ماذا عن العالم؟

نشر في 25-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 25-01-2008 | 00:00
 ريتشارد ن. هاس

الرئيس الأميركي القادم سوف يواجه عدداً من التحديات الملحة والعصيبة المرتبطة بالسياسة الخارجيةـ ولن تؤثر الكيفية التي سيتجاوب بها مع هذه التحديات على الولايات المتحدة فحسب، بل وعلى العالم أجمع.

مع تقدم الانتخابات الأميركية الأولية لما بعد ولايتي آيوا ونيوهامبشاير، بات من المستحيل أن نتنبأ بمن سيكون مرشح الحزب الديموقراطي ومن سيكون مرشح الحزب الجمهوري، ناهيك عمَن سيكون الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة. إلا أنه ليس من المبكر أن نطرح السؤال حول مدى تأثير السياسة الخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة على الحملة الانتخابية وما تكشفه هذه السياسة عن الصورة التي يرى بها الأميركيون العالم.

مما أدهش العديد من المراقبين المخضرمين أن السياسة الخارجية أصبحت ذات تأثير متواضع على الناخبين. وهذا ليس بالأمر المتوقع، فمنذ ستة أشهر فقط كانت الحرب في العراق تهيمن على المشهد السياسي. ورغم أن العراق ما زالت تشكل أهمية كبرى بالنسبة للأمريكيين، فإن أهميتها قد تراجعت كثيراً فيما يتصل بمدى تأثيرها على أصواتهم الانتخابية، ويرجع هذا جزئياً إلى تراجع خسائر الولايات المتحدة هناك بصورة ملحوظة مع تحسن الوضع الأمني في العراق بالتدريج. ونتيجة لهذا فقد تضاءلت الضغوط الشعبية المطالبة بتغيير الإستراتيجية الأميركية في العراق.

كما أصبحت السياسة الخارجية أقل بروزاً مما كانت عليه منذ بضعة أشهر مع انحسار فرص اندلاع الحرب بين الولايات المتحدة وإيران في أعقاب نشر التقدير الاستخباراتي الوطني الأخير بشأن البرنامج النووي الإيراني. فبعد إقرار الأجهزة الاستخباراتية الأميركية بأن إيران قد علقت برنامجها الخاص بإنتاج الأسلحة النووية ـ وأنها لن تتمكن من تخصيب اليورانيوم بكميات كبيرة إلا بعد سنوات طويلة على الأرجح ـ أصبح في الإمكان تأجيل اليوم الذي قد يضطر فيه رئيس الولايات المتحدة إلى اتخاذ القرار بشأن التعايش مع إيران النووية أو شن الهجوم عليها.

أما السبب الثالث الذي يؤدي إلى تواضع تأثير القضايا الدولية على اختيار الناخبين الأميركيين لرئيس الولايات المتحدة القادم فهو أيضاً يشكل تطوراً مفاجئاً: وهو يتلخص في تعاظم درجة الاتفاق بين المرشحين الرئيسيين، على عكس ما قد نتصوره لأول وهلة. فقد نشأ نوع من الإجماع، على سبيل المثال، بشأن ضرورة بقاء الولايات المتحدة في العراق لبعض الوقت، ولكن مع تخفيض مستوى القوات العسكرية هناك.

هناك أيضاً اعتراف واسع النطاق بأن الولايات المتحدة لابد أن تبذل المزيد من الجهد سواء على الصعيد الوطني أو الدبلوماسي فيما يتصل بمعالجة قضية تغير المناخ العالمي؛ وأن الولايات المتحدة لابد أن تعمل مع حلفائها الأوروبيين من أجل منع أفغانستان من الانزلاق إلى الفوضى من جديد؛ وأن الولايات المتحدة لابد أن تتخذ أشد المواقف قوة في مواجهة الإرهاب ومن يساند الإرهاب بأي شكل من الأشكال. ولم يدافع أي من المرشحين الرئيسيين عن أي سياسة تشبه العزلة ولو من قريب.

