تُظهر عظمة الفن الإسلاميّ المساجد... آيات من الجمال
المساجد أجمل ما تقع عليه أعيننا للوهلة الأولى عند دخولنا قرية أو مدينة أو حتى عاصمة كبرى لدولة اسلامية. إنها متميزة وأكثر ما تراه عيناك مآذنها الدقيقة، المتعرجة الى السماء، وقبابها الأنيقة تضفي ظلالا جميلة من الجلال والجمال الروحي الهادىء يحس به القلب وتعمر به النفس. وليس هذا غريباً فهي مراكز الايمان ورموزه وأضحى المسجد على مر التاريخ ضرورة دينية واجتماعية وسياسية أيضاً.
لم يكن المسجد مجرد بيت للصلاة فحسب بل استخدم كمدارس ومحاكم ومراكز لاجتماع المؤمنين، لكن من دون أي تعديل على عمارته، فالتعليم يتم في بيت الصلاة والشيوخ المعلّمون يجلسون عند الأعمدة. كما استخدم المسجد مكانا للقضاء والتقاضي وإصدار الأحكام وتطبيق شريعة الله، كما استخدم فضاء المساجد معاهد للعلم ولإلقاء الدروس. وأصبح المسجد علاوة على وظيفته الدينية يستقبل طلاب العلم ويؤويهم. يتعلم فيه الصغار القراءة والكتابة وحفظ القران ويتعلم الكبار الفقه واللغة وعلوم القرآن والحديث تحت أيدي شيوخ وعلماء أجلاء.تقدم المساجد أحياناً العلاج والتداوي. يذكر ان أحد عظماء الطب المسلمين كان يقف عند باب المسجد بعد صلاة العشاء يداوي الفقراء ويقدم إليهم ما يحمله من دواء، كما في جامع وروضة ومارستان، أي مستشفى السلطان قلاوون.أما الجانب الجمالي لمساجدنا فلم يدركه، ويا للأسف، الكثير من مؤرخينا وكتّابنا القدامي (كما يقول د. حسين مؤنس). فما أكثر الجمال لناحية المعمار والزخرفة. تستوقف انتباهنا وتثير اعجاب ناظريها من أهل الأرض جميعاً وتلفت أنظار أهل الفن فيصوّرونها في لوحاتهم ويذكرونها في كتبهم. يحرص الغربيون على الاهتمام بدراسة العمارة الاسلامية وإبرازها في ابحاثهم ودراساتهم المتخصصة، أمثال دوسو وجاستون فييت وسوفاجه شيخ المستشرقين وكريزول وتالبوت رايس وأرنست كونل و. دنيس والعالمة مارغريت ترشيم. ومن العلماء العرب حسن عبد الوهاب عميد الأثريين العرب بما ألفه عن مساجد القاهرة وزكي حسن وأحمد فكري وفريد شافعي وكمال الدين سامح وحسن الباشا وغيرهم.تفنن المعماري المسلم وانطلق بقدراته الفنية الاحتكارية في تشكيل المسجد بعناصره ( المئذنة – القبة – الشرفة - الدكة – المقصورة ) كعناصر زخرفية جمالية ووفق في الجمع بين بساطة المسجد والفخامة التي لا غنى عنها لمساجد جامعة في عواصم الاسلام الكبرى لامبراطورية شملت نصف الدنيا في عصورها الذهبية، مثل مسجد قرطبة لأمراء البيت الأموي الأندلسي والمسجد الأموي في دمشق أو مسجد الكتبية في مراكش أو جامع ابن طولون أو السلطان حسن أو الأزهر في القاهرة أو مسجدي شاه في أصفهان أو السليمانة في الاستانة أو القطب في دلهي. وقبل هذه المساجد كلها الكعبة المشرّفة والمسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى وقبة الصخرة.لو تأملنا التصميم المعماري للمساجد على وجه العموم نجد أنه يضم عناصر رئيسية هي بيت الصلاة والصحبة والقبلة والمحداب والمنبر الى جانب العناصر الجمالية الأخرى التي ذكرتها (مدخل المسجد والمئذنة والقبة والشرفة والدكة والمقصورة).