اللهم زدهم شعراً رديئاً

نشر في 09-08-2007
آخر تحديث 09-08-2007 | 00:00
No Image Caption
 مسفر الدوسري أمر مؤسف ابتعاد بعض الشعراء الجميلين عن الإعلام أو قلة حماسهم في التواصل معه، شعراء لهم قيمتهم «وقامتهم» الشعرية انسحبوا من الساحة بهدوء وصمت، تاركين الفرصة للتصحّر في التمدد والزحف ليلتهم ما غُرس من شجر أخضر وارف في حنايا القلب، وفي رقعة الشعر.

غيوم ملونة تركت مقاعدها ليجلس عليها الغبار يمارس بهلوانيته السمجة،

ونجوم لطالما أبهرنا جمال ضوئها، أغلقت نوافذها لتضيء بدلا منها العتمة!

تسيّد الرماد واجهة المسرح بعد أن توارى كثير من الجمر خلف الكواليس.

عندما تسأل هؤلاء الشعراء الجميلين عن سبب عزوفهم الإعلامي و«سَدّة النفْس أو النَفَس» هذه، تجد إجابة واحدة على ألسنتهم: «لم يعد الأمر مغرياً»!

وهذه الإجابة لا تُبطل العجب، بل على العكس تماما إنها تزيد من علامات التعجب(!!) وتناسل الأسئلة.

إذ ما الذي لم يعد مغريا في نظرهم، الشهرة، أم جمهورهم، أم الإعلام، أم ساحة الشعر، أم ماذا؟!

إذا كانت الشهرة فإن الشهرة حق للمبدع، وليس من حق أحد أن يصادر منه هذا الحق أو يستكثره عليه، ولكن للشهرة فاتورة واجبة التسديد والتزامات لابد من الإيفاء بها، من ضمنها الإبقاء على شعرة معاوية بين المبدع وجمهوره، والإعلام (مهما كانت وجهة نظرنا تجاهه) هو الضمان لبقاء هذه الشعرة.

وإذا كان المقصود بالحديث هو ساحة الشعر... وأنها لم تعد مغرية بسبب كثرة الغث بالنسبة لهؤلاء المبدعين، فإننا نقول إن هذه الحالة طبيعية جدا، وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض وماعليها، فالإبداع حالة تميّز مقارنة بما ينتج في زمنها (وربما في أزمان أخرى)، وبغير ذلك يصعب الحكم عليها، بل إنه من محاسن السنن الكونية (وليس الصُدف)، أنه كلما زادت كمية العادي والسيئ، ازدادت قيمة وأهمية الجميل والمتميز، هذا ما يقوله على الأقل قانون الندرة، لذا أعتقد أنه على المبدع أن يدعو الله صبحا ومساءً أن يخسف بإنتاج السيئين أكثر وأكثر، مع زيادة ماينتجون! كما اعتقد أن على المبدع أن يفرح كلما وُلد شاعر رديء، وأن يقيم احتفالا كبيراً يدعى إليه أكبر عدد من الناس، تُقدّم فيه الولائم، وتُدق الطبول، وتُصفّ الميكروفونات فيه أمام هذا المولود ليصدح بصوته النكره بشرط أن يصغي له الجميع جيدا، أن هذا من شأنه أن يُعلي قيمة الأصوات الجميلة كما ذكرت، والحقيقة أنني حينما أرى بعض المهرجانات الشعرية أو الأمسيات، أحدث نفسي قائلاً لعل القائمين على ذلك يفكّرون مثلما أفكّر، وأن القصد الحقيقي من أقامة تلك الأمسيات هو إشهار القبح لنا لنعي قيمة الجمال!

وأعود الى عبارة «لم يعد الأمر مغرياً» التي يرددها مقاطعو الساحة من الشعراء المبدعين، وأقول أن هذه العبارة لا ترضي عطش السؤال عن سبب ابتعاد الشعراء المميزين، ونحن إذ نتمنى عودتهم ومشاركتهم ليس لأن الساحة تخلو من المبدعين، فلازال الشعر كريما بهداياه ورائعا بعطاياه لنا، إلا أن لكل مبدع عطره الخاص، وعالمه المدهش الذي لا يلغيه عالم أي مبدع آخر أو يكون بديلا عنه، وهذا هو أصلا سر الإبداع وجوهره، فنحن بحاجة ماسة لكل قطرة ماء في هذه الصحراء التي تكاد تبتلعنا، وكل نفحة عطر، وكل بارقة ضوء لا لنلغي الظلام ولكن ليبقى النور.

back to top