مذكرات معلم الكرة المصرية الحلقة الثانية 2/5 حسن شحاتة من الرصيف إلى عرش إفريقيا جُنِّدت في القوات المسلحة الكويتية حتى أتمكن من اللعب لمنتخب الكويت العسكري
بعد انضمام حسن شحاتة إلى الزمالك وإثبات نفسه على الرغم من صغر سنه جاء قرار إيقاف النشاط الرياضي، إثر نكسة 1967، دافعاً له إلى التحدي في مكان جديد وهو الكويت وتحديداً في نادي كاظمة الذي دافع عن ألوانه ست سنوات، كما مثّل منتخب الكويت العسكري، وتلك كانت إحدى أهم نقاط التحول في حياة معلم الكرة المصرية، الذي حاز على لقب أفضل لاعب في آسيا بعد أن مثّل العربي في نهائيات رابطة دوري أبطال آسيا.
فور انضمام شحاتة إلى نادي الزمالك لعب في صفوف الفريق الأول، ليجد نفسه - وهو الناشئ - يقف وسط جيل الكبار وينجح في إثبات نفسه ومكانته، مما يؤهله للسفر إلى الكويت والتعاقد مع نادي كاظمة، ويستمر فيه ست سنوات لعب خلالها لمنتخب الكويت الوطني، وكانت أسعد أيام حياته, حسب ما يقول, ونقطة تحول في تاريخه. وفي هذه الحلقة، يتحدث شحاتة عن فترة وجوده في الكويت وخوضه مباريات مهمة في حياته، وحصوله على لقب أفضل لاعب في قارة آسيا.عام الحزنيقول شحاتة: انضممت إلى صفوف نادي الزمالك لكي ألعب في صفوف الفريق الأول، ولم يتم تنفيذ الاتفاق السابق مع المرحوم محمد حسن حلمي «زامورا»، بأن انضم إلى قطاع الناشئين، لأقف وسط جيل الكبار، وعاصرت طوال فترة وجودي في القلعة البيضاء ثلاثة أجيال من العمالقة الذين صنعوا تاريخ نادي الزمالك، ما بين جيل الكبار حمادة إمام ونبيل نصير وعمر النور وسمير محمد علي والجوهري الكبير، وجيل الوسط حلمي طولان وفاروق جعفر وعادل المأمور وأحمد رفعت، ثم الجيل الأخير الذي لعب فيه نصر إبراهيم وسعيد الجدي، ولم ألعب مع نجوم الزمالك الكبار إلا لمدة موسم واحد فقط في عام 1966، وانضممت إلى صفوف منتخب مصر الوطني حتى اندلعت حرب يونيو 1967، ليصدر قرار نهائي بإيقاف نشاط كرة القدم. ويعتبر عام 1967 عام الحزن في حياتي، حيث إن شقيقي إبراهيم الذي يكبرني بعام واحد، كان مجنداً ضمن قوات الجيش المصري في سيناء، واختفى فجأة من الوجود تماماً، ولم يستطع رجال القوات المسلحة أن يعرفوا هل مازال حياً أو ميتاً أو أسيرا عند العدو الإسرائيلي، رغم أن زملاءه في سيناء أثناء الحرب جاؤوا إلى منزلنا في كفر الدوار وأخبرونا أنهم شاهدوه في المعركة في سيناء، ولعل عدم عودته يدل على أنه مفقود مع جميع المفقودين غير المعروف مكانهم حتى وقتنا هذا، وشقيقي إبراهيم كان يلعب ضمن صفوف النادي الأهلي في قطاع الناشئين، ولم يتم تصعيده إلى صفوف الفريق الأول لظروف تأديته الخدمة العسكرية، حتى اندلعت الحرب، وكان يفوقني في المهارة الفنية والبدنية، وكنت بالنسبة إليه مجرد «عيّل صغير» في كرة القدم، ولو كان قدر له الله - سبحانه وتعالى - الحياة والاستمرار في مجال الكرة، لأصبح ذا شأن كبير في كرة القدم المصرية، وأذكر عندما كنا ندخل في تحد في المهارة، خصوصاً في الترقيص وتنطيط الكرة، كان يكسب الرهان.