تظهر عظمة الفن الاسلامي في كل ناحية، من واجهات المسجد حيث خصائص هذا الفن واستخدامه عناصر كثيرة من التشكيلات الزخرفية النباتية والهندسية والكتابية والأعمدة والشرفات والمقرتضات التي تتوج أعلى المداخل التي استخدمت فيها الحجارة والرخام التي أتقن نحتها وصقلها وزخرفتها فاحتلت المداخل مكانة بارزة من واجهة المسجد حيث العقود الشاهقة المرتدة الى الداخل في وضوح كما في المساجد المملوكية ( مسجد الظاهر بيبرس - مسجد ومدرسة السلطان حسن) وفيها بوابات ذات فخامة . أما القبلة والمحراب فهما صدر بيت الصلاة وأكرم موضع فيه ويكون مقام الإمام في المسجد، وهو مفهوم اسلامي صرف، وإليه يدير المصلون وجوههم نحو الكعبة. أقدم محراب مجوف كان مسقطه نصف دائري في قبة الصخرة في القدس ونالت القبلة من الناحية الفنية اهتماماً أكبر في عمارة المسجد وحشد لها من مواد البناء أجمله وأثمنه من رخام ومرمر فسيفساء وأخشاب. تضافرت جهود المعماري والمزخرف والنقاش في جذب انتباه الانسان. اختلفت اشكال المحاريب الهندسية الرائعة وأحجامها، نذكر منها محراب مسجد الرسول في المدينة الموجه نحو الكعبة بغاية الدقة ومحراب مسجد قرطبة الجامع الفريد والجزء الأعلى منه على هيئة محارة منحوتة من قطعة مرمر واحدة. بيت الصلاةهو الجزء المسقوف من المسجد ناحية القبلة ومساحته تختلف من مسجد إلى آخر ومن عصر الي عصر.الماذن أو المنارات اما تكون في أركان المسجد كما في مآذن جامع عمرو بن العاص أو أن تكون خارج المسجد كما في الجامع الكبير في سامراء ومسجد قطب في نيودلهي. أو في منتصف جدار مؤخر المسجد.بلغت مآذن المساجد من الجمال حداً قال فيه عالم الاثار الفرنسي هنري تيراس بعدما درس مئذنة جامع الكتيبية في مراكش « ان نقوشها ونوافذها وزخرفها جديرة بأن تنشر في كتاب على حدة». وفي العصر الفاطمي تميّزت المآذن برشاقتها وارتفاعها وتناسب أجزائها المختلفة وشيّدت من الأحجار المتقنة النحت ومعظمها كان ذا أدوار ثلاثة. وظهرت في مصر مآذن ذات رؤوس مزدوجة مثل مئذنة جامع الغوري في الجامع الأزهر. تعتبر المآذن المصرية بعامة من أجمل الأشكال المعمارية وأكثرها رشاقة وانتقلت منها الى بلاد اسلامية كثيرة وصلت الى أقصى جنوب السودان وإلى أمريكا اللاتنية.القبابالقبة عنصر معماري متميز ظهر وتطور في حضارات الشرق القديم في العراق وفلسطين ومصر الشام وآسيا ثم انتقل الى الفرس والرومان. تنشأ القبة من عقود متقاطعة في مركز واحد هو النقطة الرئيسية أعلى القبة وتقوم أرجلها على كتف دائرية أو مثمن أو مسدس بعد تحويل المبنى المربع أو المستطيل لهذه الأشكال ليمكن تحويل أعلى البناء المربع الى دائرة تستكمل استدارتها بتبطين القبة وتغطيتها من الخارج. أبسط القباب ما يقوم على هيكل من الخشب الدائري يوضع فوق الجدران ثم يبطن ويغطي بالملاط. كما هي الحال في بناء أول قبة في تاريخ العمارة الاسلامية، أي قبة الصخرة.وظهرت القبة المبنية بالحجر في مصر وهي آية في التوازن والانسجام، ثم في سورية، ولم يحاول المعماري زخرفتها أو تلوينها وتذهيبها أو تغطيتها بالقاشاني الملون ويظهر ذلك جلياً في عمارة مساجد العراق مثل القبة المقامة فوق ضريح الامام علي بن ابي طالب (رضي الله عنه) في النجف وفي قباب الأئمة العلويين في بغداد وسامراء والنجف وكربلاء ومشهد.هناك أيضاً عناصر معمارية أخرى دخلت إلى المساجد مثل (الميضأة) أي مكان الوضوء وكانت تقام على هيئة فنية في جانب أو وسط صحن المسجد والمقصورة وجاءت في عمارة المسجد رغبة من الولاة في إقامة الصلوات في مكان منفصل عن المسجد خوفاً على حياتهم وكانت في البداية مجرد حواجز خشبية حتى أصبحت غرفا قائمة بذاتها. كذلك الشمسيات وهي مظلة تضيف عنصراً زخرفيا جماليا وتحمي من الشمس والمطر.