حرب لبنان

نشر في 11-04-2008 | 00:00
آخر تحديث 11-04-2008 | 00:00
No Image Caption
تأليف: سمير قصير

دار النهار

صدر عن دار النهار للنشر كتاب «حرب لبنان» للكاتب اللبناني سمير قصير (ترجمة سليم عنتوري)، يتضمن تاريخ المرحلة الأولى من الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1982.

في العام 1975 دخل لبنان نفق الحرب التي دامت خمسة عشر عاماً وتصدرت أخبارها واجهة الأحداث ما خلا بعض فترات الهدوء. في تلك الأثناء كانت محاولات تفسير أسبابها كثيرة وكُتبت مقالات لا تُحصى عنها فبدت عصية على الإدراك أحياناً. كذلك صدرت عشرات الكتب للإضاءة على هذا الجانب أو ذاك من حرب شارك فيها أطراف كثيرون واستعان الباحثون بفروع العلوم الإنسانية لفهم محفزاتها. لكن الغريب أن التاريخ كان الغائب الأكبر عن تلك المؤلفات، لذلك يسعى هذا الكتاب إلى ردم تلك الفجوة بالذات، وهو يطمح إلى أن يكون تاريخاً شاملاً للمرحلة الأولى من مراحل الحرب في لبنان.

يتميز هذا الكتاب، الذي لا يكتفي بتدوين الوقائع أو الجدال، بغزارة المراجع المتوافرة في سياق تاريخي متمحور حول الحدث ومضامينه، فيعيد بأسلوب منهجي تشكيل الوقائع ورفد كل مشهد بمختلف مستويات القراءة التاريخية المستمدة من دينامية المجتمع اللبناني نفسه والبيئة الإقليمية على حد سواء.

ويطرح الكتاب تساؤلات وإشكاليات عدة متشعبة، كيف دخل لبنان الحرب؟ من هم أبرز رموزها؟ كيف استولد العنف نفسه على رغم المحاولات المتكررة لفرض وقف إطلاق النار؟ ما سبب استمرار المعارك؟ هل كانت الحرب حرباً أهلية أم حرباً خارجية على أرض لبنانية؟ ما دور الأطراف الإقليميين السوريين والفلسطينيين والإسرائيليين؟ وما دور اللبنانيين أنفسهم؟ كيف عاش المجتمع اللبناني المحنة وكيف تأقلم معها؟ يقدم الكاتب أجوبة مفصلة عن هذه الأسئلة في سياق مميز ينأى عن التعميم والغموض ويبين تفاعل العوامل الداخلية والخارجية في حرب لبنان.

جبهات

يشير قصير إلى أن إحدى الأفكار الشائعة تفيد أن لبنان شهد حروباً عدة ابتداءً من 1975، وإذا كانت إحدى السمات الأساسية لحلقة العنف هذه، هي التبدل في التحالفات والرهانات والتناقضات، فالسمة الأخرى هي استمرار بؤر الحرب والجبهات والمحاربين وأشكال العنف، ما يحمل على الافتراض أن وحدة المكان ليست سوى معطى طارئ وأن المتحاربين المتعاقبين على هذه النزاعات التي يُفترض أنها مستقلة الواحدة عن الأخرى، لم يأخذوها في الاعتبار. لذلك ستكون الاستمرارية الجيوسياسية نموذجاً حتى عندما ستشهد الأراضي اللبنانية أقصى حدود التقسيم.

خصومات

ويضيف قصير أن الاستمرارية الجيوسياسية ستحدد عمليات التواصل العملانية المطروحة وتشجع على تأجيج الخصومات وتقود إلى علاقات متعددة الأقطاب بين المتحاربين، حتى لو أن النزاعات الجزئية التي تتداخل في ما بينها على مستويات مختلفة لا تشكل في النهاية سوى سلسلة من الأحداث، أي مسلسل حرب لبنان. وهنا يعتبر أن كتابه هذا يطمح إلى وصف استمرارية هذه السلسلة بالتزامن مع تعاقب فتراتها التأسيسية وانقطاعاتها. في إطار هذه الرؤية، يتعين البحث عن المادة الأساسية لهذه الدراسة في الأحداث نفسها التي تخفي قدرة عظيمة تساعد على الاكتشاف، أي تساعد على إيجاد العناصر الحقيقية لشرح ترابط أعمال العنف.