السبب الأخير، وربما الأكثر أهمية، أن تدهور الاقتصاد الأميركي في الوقت الراهن يلقي بظلاله على السياسة الخارجية ويحجبها. فالأزمة الأعظم التي تواجه العديد من الأميركيين تتمثل في عجزهم المتزايد عن تسديد أقساط الرهن العقاري الشهرية. وأشد ما يخشاه الأميركيون في العام 2008 هو الركود الاقتصادي، وخسارة الوظائف، وارتفاع أسعار النفط، وليس الحرب.

هذا لا يعني أن السياسة الخارجية غائبة عن الحملة الانتخابية. فعلاوة على الحالة الاقتصادية، ثمة قضية مسيطرة على الأجندة السياسية ـ وهي القضية التي أثرت على سياسة الحزب الجمهوري بصورة خاصةـ ألا وهي قضية الهجرة. فهناك معارضة متنامية للدخول بصورة غير شرعية إلى الولايات المتحدة، إلا أننا لن نجد أي شكل من أشكال الإجماع على الكيفية التي ينبغي أن يتم به التعامل مع المهاجرين الذين يقيمون في البلاد بصورة غير قانونية منذ أعوام طويلة، أو هؤلاء الراغبين في الهجرة إلى الولايات المتحدة في المستقبل.

من الممكن أيضاً أن نلحظ نوعاً من الانزعاج المتزايد بشأن العولمة في السياسات التي ينتهجها كل من الحزبين. ففي ظل الأوقات الاقتصادية العصيبة لابد أن تتزايد حدة المواقف إزاء المنافسة الأجنبية وانتقال التصنيع إلى الخارج.

وقد نلحظ أيضاً نوعاً من القلق المستتر بشأن السياسة الخارجية في الاهتمام والانتباه الذي يوليه الناخبون لحجم ونوعية الخبرة التي يتمتع بها المرشحون في هذا السياق. فقد تحولت «الرغبة في التغيير» إلى عبارة شائعة في الحوار الأميركي، إلا أنها ليست العبارة الوحيدة الشائعة بأي حال من الأحوال.

قد يتجدد الاهتمام بالسياسة الخارجية وبقية العالم إذا ما حدث أي تطور مثير في الخارج. ولقد شهدنا شيئاً كهذا منذ بضعة أسابيع حين اغتيلت رئيسة وزراء باكستان السابقة بينازير بوتو. فقد سارع الناخبون إلى مطالبة المرشحين الديموقراطيين والجمهوريين على السواء بشرح المواقف التي قد يتخذونها إذا ما سنحت الفرصة لأسر أسامة بن لادن، أو برزت الحاجة إلى تأمين الأسلحة النووية الباكستانية.

وعلى نحو مماثل، قد تعود العراق إلى احتلال مركز الاهتمام إذا ما تراجعت فجأة التوجهات الإيجابية التي شهدتها الأشهر الأخيرة، ربما في أعقاب تجدد أعمال العنف بين السُـنّة والشيعة في العراق. وقد تندلع الحرب بين الولايات المتحدة وإيران، ليس بسبب القضية النووية، بل كنتيجة للسلوك المتهور من جانب الحرس الثوري (كما حدث مؤخراً في مضيق هرمز)، وربما بسبب سعي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى افتعال أي أزمة بغرض تحويل الانتباه في الداخل عن إخفاقاته الاقتصادية. وقد ينهار النظام في باكستان على نحو غير قابل للعلاج. وقد تتسبب ضربة إرهابية جديدة في تذكير الأميركيين بنقطة ضعفهم الجوهرية. الحقيقة أن الاحتمالات بلا نهاية.

مما لا شك فيه أن الرئيس الأميركي القادم سوف يواجه عدداً من التحديات الملحة والعصيبة المرتبطة بالسياسة الخارجيةـ ولن تؤثر الكيفية التي سيتجاوب بها مع هذه التحديات على الولايات المتحدة فحسب، بل وعلى العالم أجمع. ولكن حتى يحين ذلك الوقت فلن يكون للسياسة الخارجية إلا تأثير غير مباشر على الاختيار الذي سيستقر عليه الناخبون الأميركيون.

* رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ومؤلف كتاب «الفرصة: اللحظة التي تستطيع فيها أميركا أن تغير مسار التاريخ». «بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top