رسالة حب إلى فيديل كاسترو

نشر في 21-02-2008
آخر تحديث 21-02-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد

المحترم والمبجل فيديل كاسترو: إن تشبثكم بالسلطة لمدة تربو على أربعين عاماً ضاربين عرض الحائط بأبسط مبادئ الديموقراطية والتعددية والتناوب على السلطة، يجعلكم تغتالون صورتكم من على الجدران ومن قلوب ملايين البشر حول العالم، فضلاً عن تحطيم رمزيتكم الشاعرية والثورية الباقية في الذاكرة بيديكم وليس بالأيادي الأميركية.

المحترم والمبجل فيديل كاسترو:

ظلت صورتكم ورفيقكم تشي غيفارا ملصقة على الجدار المواجه لمكتبي سنوات إلى جوار صور أقرانكم التاريخيين: جمال عبدالناصر ومحمد مصدق وياسر عرفات ونيلسون مانديلا، ولذلك فقد وقع نظري عليها عشرات الآلاف من المرات في مناسبات متكررة حتى تثبتت هذه الصور وأصحابها على جدران الذاكرة. مرت سنوات وسنوات وتغير العالم وخريطة المشهد الدولي وانتهت الحرب الباردة بنتيجتها المعروفة، ولكن بعضاً من وهجك فيديل ووهج رفيقك تشي مازالا حاضرين في الوجدان والذاكرة. لقد جسدت أيها العزيز فيديل ورفيقك تشي حلم الثورة لشرائح شبابية وشعبية كبيرة على اتساع الكرة الأرضية، فأنتما المناضلان الشابان والمتقشفان اللذان نقلا كوبا من عصر الاستعمار إلى عصر الثورة الشعبية. ومازالت المخيلة الشعبية والشبابية تحتفظ برقمكم القياسي الخاص بنجاتكم من محاولات الاغتيال التي خططت لها الولايات المتحدة الأميركية، والتي قدرها حارسكم الشخصي بنحو 638 محاولة فاشلة.

أعرف عن ظهر قلب قصة تعارفكم إلى تشي، عندما قبض عليكم عام 1953 ثم أطلق سراحكم لاحقاً، لتهربوا إلى المكسيك حتى تنظموا التدريب على حرب العصابات التي بدأت بواكيرها في العام 1956. هناك تعرفتم إلى تشي غيفارا، الذي عاد معكم إلى كوبا في نهاية 1956 مع 81 من رفاقكم لتقودوا العمل المسلح ضد باتيستا. بعد أول صدام مسلح مع القوات النظامية تقلص عدد أفراد مجموعتكم إلى عشرين فقط منهم أنت وأخوك راؤول وتشي غيفارا، فهربتم إلى الجبال في شرق كوبا لتعيدوا تنظيم أنفسكم. ومن هناك استقطبتم أنصاراً في المدن والأقاليم الكوبية المختلفة وبمرور الوقت اتسع أعضاء المقاومة، وقد تمت المقاومة من نصر إلى نصر حتى الإطاحة بالدكتاتور وعمركم لا يتجاوز 32 عاماً. لقد قدتم الثورة المنتصرة التي أطاحت بالدكتاتور وأنارت الطريق وألهبت المشاعر وأشعلت الأمل في مقاومة الاستعمار والانتصار للمحرومين.

أعرف قصة صمودكم في ما سمي أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 والتي كادت أن تؤدي إلى مواجهة نووية بين واشنطن وموسكو، بعد أن نقل الزعيم السوفييتي خروتشوف صواريخ محملة برؤوس نووية إلى بلادكم التي تبعد 145 كيلومترا فقط عن ولاية فلوريدا الأميركية لردع أي محاولة لغزوكم. ولحل المعضلة فقد سحبت موسكو صواريخها من كوبا مقابل التزام أميركي بعدم غزوكم، مع سحب الصواريخ الأميركية التي تهدد الاتحاد السوفييتي من الأراضي التركية والإيطالية، وهكذا خرجتم منتصرين أيضاً من الأزمة وحصنتم نظامكم ضد الانقلاب الخارجي، في حين أبقت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق كينيدي الاتفاق سرياً أمام الرأي العام الأميركي حتى تحفظ ماء وجهها وتضمن نجاح المرشح الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية التالية.

تصفحت قبل أيام قليلة الجرائد -كما أفعل كل صباح- فوقعت عيناي على خبر مفاده أن البرلمان الكوبي الجديد سيعقد جلسة الأسبوع القادم وبالتحديد يوم 24 فبراير الحالي لمناقشة ما إذا كنتم فيديل كاسترو الغائب عن السلطة منذ عام ونصف لأسباب صحية ولكم من العمر 81 عاماً، ستنتخبون لولاية جديدة أم لا.

العزيز والمبجل فيديل:

تحتفظون منذ عقود طوال بمناصب «زعيم الحزب الشيوعي الكوبي» و«رئيس مجلس الدولة الكوبية» أي رئيس البلاد، و«رئيس مجلس الوزراء الكوبي»، و«قائد الجيش الكوبي»، قبل أن تقوموا بإيكال الرئاسة بالنيابة إلى شقيقكم راؤول عقب العملية الجراحية التي أجريتموها في يوليو 2006. ومع كل الاحترام لتاريخكم العريق أيها العزيز فيديل ولمشاعر أبناء جيلي من الشباب على اتساع الكرة الأرضية، والذين عشقوا رمزيتك الثورية والشعبية، فإنني أدعو الله أن يجنبك هذه المحنة الجديدة وأن تعيش أيامك الأخيرة بسلام. إن تشبثكم بالسلطة لمدة تربو على أربعين عاماً ضاربين عرض الحائط بأبسط مبادئ الديموقراطية والتعددية والتناوب على السلطة، يجعلكم تغتالون صورتكم من على الجدران ومن قلوب ملايين البشر حول العالم، فضلاً عن تحطيم رمزيتكم الشاعرية والثورية الباقية في الذاكرة بيديكم وليس بالأيادي الأميركية. معاداة الإمبريالية لا تعني الدكتاتورية، والقيادة الشعبية لا تعني مصادرة إرادة الملايين ورغبتهم في التغيير، فلتأخذوا من صديقكم نيلسون مانديلا مثالاً، فالتنحي عن السلطة بعد الانتصار أفضل من التمسك بها والغرق في تفاصيلها.

وفي النهاية أتمنى لكم شخصياً أيها العزيز فيديل كاسترو موفور الصحة وطول البقاء، ولبلادكم الغالية التقدم والازدهار، وللشعب الكوبي المضحي والمكافح حقه في الحرية والديموقراطية!

* كاتب وباحث مصري

back to top