المقاومة باقية...والوطن إلى زوال

نشر في 31-07-2007
آخر تحديث 31-07-2007 | 00:00
 بلال خبيز

«حزب الله» الذي قاتل في حرب يوليو 2006 بوصفها جولة أولى ستعقبها جولات، جعل من الميدان اللبناني أضعف من احتمال جولة أخرى وحيداً ومنفرداً، ولم يكن سلوكه السياسي في الفترة التي أعقبت الحرب الأخيرة يقيم وزناً لأي تضامن لبناني في الحد الأدنى حيال إسرائيل.

يحق للسيد حسن نصرالله أن يحتفل بإفشال الأهداف الإسرائيلية في حرب يوليو 2006، فهذه الحرب في شقها العسكري دللت على مناعة لبنانية – شيعية حيال أي اختراق إسرائيلي. ولا يقلل الانقسام اللبناني الحاد الحاصل اليوم من أهمية هذه المناعة وقدرتها على صد أي عدوان إسرائيلي جديد. ورغم أن هذا الانقسام الذي بلغ حداً خطيراً أثناء الحرب وما بعدها يهدد لبنان في وجوده وطناً نهائياً لأبنائه، فإن هذه الحرب وما تلاها أثبتت أن المقاومة التي يقودها «حزب الله» أشد مناعة من البلد نفسه. وأن البلد المهدد بالزوال لا يعدل في معادلة القوة التي أرساها «حزب الله» في الجنوب اللبناني في مواجهة إسرائيل.

ربما يجدر باللبنانيين أن يستخلصوا هذه العبرة بوعي مستفيض. فسلاح المقاومة التي يقودها «حزب الله»، منذ ذلك العدوان الإسرائيلي والمقاومة البطولية التي ووجه بها، لم يعد موضوعاً على طاولة النقاش اللبناني. وبات احتفاظ «حزب الله» بسلاحه أمراً خارج جدول النقاش اللبناني، مما يعني أن الحرب نفسها وبصرف النظر عن نتائجها اللبنانية وضعت هذا السلاح في خانة التسوية الإقليمية الشاملة. وبهذا المعنى لم يعد سلاح «حزب الله» قابلاً للنزع أو التنظيم أو النقاش على أي طاولة حوار لبنانية مقبلة، هذا إذا كان ثمة طاولة حوار أصلاً. وغني عن القول إن امتناع مصير سلاح «حزب الله» موضوعياً على النقاش اللبناني الصرف يجعل هذا السلاح ثقيلاً على كاهل البلد في غياب أي خطة شاملة لمقاومة الاحتلال والمشاريع الإسرائيلية المتعدية، ويجعل من أي حرب مقبلة بين الطرفين أشد وقعاً على الكيان اللبناني وأعم خطراً. بصرف النظر عن النتائج الميدانية التي يمكن استثمارها إقليمياً ولا يمكن البناء عليها لبنانياً على أي صورة من الصور.

لهذه الأسباب المعقدة بدا السيد حسن نصرالله كما لو أنه يقسم كلمته قسمين متساويين، فـ «حزب الله» من جهة أولى، متدخل فاعل في أحوال البلد الداخلية، وهو يشكل العمود الفقري الذي تستند إليه إحدى ضفتي الانقسام الأهلي اللبناني. وهو من جهة ثانية، لاعب إقليمي مهم وقد زادت الحرب الأخيرة من أهميته على مستوى المنطقة. والحال فإن إي حرب إسرائيلية مقبلة على لبنان لابد أن تطاول البلد وتكلفه ما لا طاقة له على حمله. فمثل هذه الحرب تريدها إسرائيل، كما في الحرب الماضية، آخر حروب المنطقة، وهي تبعاً لذلك، لا بد أن تحشد لها كل طاقاتها وإمكاناتها السياسية والعسكرية. مما يعني أن القسوة التي تميزت بها الحرب السابقة ستبدو بمنظار الحرب المقبلة، كما لو أنها لعب أطفال. وكون لبنان أحد ميادينها إن لم يكن ميدانها الوحيد أمر خارج أي مناقشة أو تشكيك.

من نافل القول إن اتساع رقعة الحرب وشمولها بلاداً ودولاً أخرى غير لبنان تضعف حدة القيود التي يمكن أن تفرض على إسرائيل وحلفائها في مثل هذه الحرب، لجهة طول المدة الزمنية للحرب والعناية بتقليص اعتراضات الرأي العام العالمي، وصولاً إلى مدى طلاقة اليد العسكرية الإسرائيلية في لبنان وحجم الروادع التي يمكن أن تقيدها. لكن هذا الأمر يجب ألا يدعو أحداً من اللبنانيين إلى تفضيل الحرب المحدودة التي يمكن أن تقتصر على الميدان اللبناني دون غيره. فـ «حزب الله» الذي قاتل في تلك الحرب بوصفها جولة أولى ستعقبها جولات، جعل من الميدان اللبناني أضعف من احتمال جولة أخرى وحيداً ومنفرداً. ولم يكن سلوكه السياسي في الفترة التي أعقبت الحرب الأخيرة يقيم وزناً لأي تضامن لبناني في الحد الأدنى حيال إسرائيل. بل ساهم في إذكاء نار الحرب الأهلية السياسية ودفع إليها دفعاً. وغني عن القول إن الاجتماع اللبناني اليوم أبعد ما يكون عن أي تضامن من أي نوع وحيال أي طرف خارجي. أما أن يرد «حزب الله» وقادته على هذا «التذرر» اللبناني برفع سيف الحق في اتهام الطوائف والقوى الأخرى بالعمالة لأميركا وإسرائيل، فهو أشبه بمن يقاتل طواحين الهواء. فالعمالة سياسياً وبالتعريف عمل فردي، ولا يمكن أن تشمل شعوباً وطوائف كاملة. وما إن تتسع مثل هذا الاتساع المخيف حتى تتحول خيارات سياسية، لا تعود تنفع معها رسائل التطمين المتبادلة. ذلك أن الذين مازالوا يملكون بقية من حكمة في لبنان يذكرون جيداً أن الطوائف جميعها تقلبت في علاقاتها الخارجية، وأن الطائفة الشيعية نفسها شكلت أول ركائز بنيتها السياسية على قاعدة رفض الحروب ضد إسرائيل وقتال الذين يقاتلونها.

 

كاتب لبناني

back to top