتيين بمصايف لبنان (عالية، وبحمدون المحطة، وحمانا) وغيرها. ولم أجد لبنانياً واحداً يستخدمها أبداً، لأنها مكرسة لأهل الكويت... وربما أهل الخليج وحدهم من دون غيرهم من عباد الله المصلين، فأكل «التبولة» ليس مثل مفترس «التشريب والهريس» وغيرها!

● والملاحظ أن جُل المصلين الكويتيين يذهبون إلى المساجد ممتطين سياراتهم، حتى لو كانوا يقطنون بجوارها، وعلى مقربة منها! ولو كان متاحاً لهم التجول بالسيارة داخل بيوتهم لفعلوها من دون أن يرف لهم جفن النشاط والحركة! ولو سُئل أحد الشباب عن سبب لجوئه إلى الصلاة مقعداً قاعداً على الكرسي لكرّ لك سلسلة من الأمراض، تبدأ بخشونة العظام، مروراً بمرض السكري، وانتهاء بأمراض عدة ظهرت مع اكتشاف النفط الذي قلَب حياة الناس وعاداتهم الصحية رأساً على عقب... والحق -بداهة- ليس على النفط، بل على «بني نفط» أنفسهم!

ومن هنا أحسب أن السجاد الذي تفرش به وزارة الأوقاف كل مُصلى، سيختفي عن أرضها في قادم السنين! أو إذا كان هذا الأمر ينطوي على توفير في ميزانية وزارة الأوقاف، فإنه «سيثري» ميزانية وزارة الصحة العامة ويزيدها، لأن حضور الكراسي إياها يُجسد ظاهرة مرضية عامة تستوجب صرف ملايين الدنانير!

وأخشى ما أخشاه؛ أن يأتي اليوم الذي تجد فيه إمام المسجد وحده واقفاً يوحد الله، بينما بقية المصلين يتربعون على الكراسي، يلعنون -في سرهم- الذي كان السبب في اضطرارهم إلى الصلاة على النحو الموصوف آنفا! وربما يضطرون إلى ممارسة حياتهم اليومية على الكراسي إياها، يتربعون عليها أثناء تناول الطعام، وربما يتناسلون وهم قاعدون عليها في أمان الله. ولا تعجب، والأمر كذلك، لو سمعت يوماً إمام الجامع يلعلع قائلاً في بداية كل صلاة:

«استووا... رصوا الكراسي جيداً يرحمني وإياكم الله سبحانه»!

● والظاهرة، كما أسلفت، تتحمل تبعاتها وزارة الصحة العامة، التي تكتفي بتشييد المستشفيات والمصحات والعيادات من دون أن تقرن ذلك بحملة توعية وترشيد تحذر الناس من مغبة الأسباب المفضية إلى الأمراض الناشئة عن شيوع العادات غير الصحية في المطعم والمشرب، وقلة الحركة، وغيرها من العادات «النفطية» (الشينة) التي شاعت في المجتمع إثر ظهور الرخاء والرفاه و«البغددة» بعد اكتشاف النفط، وشيوع «بركاته» العديدة... اللهم زد وبارك!

ومن نافل القول إن التوعية يمكن أن توفر على وزارة الصحة العامة الملايين، لكونها مكرسة للوقاية من الأمراض المذكورة آنفاً، والمتفشية بشدة بين المواطنين من دون أن توفر أحداً إلا من رحم ربي... والدعاية المرجوة، تتجاوز «اليفط والإعلانات» التي تلطخ جدران المستوصفات ودهاليز المستشفيات، ولا أظن أحدا يقرؤها، وإذا فعل فإنها لا تؤثر فيه إيجاباً أبداً، كما أظن «غير آثم» إن شاء الله.

* والقيمون على وزارة الصحة يعرفون ولا شك نوعية الحملة الإرشادية المطلوبة، ولا أخالهم راضين عن الاعلانات المتضمنة الإرشادات الصحية المزروعة في المؤسسات الاستشفائية لأن قارئها، إن وجد، يمر بها مرور الكرام، ويقرؤها بنصف عين لا مبالية!

وإذا جاز لي إسداء نصيحة بهذا الصدد فإنها تكمن في التمني على وزارة الصحة إيكال مهمة التوعية والارشاد الى مؤسسة إعلامية متخصصة ذات خبرة جيدة في هذا المجال. ودرءاً لأن تكون تكاليف هذه الحملة محل استجواب من بعض النواب -الراغبين -مشكورين- في المحافظة على المال العام، يمكن للوزارة أن تتم المهمة بشفافية تامة، لا يأتيها الباطل والحرمنة من أي صوب! فحسبها أن تتم عبر مناقصة معلنة، وفق السبل القانونية المشروعة، لا سيما أن العديد من النواب أنفسهم يعانون آفة الكراسي المذكورة، ومن حقهم وواجبهم حث وزارة الصحة وتشجيعها على أداء هذه المهمة الوطنية الصحية بأفضل السبل، وأجدى الطرق، وأحسن التقنيات الإعلامية الحديثة المجدية.

نعم، إن مهمة توفير الكراسي في مساجد الديرة من مهام وزارة الأوقاف، والمحسنين الخيرين، لكن مسألة التقليل من حضورها يقع على كاهل وزارة الصحة العامة، إن التشبث بـ«الكرسي» في الحكم، والإدارة، والصلاة، يورث «الديسك» وغيره، وقد أعذر من أنذر! والخشية تكمن في أن تتحول الكراسي الثابتة... إلى كراسي «مدولبة» لأن الأخير، كما أظن: آت... آت... آت.

back to top