العلاج بطريقة كينيز

نشر في 30-03-2008
آخر تحديث 30-03-2008 | 00:00
يبدي العديد من الناس اليوم تذمرهم من السياسات النقدية التي انتهجها ألان غرينسبان، وكان التعبير الأكثر تهذيباً في وصفه من بين ما سمعت من تعليقات: «سفاح فقاعات الازدهار». ولكن هل كان اقتصاد العالم ليصبح في حال أفضل اليوم في ظل سياسة نقدية بديلة؟
 بروجيكت سنديكيت حتى الآن لا نستطيع أن نقول إن اقتصاد العالم سوف يخضع حتماً لحالة من الكساد طيلة الأعوام الثلاثة القادمة أو ما إلى ذلك، فربما لايزال بوسعنا أن نفلت من هذا المصير. ولكن يتعين على الحكومات أن تتحرى السبيل الآمن من خلال الشروع في اتخاذ المزيد من الخطوات اللازمة لتخفيف وتلطيف وتقصير المدة الزمنية التي ستشهد ارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ النمو أو تدنيه حتى يصبح سالباً، وهو المرجح حدوثه في الوقت الحالي.

إنها لحقيقة من حقائق الطبيعة الطبيعة البشرية على الأقل أن السياسات الحكيمة المناسبة الآن قد تبدو في المستقبل وكأنها كانت مفرطة. فعند نقطة ما سوف يبدأ اقتصاد العالم في التوسع بسرعة من جديد. إلا أنه ليس من الحكمة أن نفترض أن نقطة التحول قريبة، وأن الأمور لن تتفاقم سوءاً.

ربما كانت الوسيلة الأفضل للنظر إلى هذا الموقف هي أن نتذكر القاطرات الثلاث التي ظلت تدفع اقتصاد العالم طيلة الأعوام الخمسة عشر الماضية. كانت القاطرة الأولى تتمثل في الاستثمار الثقيل، الذي تركز في الولايات المتحدة بفضل ثورة تكنولوجيا المعلومات. وكانت القاطرة الثانية تتمثل في الاستثمار في المباني، والذي تركز أيضاً في الولايات المتحدة، مدفوعاً بازدهار سوق الإسكان هناك. أما القاطرة الثالثة فكانت تتمثل في الاستثمار في التصنيع في أماكن أخرى من العالم خصوصا في آسيا بعد أن تحولت الولايات المتحدة إلى الملاذ الأخير كمستورد بالنسبة للاقتصاد العالمي.

كانت هذه العوامل الثلاثة سبباً في تمكين الاقتصاد العالمي من تشغيل العمالة بالكامل تقريباً وإحراز النمو السريع، طيلة خمسة عشر عاماً. ومع انتهاء موجة ازدهار التكنولوجيا المتطورة في العام 2000، اتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي من موجة ازدهار الإسكان بديلاً له، بينما كان الاستثمار في آسيا يسير بخطوات متسارعة لإمداد الأسواق في الولايات المتحدة.

يبدي العديد من الناس اليوم تذمرهم من السياسات النقدية التي انتهجها ألان غرينسبان، وكان التعبير الأكثر تهذيباً في وصفه من بين ما سمعت من تعليقات: «سفاح فقاعات الازدهار». ولكن هل كان اقتصاد العالم ليصبح في حال أفضل اليوم في ظل سياسة نقدية بديلة تبقي معدلات البطالة في أميركا عند متوسط %7 بدلاً من %5؟ وهل كان من الأفضل حقاً اليوم لو لم تكن الولايات المتحدة قادرة طيلة الفترة السابقة على استيراد ما قيمته ثلاثمئة مليار دولار أميركي سنوياً من المصنعين في أوروبا، وآسيا، وأميركا اللاتينية؟

لقد نفد وقود القاطرة الأولى منذ سبعة أعوام على أي حال، ولا يوجد قطاع بديل واضح مدفوع بالتكنولوجيا، وقادر على إحداث قدر مماثل من الوفرة. أما القاطرة الثانية فقد بدأت في التباطؤ منذ عامين، والآن أصبحت على وشك التوقف الكامل، وهو ما يعني أن القاطرة الثالثة الولايات المتحدة باعتبارها الملاذ الأخير كمستورد بدأت هي أيضاً تفقد سرعتها: حيث أصبح التصدير إلى الولايات المتحدة غير مربح بسبب ضعف الدولار المصحوب بأزمة الإسكان.

إن الاقتصاد العالمي، طبقاً لتعبير جون ماينارد كينيز منذ 75 عاماً، يعاني مشكله في محركه. وما يحتاج إليه الآن هو دفعة قوية: زيادة إجمالي الطلب. ففي الولايات المتحدة يشكل ضعف الدولار دفعة قوية لصافي الصادرات، وبالتالي لإجمالي الطلب. بيد أن صافي الصادرات يشكل من وجهة نظر العالم ككل لعبة يتساوى فيها المكسب والخسارة، وهذا يعني أننا سوف نضطر إلى الاعتماد على مصادر أخرى لزيادة إجمالي الطلب:

المصدر الأول هو الحكومة، وهنا يشكل الترشيد المالي أهمية كبرى على الأمدين المتوسط والبعيد، ولكن يتعين على الحكومات أن تعمل على مدار السنوات الثلاث القادمة على زيادة إنفاقها وتخفيض الضرائب، خصوصا الضرائب المفروضة على الفقراء، الذين من المرجح أن ينفقوا.

ويتمثل المصدر الثاني في الاستثمار الخاص. إذ بدأت البنوك المركزية في العالم في تخفيض أسعار الفائدة بالفعل على الأصول الآمنة، ولسوف تستمر في تخفيضها إلى أن يتبين حجم وشدة حالة التباطؤ العالمي الحالية.

بيد أن انخفاض أسعار الفائدة يتوافق تماماً مع الكساد أو الركود إذا ما ظلت المجازفة الأولية ضخمة، كما أدرك العالم في أثناء ثلاثينيات القرن العشرين، وكما أدركت اليابان في أثناء فترة التسعينيات. الحقيقة أن المهمة الأشد صعوبة بالنسبة للحكومات تتلخص في تعزيز قدرة القطاع الخاص على تحمل المجازفة بفعالية، من خلال السماح للشركات والمؤسسات التجارية والمالية بالوصول إلى رأس المال على النحو الذي يغريها بالتوسع.

* جايمس برادفورد ديلونغ | James Bradford DeLong، مساعد وزير الخزانة الأسبق في الولايات المتحدة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top