افتتاحية إلى دعاة تعليق الدستور... ترى ما تقطع اليمنى يسراها

نشر في 01-08-2007
آخر تحديث 01-08-2007 | 00:10
كثر الحديث أخيرا عن دعوات من هنا وهناك لحل المجلس وتعليق الدستور بغرض تنقيحه وتعديله... واختلط الداعون إلى حل المجلس بالداعين إلى تعليق الدستور، وكثرت الأحاديث عن اجتماعات تداول فيها أقطاب للأسرة هذا الأمر وبحثوه، وقيل كان للأمر مؤيدون مثلما كان له معارضون، لكن كما يبدو هناك تحالف لا يبغي الخير بين فئتين واحدة دافعها جشع المال، وأخرى دافعها جشع السلطة لا تريدان لهذا البلد الاستقرار. هاتان الفئتان لا تملان من تكرار وإعادة تكرار إشاعات تقول إن النوايا تتجه إلى انقلاب جديد على الدستور، وإن الأمر يبحث ضمن دوائر مغلقة في الداخل، ومع دول الإقليم. هذا التكرار، ومع السوابق التاريخية، يعمل على شق الصف الداخلي، ويدعو إلى تمترس كل من الحاكم والمحكومين في خندقين يزداد عمقهما وتباعدهما، وهو ما لا يحقق مصالح الطرفين ولا البلد، لكنه يحقق مصالح هذا التحالف (جشع المال وجشع السلطة) على أنقاض الحاكم والمحكومين والوطن.

ولأن وتيرة الحديث متصاعدة، ولأنه أصبح يحمل أخبارا منها المؤكد مثلما فيها غير المؤكد والمرجح، أصبح لزاما علينا أن نضع بعض النقاط على الحروف، ونفكر معاً بصوت مرتفع مختلفين في التفاصيل والإجراءات متفقين على ثوابت ومبادئ هي أساس بناء هذا الوطن وديمومته واستمراره حرا شامخاً عادلاً...

إن القول إن الدستور عائق في عملية التنمية والبناء قول جائر، فأين المعوقات التي يضعها الدستور؟ وأين إرادة الحكم أو دعوات الحكومة وخطواتها التنموية التي عرقلها الدستور؟ ونتذكر هنا ونذكّر بما قاله صاحب السمو الأمير في اجتماعه قبل أشهر مع أبنائه من الأسرة الحاكمة «إن العيب ليس في الدستور، بل فيكم»، و«فيكم» تشملنا جميعاً كأبناء الكويت من أسرة الحكم وكل الأسر الكويتية.

الداعون إلى تعديل الدستور مساسا بثوابته، هم الذين تتضرر مصالحهم منه، أما مصالح البلد وطموحات الأمة فلم تتجسد منذ نصف قرن تقريبا إلا في ذروات احترام الدستور والالتزام بمبادئه وثوابته وتفعيله، فكان النمو والازدهار، بينما جاءت فترات الكساد في انحسار العمل به وتعطيله وهذه حقيقة، واهمٌ وجاحدٌ من ينكرها.

الذين يدعون إلى تعليق الدستور هم الذين تفوق طموحاتهم حواجز الواقع، وهم أولئك الذين نجحوا إلى حد ما في لعبة الوثب العالي سياسياً... وهم الذين تعلو مصالحهم على مصلحة الوطن فيدعون إلى انقلاب لا يكترثون بعواقبه ولا تعنيهم تداعياته ولم يتعلموا من آخر دروس التاريخ، في ما سبق الغزو العراقي وما تلاه... وهو أضعف الإيمان.

ليس من عاقل يعترض على الحق الأميري في حل المجلس، فهو أمر نص عليه الدستور وشرّعه بآليات محددة، وليس من عاقل يقول إن الدستور يجب ألا يعدل، لكن ضمن آليات الدستور نفسها ومن خلال وجوده ووجود مجلس الأمة ممثلا للأمة، وليس من خلال تعليقه والتفرد بقرار التنقيح، وأحادية الرأي في التعديل... حالة من التفرد كهذه هي انقلاب على القيم الديموقراطية وإلغاء لقيم الشراكة ورفض للمشاركة.

إن كان هناك من يرى أن البلد يعيش حالات من الاحتقان السياسي، فهذا حقه، وهذا رأيه، نوافقه في بعضه ونختلف معه في بعضه الآخر، لكن الخروج من الاحتقان لا يكون بخلق احتقان أكبر وأخطر، بل يأتي من خلال الدستور نفسه... فلماذا لا نفعّل عطاء الأمة ونرى خياراتها في تجربة الدوائر الخمس؟! ولماذا يصر الداعون الى تعليق الدستور على نكران هذا الحق وإلغائه؟

لسنا متشائمين من الآتي في مستقبلنا السياسي رغم حدة وضراوة الحديث عن التعليق والحل والتنقيح... لسنا كذلك لأن ثقتنا بحكمة قيادتنا مطلقة، وثقتنا تلك غرسها فينا صاحب السمو الأمير من خلال تأكيداته المتكررة على احترام الدستور والالتزام به رغم كل الملاحظات على أداء السلطتين التشريعية والتنفيذية... وتحضرنا هنا قصة رواها سموه لفريق «الجريدة» حين التقاه ونشرت في العدد الأول حيث أورد سموه -حفظه الله- واقعة تسليحه هو وسمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد- طيب الله ثراه- بعد أحداث مجلس 1939 التي ذكر فيها سموه أن والده الشيخ أحمد الجابر- رحمه الله- قال «هذول عيالي... واليمنى ما تقطع يسراها»، مؤكدا وحدة الكويت باللُحمة بين الحكم والشعب، مهما اختلفا وتباينت آراؤهما وتوجهاتهما...

أما الداعون الى تعليق الدستور ووضع عثرات وعقبات أمام المسيرة الديموقراطية... فأولئك هم الداعون إلى أن تقطع اليمنى يسراها غير مكترثين بأن يعيش المجتمع بيد واحدة لأنهم يريدونه مجتمع الرأي الواحد.

تبقى ثقتنا بالحكم وحكمته أصل تفاؤلنا

الجريدة

back to top