إمام لـ الجريدة: الإفراط في اللجوء إلى المحكمة الدستورية قد يُقحم القضاء في المعترك السياسي حق عضو مجلس الأمة في توجيه السؤال ليس مطلقاً

نشر في 16-11-2007 | 00:00
آخر تحديث 16-11-2007 | 00:00
No Image Caption
قال الخبير الدستوري المستشار شفيق إمام، إن المادة 122 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة تحظر أن يتضمن السؤال البرلماني من النواب للوزراء عبارات غير لائقة، وحذر الحكومة من استخدامها حقها في اللجوء إلى المحكمة الدستورية لتفسير الدستور، بسبب ما قد يترتب على هذا الحق من تصعيد للأزمة السياسية، التي تخلقها الاستجوابات عادة، ومن ناحية أخرى، فإن الإفراط في اللجوء إلى المحكمة الدستورية، قد يؤدي إلى إقحام القضاء في المعترك السياسي.

وقال المستشار شفيق امام في حديثه لـ «الجريدة»، إنه يحمد الله لان الدستور الكويتي يقف حائلا دون اصدار قانون يشكل لجنة القيم، وفيما يلي التفاصيل:

• ما تعليقكم على السؤال البرلماني وما يتضمنه من أسئلة شخصية غير مرتبطة بالعمل البرلماني؟

- الأصل أن التعرض للحياة الخاصة لأي شخص في سؤال برلماني، سواء كان هذا الشخص وزيراً أو مسؤولاً أو شخصاً عادياً، هو أمر محظور إعمالاً للمادة (122) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، التي تحظر أن يتضمن السؤال عبارات غير لائقة أو فيها مساس بكرامة الأشخاص، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يتضمن السؤال الاستفهام عن بعض الأمور التي قد تتصل بحياة الوزير أو المسؤول الخاصة، وذلك في الحدود التي تؤثر فيها على عمله العام، على أن يكون بغير تعليق، ومن باب أولى بغير تجريح، وقد تم توجيه سؤال في الفصل الثامن إلى وزير التجارة عن وقائع تتعلق بممارسة الوزير لبعض الأعمال التي يحظر الدستور على الوزير ممارستها أو الإسهام في التزامات تعقدها الحكومة أو المؤسسات العامة.

هل الإجابة عن السؤال البرلماني من قبل الوزراء بشكل مكتوب عمل لائحي، وماذا عن الرد الشفهي على بعض الأسئلة؟

- هذا الموضوع حسمته المحكمة الدستورية في تفسيرها رقم (3) سنة 2004 الصادر بتاريخ 11/4/2005 الذي يفرق بين نوعين من الأسئلة:

النوع الأول: أسئلة يطرحها العضو على المسؤول، وتكون الإجابة عنها كتابة، لاسيما إذا كانت هذه الأسئلة متعلقة بمحض طلب بيانات أو معلومات إحصائية، غالباً ما تكون الإجابة عنها مطوّلة وهو ما يتنافى مع ما تتسم به الإجابة الشفهية من إيجاز.

النوع الثاني: أسئلة يطرحها صاحبها على المسؤول، ولأهمية موضوعها يكون الرد عليها في الجلسة المحددة لنظرها التي يتم فيها إدراجها في جدول أعمالها، عسى أن تكون في إجابة المسؤول فائدة قد تعود على أعضاء المجلس بالاستماع إليها، وإن لم يشتركوا في مناقشة فعلية إعمالاً للقاعدة الدستورية المسلم بها من أن الكلام في السؤال يكون بين السائل والمسؤول.

تثار بين فترة وأخرى مسألة عدم دستورية بعض الاستجوابات... ما أسباب ذلك؟ وهل تعتقدون أنها تحقق نتائج ملموسة في تصحيح الأوضاع؟

- السبب في ذلك هو اعتقاد بعض النواب أن الدستور عندما أباح لكل عضو أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء استجوابات، قد جعل هذا الحق مطلقاً من دون أن يقيده في المادة (100) بأي قيد سوى أن يكون أمراً من الأمور الداخلة في اختصاصاتهم، وهو اعتقاد محل نظر لأنه لا يوجد حق مطلق، فضلاً عن أن الاستجواب مخاطب بكل أحكام الدستور، فضلاً عن أحكام اللائحة الداخلية، ومن بينها ما نصت عليه المادة (134) من «أنه يجب ألا يتضمن الاستجواب عبارات غير لائقة أو فيها مساس بكرامة الأشخاص أو إضرار بالمصلحة العليا للبلاد»، والمحكمة الدستورية، بما لها من اختصاص - طبقاً لقانون إنشائها - في تفسير النصوص الدستورية، بقرارات ملزمة لكل سلطة من السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية بل والقضائية، سوف تحسم بقرارها ما إذا كان الاستجواب قد التزم الحدود المرسومة له في نصوص الدستور أم لا.

