الوجه الآخر لتشارلي براون
أدخلت قصصه المصوّرة البهجة إلى قلوب الملايين. لكنّ كتاباً جديداً مثيراً للجدال عن سيرة حياته يزعم أن تشارلز شولز كان رجلاً مكتئباً يواجه مشكلة مع عواطفه.
لو كان تشارلز شولز، مؤلف سلسلة «بيناتس» Peanuts الذي منحنا شخصيتي تشارلي براون وسنوبي، حياً يرزق اليوم لكان مزاجه عكراً على الأرجح. ستصدر سيرته الذاتية قريباً وبالكاد تتضمن مديحاً له. الواضح أن مزاجه العكر كان حالته الطبيعية. يبقى أن شولز يصنع الفن من إحساسه بالغضب وعلى الأرجح أن الكتاب دفعه إلى ذروة الابداع.لن يفيدنا التكهن حول رد فعل شولز حول هذا الكتاب فقد انتقل الاخير الى رحمة الله تعالى عام 2000 عن سبعة وسبعين عاماً بعد إصابته بسرطان القولون. إلا أن رد فعل عائلته كان مدوياً بلا شك. يبدو أن السيرة الذاتية «شولز وبيناتس» بقلم ديفيد ميكايلس والتي صدرت عن دار هاري وكولينز في الولايات المتحدة فاجأت العائلة كثيراً. «إنه أمر مناف للعقل» وغير صحيح»، هذا ما قاله مونتي، أحد أبناء الغائب الخمسة، فضلاً عن شعور زوجتيه بالإهانة. لكان الأمر مختلفاً لو ظهر ميكايلس على نحو غير متوقع وأعرب عن تقديره لشولز من دون أن يطلب أحد إليه ذلك. لكن ليس هذا ما حصل.فقد نال ميكايلس موافقة العائلة التي وثقت به بعد وضعه السيرة الذاتية للرسام الأميركي أن سي وايث. كان شولز قرأها بنفسه قبيل وفاته وأعجبته مثلما أعجبت مونتي نفسه. بدا الرجل المناسب لإحياء ذكرى إنجازات فنان ما زال من المشاهير الذين يسجلون أعلى نسبة إيرادات في عصرنا حتى بعد وفاتهم. ربما تكون العائلة الأولى التي منحت موافقتها لكاتب السيرة لتكتشف لاحقاً أن تقويم شخص دخيل لفرد من العائلة بالكاد يصادف تقويمها الخاص. ولكنّهم كانوا مدركين على الأرجح للوجهة التي كان سيتخذها الكتاب. لا يخفى على أحد أن شخوص سلسلة بيناتس مقتبسة عن أشخاص حقيقيين مروا في حياة شولز. لعلّ الإحباطات وخيبات الأمل التي تشعر بها شخصيته الأساسية تشارلي براون غير المحبوب والعاجز عن ركل الكرة تعبر عن مكنوناته.ميكايلس الذي استعدّ كما يجب للدفاع عن نفسه روّج لموقفه في مجلة TIME، متحدثا باسهاب عن شولز بعد وفاته بفترة وجيزة. وفي تلك المقابلة وضع الأسس التي اوسعت لاحقاً لتصحح كتاباً: استمد شولز عبقريته من عدم رضاه من الحياة وغضبه إزائها. شولز نفسه اعترف بالاسى الذي يشعر به في برنامج «60 دقيقة» على قناة «سي بي اس» عام 1999 حين قال:«ينتابني شعور رهيب بهلاك وشيك. أستيقظ في جو ملؤه الحزن». وليدعم نظريته، لم يتوان ميكايلس عن وصف شولز برجلٍ مكتئب على الدوام حرم أولاده وزوجتيه من الحب. كان يمتنع عن التعبير عن الحب، فيما كان يبحث عنه في مكان آخر في الوقت عينه. أدت به تلك المشكلة إلى الانفصال عن زوجته الأولى وأم أولاده جويس دوتي عام 1917 بعدما عاش معها طوال عشرين سنة ليطارد أخريات. خلال شهر العسل مع زوجته الأولى قال لها: «لا أعتقد أنني أستطيع أن أكون سعيداً أبداً».لكن ميكايلس أنجز مهمته على أكمل وجه. درس كلاًّ من الـ18000 قصة مصورة التي ألفها شولز. حتى العام المقبل يكون مضى 60 عاماً على صدور القصة الأولى. ولهذه المناسبة بالذات يصدر ميكايليس كتابه وعرض برنامج وثائقي عنه على شبكة «بي بي إس» PBS في الولايات المتحدة. بالنسبة إلى ميكايلس، تعتبر كل قصة قطعة أخرى في أحجية هوية شولز الفعلية وفي هذا السياق يعرض في الكتاب أمثلة باعتبارها دليلاً يعزز أقواله. بفضل العائلة، حصل ميكايلس على فرصة أكبر للتوغل إلى أعماق شولز. سبب ذلك أن أبواب العائلة لم تُفتح لأفرادها فحسب بل لجميع الذين عرفوا شولز، الملقب بـ{سباركي»، وبينهم المرأة الموجودة في الواقع والتي أصبحت الصهباء الصغيرة في سلسلة بينتس التي لم تلتفت يوماً مرتين إلى تشارلي براون المحروم من الحب. إنها دونا ماي جونسون التي أغرم بها شولز في الأربعينات ثم تزوجت برجل آخر. لا بد من الإشارة إلى أن خيبة الأمل التي شعرت بها العائلة حيال ما انتهى إليه الكتاب لم تفاجئ كثيراً ميكايلس المقيم في الولايات المتحدة. قال لصحيفة «نيويورك تايمز»: «في نظر أولادهم، الآباء هم دائماً أبطال، ونادرة العائلات التي تستطيع تجاوز فكرة رب البيت والنظر إلى ما يكمن وراءها داخل المرء». أضاف: «إنها الصورة التي أرسمها في كتابي عن هذا الرجل. هل نقلتها كما ينبغي؟ بالتأكيد، لا شك في ذلك». في تلك الأثناء صرح أمام صحيفة «نيوز ويك»: «من الناحية التاريخية كان الوقت حان كي لا يكتفي الناس بالصورة التي يرسمونها عن تشارلز شولز من خلال سلسلة بينتس وليكتشفوا هويته الفعلية». سيرةتبدأ هذه القصة في مينيسوتا حيث ولد شولز عام 1922 من والد ألماني يعمل حلاقاً وأم نروجية. توصف عائلته بأنها مثال العائلة المحافظة في الغرب الأوسط. كان يكره المدرسة صغيراً وأعرب عن رفضه لها بشكل بارز. قدم شولز الذي صادف أنه كان درج على الرسم في تلك الفترة قصة بغية نشرها في مجلة المدرسة السنوية. لكن المحررين رفضوها من دون تقديم أي تفسير. بيد أن أكثر ما أثر فيه وفاة والدته إثر إصابتها بالسرطان وكان مراهقاً، قبل أسبوع واحد من رحيله مع الجيش في 1943 للتدرب في ولاية كنتاكي ثم القتال في ألمانيا. ولدى عودته إلى الولايات المتحدة حصل على عمل في شركة نشر صغيرة حيث كانت دونا ماي تعمل أيضاً. وبسبب انزعاجه من ندرة احتمالات التقدم المتاحة أمامه، أرسل نماذج عن قصصه التي أحياها من خلال الأولاد وأسماها سلسلة «Sparky’s L’il Folks» إلى ناشري الصحف والمجلات. وفي 1948 نشرت مجلة Saturday Evening Post إحداها. وبعد سنتين حالفه الحظ بتوقيع عقد مع نقابة United Feature Syndicate، لكنه عاد ليعاكسه حين أقنعته النقابة باختيار اسم جديد لسلسلة بينتس. قساةظهرت كل من زوجته الأولى جويس بشخصية لوسي والثانية جان بشخصية سالي. قال ميكايلس: «كان فناناً معقداً يملك حياةً داخلية وترجم تلك الحياة في صفحات. دفعته هواجسه ومخاوفه إلى خلق لوسي وشخوص سلسلسة Peanuts. يسكن هذه القصة الأطفال فهم بحسب شولتز قساة. لكي يلقى كتابه النجاح كان على ميكايلس شرح جاذبية القصة المصورة التي لا جدال فيها والتي دفعته نحو نجاح باهر كهذا. ذلك الأمر أيضاً، على ما ورد في الكتاب، يتعلق بكون شخوص القصة من الأطفال وبالطريقة التي يلخصون بها تجربة الراشدين بمغامراتهم وخيبات آمالهم. يضيف: «من المفترض ألا يشعر الأطفال بعدم الرضى فحين يكونون غير سعداء يحتجون ثم يتقدمون إلى مرحلة أخرى. منح شولز هؤلاء الأطفال أحاسيس أبدية بعدم الرضى الذي ولد سن الرشد من رحمه». لا يتوقف ميكايلس عند وصف إعجابه بتشالتز فناناً ورب أسرة. «ثمة جانب يعجبني في سباركي بل أحبه. أحب الصبي الذي قرر أن يصبح مؤلف قصص مصورة ووصل إلى مبتغاه. إنه كشخصية غاتسبي في إدراكه القدرة الخارقة في نفسه، أي أنه محاط بالأمور العادية لكنه يرى في نفسه بريق العظمة هذا ويأبى الخضوع. علاوةً على ذلك، كان ينهض الرجل صباحاً ويفني نفسه في العمل. أنجز عملاً رائعاً من خلال إدراك دوره في العالم والالتزام به». تعتقد آيمي شولز جونسون، إحدى بناته، أن أملها وآمال اشقائها بميكايلس قد خابت. قالت: «إن الأمر برمته خاطئ. برأيي، أراد دايفيد أن يؤلف كتاباً بطريقة معينة، لذا استخدم عائلتنا. كنا نشعر جميعاً بالحماسة لظننا أننا سنتمكن من قول أشياء عن والدنا» (في النهاية، نادراً ما يسمع صوت الأطفال في الكتاب). كانت الزوجة الأولى جويس تحتفظ لنفسها ببعض التعليقات إلا أنها مستاءة من الكتاب. أما جان الزوجة الثانية فتحدثت بصراحة: «إنه ليس وصفاً كاملاً. سباركي كان أكثر من ذلك. كان يحب الضحك غالباً. أما الجزء الذي يربك الناس فهو حديثه عن الشعور الجسدي الفعلي الذي انتابه نتيجة كونه قلقاً وهو شعور الخوف حين يستيقظ صباحاً. لكنه كان ينظر إلى الحياة وتقلباتها بمنظار البودية». وأضافت: «أظن من المثير للاهتمام الحديث عن حزن سباركي وفشله في زواجه الأول أكثر منه عن سعادته خلال 25 عاماً. على كل فنان أن يعتنق وجهة نظر ولكن إن كان دايفد سيقول إن سباركي رجل لئيم، عندئذ يجب التراجع عن هذا القول».