قل ولا تقل!

نشر في 27-03-2008
آخر تحديث 27-03-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد

تستطيع أن تتفق أو تختلف مع سياسات إيران الإقليمية، وتستطيع أن تؤيد أو تعارض نظامها السياسي، ولكنك لا تستطيع التنكر لجوارك الجغرافي ورديفك الحضاري وتصنفه عدواً، أما الارتقاء بمستوى الخلاف إلى مصاف مساواة الجار التاريخي بالعدو التاريخي، فيبدو خطيئة لا تغتفر بحق التاريخ والجغرافيا قبل أن يكون بحق إيران.

تنتشر في كل فترة سياسية مقولة رائجة تلخص شعارها ومضمونها السياسي، وتعكس في الوقت نفسه هواجس بعينها. وبتطبيق هذه المقولة على منطقتنا في السنتين الأخيرتين وجدنا أن شعار «إيران هي الخطر القريب وإسرائيل هي الخطر البعيد» هو الأكثر ذيوعاً في الكثير من وسائل الإعلام العربية. ويستند هذا الشعار في تبرير وجوده إلى واقع مفاده وجود بعض المشاكل الحدودية بين العرب والإيرانيين، ويتفاقم مع تطورات السياسة ليغدو هذا الشعار ملغماً بالفعل. ويتناسى مطلقو هذا الشعار الخبيث وجود مشاكل حدودية مماثلة بين العرب وتركيا (لواء الإسكندرون)، والعرب وإثيوبيا (منابع النيل والحدود مع السودان والصومال)، والعرب وأسبانيا (سبتة ومليلة وجبل طارق). ويعني ذلك باختصار وجود مشاكل حدودية بين العرب وكل جوارهم الجغرافي.

لم تنشأ إيران بقرار دولي فرضته أجندة دولية بقوة السلاح على العرب رغماً عن إرادتهم، بل كانت جاراً للعرب منذ آلاف السنين، وهي جارة لهم الآن وستظل كذلك في المستقبل. وينزع الجوار التاريخي بمنطق التاريخ والحضارة المشتركة عن إيران صفة «الوافد» على المنطقة، إذ هي كيان أصيل شارك وأثر وتأثر بالعرب وحضارتهم أكثر من أي أمة أخرى في التاريخ. وإيران لا تستند إلى دعم خارجي في وجودها الضارب في عمق ثقافة وتراث المنطقة، ولم تقتلع الشعب الفلسطيني من أرضه أو تدعي «هبة إلهية» للسيادة على كامل المنطقة الممتدة من النيل إلى الفرات. ويستبطن هذا الشعار الخبيث تناقضاً مفترضاً بين العرب والإيرانيين يراد له أن يكون أساسا لظهور صراعات عابرة لحدود العراق إلى جواره الجغرافي، مما يهدد كامل المنطقة بعواقب خطيرة. وإذ لا يجادل أحد في أن المصالح العربية يجب أن تتقدم على ما سواها عند تحليل المعطيات الإقليمية ورسم السياسة الخارجية للدول العربية، ولأجل صون المصالح العربية العليا يجب تحديد الأولويات وليس وضع كل «الجيران» في خانة واحدة.

صحيح أن التخوف العربي من الدور الإيراني بلغ أوجه بعد احتلال العراق وتنامي الدور الإقليمي الإيراني في المنطقة، ولكن هل توقع عاقل من إيران أن تخوض حرباً ضد الولايات المتحدة الأميركية دفاعاً عن نظام خاض ضدها حرباً استمرت ثماني سنوات؟. ومن دون العودة إلى حديث الحرب العراقية-الإيرانية من جديد، إلا أنه لا يمكن تجاهل أن ملايين الضحايا والجرحى من الطرفين والخسائر المقدرة بمئات المليارات من الدولارات للطرفين، قد أدت إلى إضعاف كل من العراق وإيران لمصلحة عدو العرب «إسرائيل»، التي تهددهم في وجودهم من قريب ومن بعيد. وبالمقابل، وعلى الرغم من وجود هذا الترابط التاريخي والجوار الحضاري الممتد لآلاف السنين، فإن ذلك لا يعني في الوقت نفسه تطابقاً دائماً في المصالح بين العرب والإيرانيين، ولكن عدم الاتفاق على قضايا بعينها -وهو أمر طبيعي بين الجيران والدول- لا يعني بالضرورة استنفار العداوة أو استشعار الخطر ومساواة الجار بالعدو. وإذا كانت دول الخليج العربية تتخوف من عدم التوازن في القدرات الديموغرافية والعسكرية بينها وبين إيران، وهو أمر مبرر ومفهوم ومشروع، فلا بد من إعادة التدبر والتفكير في صيغ مشابهة لصيغة «إعلان دمشق» على قاعدة المصالح العربية المشتركة وليس فقط إطلاق شعارات تضر أكثر مما تنفع المصالح الخليجية.

ربما لا يعرف الكثيرون ممن يرددون مقولة «إيران هي الخطر القريب» أن جميع أصحاب الصحاح الستة وكذلك مؤلفو الكتب الأربعة هم من الإيرانيين! مثل البخاري ومسلم والنيسابوري وأبو عبدالرحمن النسائي وأبو داود السجستاني والترمذي والبيهقي وابن ماجه القزويني. وتصل الشراكة التاريخية العقائدية بين العرب والإيرانيين إلى ذروتها حين نعرف أن اثنين من الأئمة الأربعة لدينا ينحدران من خراسان الإيرانية؛ وهما أبو حنيفة النعمان بن ثابت وأحمد بن حنبل المروي الخراساني. تستطيع أن تتفق أو تختلف مع سياسات إيران الإقليمية، وتستطيع أن تؤيد أو تعارض نظامها السياسي، ولكنك لا تستطيع التنكر لجوارك الجغرافي ورديفك الحضاري وتصنفه عدواً، أما الارتقاء بمستوى الخلاف إلى مصاف مساواة الجار التاريخي بالعدو التاريخي، فيبدو خطيئة لا تغتفر بحق التاريخ والجغرافيا قبل أن يكون بحق إيران. لا يسعني في النهاية إلا أن أدعوك عزيزي القارئ على غرار البرنامج الإذاعي المصري الشهير «قل ولا تقل» أن تقول معي: إيران هي الجار القريب، وإسرائيل هي العدو القريب والبعيد!

* باحث وكاتب مصري

back to top