ويرى قصير أن هذا البحث الوقائعي الذي ينسجم مع الانحياز المبدئي إلى تفضيل الآليات مقارنة بالأسباب، يفضي إلى الفرضية القائلة بقراءة التاريخ فور وقوع أحداثه، وهو يتموضع في الواقع على طرفي نقيض بين الرؤية البوليسية للتاريخ ونظريات المؤامرة التي شهدت انتشاراً واسعاً. ولا ينكر الكاتب أن النزاع اللبناني كان عرضة لممارسات حربية بعيدة عن الأنظار ولمختلف أنواع المناورات وأن نقاطاً تاريخية ما تزال غامضة، إلا أن هذه الممارسات المفترضة والوقائع التي بقيت جزئياً غير مفهومة، لم تؤثر في التماسك المنبثق من الفصول المتعاقبة الواضحة المعالم.

ويعتبر أنه إذا بقيت مشاكل ترتبط بتفسير الوقائع والأحداث فإنها تجد مبررها في المقابل في التنافر شبه المستمر بين الخطاب السياسي والممارسة، خصوصاً في التفسير الثابت في مجالي الأقوال والأفعال، والساحة اللبنانية الداخلية والساحة الشرق أوسطية.

الاستطيان الصهيوني

المشكلة الأولى صغيرة نسبياً وتشكل مصدراً لطرح التساؤلات وتجد حلولاً عبر عمليات حل الرموز من خلال مقارنة الخطاب السياسي بالأحداث الحاصلة، أما إيضاح المشكلة الثانية الأشد صعوبة فتشكل الهدف الأسمى لمؤلف يطمح إلى أن يكون تاريخاً متكاملاً قدر الإمكان للحرب في لبنان. وحسب قصير، يوفر هذا المجهود التوضيحي فائدة تتمثل بتغطية أكبر قدر من الأحداث ويشكل الطريقة الوحيدة للرد على الضرورة المزدوجة لتحديد التحديات السياسية للحرب وطرائق عملها، كذلك من غير الممكن تجاهل أن الحرب في لبنان تشكل جزءاً من تاريخ الشعب الفلسطيني، وبقدر أقل، من تاريخ سوريا. ولا يمكن تناسي أنها تجسد إحدى لحظات تطور مشروع الاستيطان الصهيوني في الشرق الأوسط، وتبدو المقاربة ضرورية لفهم كيف أن حربا حصر امتدادها في النهاية، اضطلعت بوظيفة أساسية ودائمة في تاريخ المشرق المعاصر. لذلك، حسب قصير، لا بد من المقارنة بين مجموعتي العوامل الداخلية والإقليمية.

يفيد الكاتب أن توتر الرهانات الخارجية أثمر وفرة في التفسيرات التي اعتبرت الحرب في لبنان انعكاساً لنزاع أو نزاعات إقليمية، وإذا كان من الضروري إجراء تمييز بين ظواهر تتعلق بالدولة أو بالمجتمع اللبناني وظواهر أخرى تجد جذورها خارج الحدود، فهناك ضرورة للاستنتاج أن جزءاً مما هو «غريب» ينتمي فعلاً إلى التطور الداخلي للحرب. ويوضح أن الممارسة السياسية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية والتدخل السوري ابتداءً من 1976 يشكلان في أحوالهما المختلفة عناصر داخلية للحرب مذ بدأت تؤثر بصورة منتظمة في آلياتها. كذلك تندمج الحوادث المتعلقة بالاجتياحين الإسرائيليين في 1978 و1982 في إطار الديناميكية الشاملة للحرب. ولا يشك الكاتب في أن الحالات الثلاث المذكورة أدخلت في سياق عوامل خارجية صرفة لأن الممارسات السورية والإسرائيلية وفي درجة أقل الممارسات الفلسطينية في لبنان، تتكامل مع تطورات أخرى ينبغي تصنيفها في فئة النزاع الإسرائيلي-العربي، أو بالأحرى الاستقطاب الدولي.

