الحرب المنسيّة!

نشر في 11-06-2007
آخر تحديث 11-06-2007 | 00:00
 صالح القلاب هناك حرب ضروس تدور رحاها وتحصد أرواح الألوف لكنها بقيت منسية، ولم تجلب انتباه حتى القريبين جغرافياً من مسرحها، والمستغرب أن صنعاء المستهدفة كنظام ونهج سياسي بقيت تكظم غيظها وتسكت على وجع الى أن تجاوز الأمر كل الخطوط الحـُمر، وبات من غير الممكن الاحتمال أكثر، فبادرت إلى خطوة استدعاء سفيريها من طرابلس الغرب وطهران كحركة احتجاجية على الجماهيرية الليبية وإيران.

غير معروف لماذا التقى الإيرانيون والليبيون عند نقطة دعم حركة التمرد «الحوثية» في اليمن؟ فحسابات طهران في هذه المنطقة تختلف عن حسابات طرابلس الغرب، وتحالفات جمهورية الولي الفقيه تختلف عن تحالفات جماهيرية «اللجان في كل مكان»، وإذا كانت الأولى تعتبر الولايات المتحدة استكباراً عالمياً وشيطاناً أكبر، فإن الثانية غيرت مواقفها السابقة، وباتت تعتبر هذا الاستكبار العالمي وهذا الشيطان الأكبر صديقاً لا أعز منه، ورحماناً رحيماً، وحليفاً لا ضير في عودة شركاته العاملة في مجالات النفط.

بقيت صنعاء تصف حركة «الحوثي» بأنها حركة شيعية أو متشيّعة، وأنها محصورة ومحاصرة في مكان واحد، وأن القضاء عليها والتخلص منها مسألة وقت فقط، لكن ثبت أن هذه الحركة أخطر من كل ما قيل عنها، وأنها باتت لا تقلق النظام اليمني فقط، وإنما تؤرق ليله وتُلحقُ حتى بقواته المسلحة خسائر كبيرة وفادحة وتسيطر على أجزاء قد تبدو صغيرة بالنسبة لمساحة اليمن وحجمه، لكنها في حقيقة الأمر أجزاء استراتيجية وفي غاية الأهمية.

لقد كان واضحاً ومنذ البداية أن حركة «الحوثي» ليست مجرد حركة تذمر أو تمرد محدود داخلية، ولقد كان واضحا أن اختراقات فيلق القدس، التابع لـ «حراس الثورة الإيرانية»، الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني، قد وصلت الى اليمن، وأن رأس الجسر المذهبي الذي أُقيم هناك قد اعتمد على بعض أقارب عائلة حميد الدين، الذين جرى تحويلهم من المذهب الزيدي السمح والمتسامح، الذي كان نتيجة تلاقي أفكار الإمام الخامس محمد الباقر مع أفكار الإمام «أبو حنيفة النعمان»، إلى المذهب الجعفري الإثني عشري، الذي هو مذهب جمهورية إيران الإسلامية بنص دستوري.

لم يعرف اليمن على الإطلاق، وفي أي يوم من الأيام، الصراعات المذهبية، فهناك تعايش يعتبر مثالاً يحتذى بين المذهب الزيدي في معظم مناطق الشمال، وهو مذهب القبيلتين اليمنيتين التاريخيتين «حاشد» و«بكيل»، والمذهب السني – الشافعي في معظم مناطق الجنوب (تعز والحديدة ولحج وعدن وحضرموت). لذلك فإن خلق هذه البؤرة المتوترة سيُقحم هذا الوطن السعيد في مشاحنات طائفية، هي غريبة عنه، وهو لم يعرفها حتى إبان حكم الإسماعيليين وفي عهد أروى الصليحية، وبالمقدار ذاته فإنه سيخلق جرحاً راعفاً آخر في الخاصرة الجنوبية للجزيرة العربية، بالإضافة الى جرحها العراقي الذي يهدد هذه المنطقة كلها.

ولهذا، إذا كانت صنعاء قد تحمَّلت الوجع كل هذه الفترة الطويلة ولم تجأر بالشكوى ولم تقل «آخ» إلا بعد أن وصلت السكين الى العظم، فإنه على دول هذه المنطقة التي تخشى التمدد القومي الإيراني المتدثر بالمذهب الجعفري الإثني عشري الكريم، أن تعلن حالة الاستنفار وأن تبحث عن أسباب التقاء لجان الجماهيرية الليبية بحراس ثورة الولي الفقيه في جبال اليمن .. وفي هذه الفترة بالذات!

 

كاتب وسياسي اردني

back to top