كان اميراً للتسامح واميراً للقلوب

نشر في 15-01-2008
آخر تحديث 15-01-2008 | 00:01
 حسين العتيبي لا أدري لماذا تذكرت حادثتين من بين مئات الحوادث في تاريخ المغفور له الشيخ جابر الأحمد... ولا أدري لماذا استرجعت تلك المقولة التي رددها الكويتيون بعد عودته من رحلة العلاج فأطلقوا عليه «أمير القلوب».

في الذكرى الثانية لوفاته حاولت استرجاع ما أسعفتني به الذاكرة من معايشة لتاريخه منذ تولى رئاسة الوزراء وولاية العهد حتى وفاته... وتذكرت كثيراً كم كنت أنا وكثيرون غيري نختلف معه في رؤياه حين كان رئيساً للوزراء، سواء في علاقته بمجلس الأمة بعد المجلس الثاني عام 1967، أو في عدم تعاونه مع المجلس عام 1976... بل حتى رؤياه الاقتصادية التي قدمها على مشروع التنمية السياسية كانت مثار جدل، لكنها مثار احترام أيضاً لأنها عكست رؤية حاكم، ومشروع حكم.

وحين تولى الإمارة بعد وفاة خاله الشيخ صباح السالم، اختلفت أساليب تعامله وكان مؤمناً -رحمه الله- بأن هناك حدوداً لتدخل الأمير في اختصاصات رئيس الوزراء وأعماله، وكان يردد لأقربائه المقربين «هذا عُرف تعلمته من خالي عبدالله السالم، وطبقه معي خالي صباح السالم، ولا أريد الإخلال به». وهو ما سمعته شخصياً من قريبين له ممن لم تكن ترضيهم تلك الطريقة، وممن يعتقدون أنها السبب في إطلاق يد سمو الشيخ سعد حين كان رئيساً للوزراء وولياً للعهد.

تذكرت واقعتين في تاريخه - رحمه الله - تجسدان الرحمة وسعة الصدر ومعنى أبوة الحاكم لأبنائه ورعاياه... ومعنى التسامح والعفو عند المقدرة... تتلخص الواقعة الأولى في أنه عندما طُلب إليه - رحمه الله - التصديق على حكم الإعدام بحق الذين حاولوا اغتياله، تردد كثيرا ثم رفض (كما يروي العم عبدالرحمن العتيقي) ولما سئل عن سر رفضه التصديق على الحكم قال: هؤلاء لا يعرفونني ولا أعرفهم، وليس بيني وبينهم شيء... لكنهم أناس غُرِّر بهم فلا ذنب لهم.

أما الواقعة الثانية، التي ربما لم يسمع بها الكثير من الكويتيين، ولم يتداولوها فهي أنه بعد عودته من رحلة العلاج ذهب سموه لزيارة البيت الحرام وتأدية مناسك العمرة، وأثناء طوافه -رحمه الله- وقف أحد الشباب المُغرَّر بهم من الجماعات الأصولية رافعاً صوته مخاطباً سموه بأن يخاف الله ويطرد «النصارى» من أرض الكويت... فما كان من أجهزة الأمن السعودية إلا إلقاء القبض عليه ثم تسليمه لأجهزة الأمن الكويتية.

وبعد الحادثة أصر سموه على إطلاق سراح هذا الشاب وعدم التعرض له أو إيذائه أو عقابه بأي شكل من الأشكال... هذه سماحة الحكم التي جسدها رحمه الله، لأنه كان مدركاً ان السماحة والعفو عند المقدرة هما أصل الهيبة والاحترام... لذا صدق القول بأنه كان أميراً للقلوب.

رحمه الله...

back to top