يعتبر الكاتب أنه لا يرمي، من خلال التركيز على العوامل الإقليمية والإشكالية الطائفية، إلى إيجاد مكان وسط ولا إلى تثبيت أي شبكة من التفسيرات، فالطابع التخفيفي الذي يتميز به كثير من المفاهيم عن الحرب في لبنان، مرده إلى الرغبة في تطبيق شبكة من التفسيرات العامة والدائمة عليها.

اثر الحقيقة

فضّل قصير أن يقتفي أثر الحقيقة كما هي بدلاً من تخيُّلها، مستعيناً بالقاعدة الماكيافيليّة، من هنا كان تركيزه على اللاعبين أكثر من اهتمامه بالعوامل، لأن اللاعبين هم الذين يقومون بالعمل ويتميزون بالقدرة على تجسيد تبدل الرهانات من خلال تصرف ملموس. عملاً بهذه النظرية، يرى أن التفاعل بين الساحتين الداخلية والخارجية يمكن أن يعطى حق قدره عبر علاقات المواجهة أو التحالف المعقودة على المسرح اللبناني، بين لاعبين دوليين (سوريا وإسرائيل ولبنان أيضاً)، أو لاعبين شبه دوليين (منظمة التحرير الفلسطينية)، ولاعبين ما دون الدولة (الطوائف والميليشيات والأحزاب والزعامات السياسية)، في إطار مكون من اتجاهات إيديولوجية عابرة للبلدان (القوميات العربية والنضال الفلسطيني المسلح ومسألة الأقليات).

يتعين القول أن هؤلاء اللاعبين ليسوا ثابتين لكنهم يتعرضون للتحولات، وإن إدراكهم في الأمكنة التي يتحركون فيها، يتطور أيضاً، إلى درجة أن الموضوع الذي يتعاملون معه، أي لبنان، يتغير بدوره. ومن هذا المنطلق يرى قصير أن هناك نقصاً في الكتابات المتوافرة عن هذا الموضوع، فهي لا تكشف عن سبب تعقيد العوامل الداخلية التي لا يمكن تجاهلها في ديناميكيات المواجهة، لكنه يشيد ببعض المؤلفات الرفيعة المستوى التي عالجت أبعاد الحرب في لبنان. والمدهش هو ضآلة المؤلفات الوثيقة الصلة بالموضوع بين الكتب «الشاملة»، أي الكتب التي تعالج الحرب في لبنان بصورة عامة وقليلة هي الكتب «الشاملة» التي لا تغطي سوى جزء من الحرب في لبنان.

نظرة شاملة

يقول قصير أن الغاية من بحثه هذا هي التطلع إلى أفق متوسط الفترة لتكوين نظرة شاملة عن الحرب في لبنان وتحديد ما يتيح حركتها وسيرورتها والتحدث عنها باعتبارها وحدة لأسباب تتعلق بالحجم والوقت والوضع الراهن.

يتقاطع طموح قصير العلمي هذا، حسب رأيه، مع هاجس آخر على الصعيد المجتمعي يقضي بالحفاظ على الذاكرة، لأن الأمور تنحو بصورة طبيعية إلى النسيان منذ انتهاء الحرب، ليس في وسائل الإعلام الدولية التي التزمت الصمت فور سكوت المدافع فحسب، إنما في لبنان أيضاً حيث لاحظ وجود رغبة مفهومة في تبديد الذكريات المؤلمة عبر سياسات رسمية قصيرة النظر.

back to top