وقد حسمت المحكمة الدستورية الأمر في الاستجواب المقدم من العضو خليفة طلال الجري للسيد وزير الصحة العامة في الفصل التشريعي الخامس، والذي طلب فيه العضو تزويده بأسماء المرضى الذين أوفدتهم الدولة إلى العلاج في الخارج ونوعية العلاج، فقد انتهى الاستجواب، ورفع من جدول أعمال المجلس عندما أصدرت المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم (3) سنة 1982 عن السؤال الذي كان النائب قد وجهه إلى وزير الصحة في الموضوع ذاته، والذي قررت فيه أن حق عضو مجلس الأمة في توجيه السؤال - وفقاً لأحكام المادة (99) من الدستور - ليس حقاً مطلقاً، وإنما يحده حين ممارسته حق الفرد الدستوري في كفالة حريته الشخصية بما يقتضيه من الحفاظ على كرامته واحترام حياته الخاصة بعدم انتهاك أسراره فيها، ومنها حالته الصحية ومرضه، بما لا يصح معه لمن استودع السر الطبي - ومنهم وزير الصحة - أن يكشف سر المريض، بما في ذلك اسمه من دون إذنه أو ترخيص من القانون.

إلا أنه من ناحية أخرى، فإنه يجب الحذر في استخدام الحكومة لحقها في اللجوء إلى المحكمة الدستورية لتفسير الدستور، فيما يتعلق بما تستشعره الحكومة تعسفاً في استخدام حق الاستجواب المقدم من أحد الأعضاء أو الإفراط فيه، بسبب ما قد يترتب على استخدام الحكومة لحقها في اللجوء إلى المحكمة الدستورية من تصعيد للأزمة السياسية، التي تخلقها الاستجوابات عادة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الإفراط في اللجوء إلى المحكمة الدستورية، قد يؤدي إلى إقحام القضاء في المعترك السياسي، حيث إن تفسير الدستور، وإن كان عملاً فنياً بحتاً، بالنسبة إلى المحكمة الدستورية، إلا أنه يخالطه عادة واقع سياسي، بل ومعارك سياسية بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي قد يجد معه القضاء بقرار التفسير الذي يصدره متورطاً في هذه المعارك، وهو ما حدث عندما تقدمت الحكومة بطلب تفسير الدستور لتحديد مسؤولية وزير العدل عن أعمال السلطة القضائية، بمناسبة الاستجواب المقدم من النائب السابق حسين القلاف إلى وزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية في شهر نوفمبر 2001، فقد نبهنا إلى المأزق الدستوري والقانوني في طلب التفسير المذكور، في مقال لنا نشر في صحيفة «القبس» في عددها الصادر في 2 ديسمبر سنة 2001 تحت عنوان «المأزق الدستوري والقانوني في إحالة الاستجواب إلى المحكمة الدستورية»، الذي كان من شأنه أن يدخل القضاء طرفاً في النزاع السياسي، إذا انتصف للحكومة أو انتصف للرقابة البرلمانية، خاصة وقد كان من محاور الاستجواب، ما اعتبرته الحكومة تدخلاً في شؤون القضاء، وقد تعاون المجلس والحكومة في تجاوز هذه الأزمة عندما قررت الحكومة سحب طلب التفسير، وقرر المجلس الموافقة على اقتراح تقدم به بعض الأعضاء بإحالة الاستجواب إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في المجلس، لبحث مدى تطابقه وأحكام الدستور واللائحة الداخلية للمجلس، وانتهت اللجنة برئاسة النائب عبد الله الرومي، في التقرير المقدم منها في هذا الموضوع إلى عدم دستوريته.

ما نتائج تأخير تطبيق لجنة القيم؟

- مشروع لجنة القيم هو مشروع تبناه شيخ البرلمانيين النائب السابق أحمد الخطيب في مجلس 1992، مع بعض النواب وهم علي البغلي وعبد العزيز العدساني وعبد الله الرومي وأحمد محمد النصار، ثم عاد ليتبناه النائب السابق عبد الوهاب راشد الهارون في مجلس 1999، مع النواب صالح عاشور وفهد مبارك الهاجري وأحمد دعيج الدعيج، وكان الرأي الذي أبديته في وزارة العدل إبان عملي مستشاراً فنياً للوزير وفي مجلس الأمة إبان عملي فيه، وبالنسبة لكلا المشروعين، هو أن الاقتراح يحمل عدداً من الشبهات الدستورية، منها إهدار الحصانة البرلمانية للأعضاء، بإسقاط عضوية العضو ومؤاخذته على ما يصدر منه من آراء وأفكار داخل المجلس ولجانه، ولو تجاوز فيها، وخروجه على التفويض المنصوص عليه في المادة (117) من الدستور.

وأحمد الله أن الدستور الكويتي يقف حائلاً دون إصدار قانون يشكل مثل هذه اللجنة، ويضع في أيدى الأغلبية البرلمانية، مثل هذه السلطة وهي إسقاط عضوية العضو لمخالفته للقيم التي سيضعها هذا القانون، والتي سوف تكون ثوباً فضفاضاً تستطيع معه هذه الأغلبية في أي وقت أن تتخلص من معارضها لأي سبب تراه قائماً في النائب، ولعل التجربة المصرية ماثلة أمامنا عندما عزل النائب كمال الدين حسين، رحمه الله، لأنه أرسل برقية إلى رئيس الجمهورية - وقد كان زميلاً له في مجلس قيادة الثورة - يقول له فيها اتق الله، علماً أن الأنظمة الدستورية الجمهورية تخلو من النص المقرر في الملكيات وهو أن ذات الملك مصونة.

back to top