الانتقال إلى كاظمةمع قرار إيقاف نشاط الكرة في مصر لظروف النكسة، والحزن يخيم على الجميع، حيث كنت أشعر بمرارة شديدة، وكدت أغرق في طوفان اليأس، لكن روح التحدي في داخلي جعلتني آمل خيراً في المستقبل، الذي سرعان ما دق نوره أبوابي، متمثلا بحضور وفد كويتي من أعضاء مجلس إدارة نادي كاظمة مكون من فيصل السعدون وعبد الله الشيخ، وفوجئت بهما يتحدثان عني ويطلبان من محمد حسن زامورا التعاقد معي على سبيل الإعارة، بناء على رغبة رئيس النادي في تلك الفترة يوسف عبد الله شاهين القائم، الذي كان له دور كبير في إتمام التعاقد مع مسؤولي الزمالك، وحينها شعرت أن أبواب الأمل قد فتحت أمامي من جديد، وتملّكني شعور بأنني على أعتاب مرحلة جديدة تحمل لي خيراً، وأتذكر في هذا التوقيت الموقف العظيم الذي قام به المرحوم محمد حسن حلمي «زمورا» معي، عندما جاءني العرض الكويتي، فقد سمح لي بالسفر إلى نادي كاظمة، حتى أتمكن من تأمين مستقبلي بالشكل اللائق من الناحية المادية، إلى جانب ضرورة الحفاظ على مستواي الفني والبدني في حال استمرار إيقاف نشاط الكرة إلى أجل غير مسمى، وقد نصحني - حينئذ - بعدم التهاون مع الكرة، وقال «إن أقدمت على خيانة مبادئك الكروية فستهجرك الموهبة إلى الأبد»، وقد وضعت هذه المقولة القيّمة في تفكيري دائماً، فواظبت على التمارين والاجتهاد في الملعب والإخلاص للكرة، حتى شهد الجميع بجدارتي، وحصلت على الثقة التامة من جانب المسؤولين في نادي كاظمة، خاصة عبد الله الشيخ والسعدون ورئيس النادي، الذين ذلّلوا أمامي كل المشاكل والعقبات، وأحاطوني برعاية تامة، فمنذ وصولي إلى الكويت أقمت في حي السالمية، ذلك الحي الهادئ الذي ارتبطت فيه بصداقات جميلة سواء مع جيراني أو أصدقائي من اللاعبين.وكنت أعيش في إحدى البنايات وسط حي السالمية، أدير شؤون حياتي وحدي، فقد كنت أقوم بأعمال الطبخ والغسيل وكي الملابس وكل الأعمال المنزلية بيدي، حتى أصبحت طباخاً ماهراً، وكنت أقوم «بعزومة» أصدقائي اللاعبين من كاظمة كثيراً، الذين أعجبوا بطعامي، وذات مرة حدث أن زارني اللاعب حسين محمد، وكنت في ذاك اليوم على عجلة من أمري ولم أعدّ بعد طعام الغداء، وفوجئت به يطلب تناول الغداء معي، ولم أستطع رفض طلبه وقمت بإعداد طبقي «مكرونة» بسرعة فجاءت «معجنة»، فقال لي حسين محمد «كنت بتخدعنا طوال الفترة الماضية وتجلب أحداً يقوم بالطبخ بدلاً منك في غيابنا»، ولم يقتنع أنني أقوم بذلك، حتى قمت بإعداد الغداء له في يوم آخر أمامه. نجاحي رسّخ علاقتي بكاظمةالعلاقة مع لاعبي نادي كاظمة ترسخت أكثر داخل الملعب، فقد نجحت في أن يكون لي دور إيجابي مع زملائي في الفريق، وفي تلك الفترة ذاع صيتي في الكويت، لاسيما بعدما تحقق الإنجاز الكبير مع نادي كاظمة العريق، الذي أعتبره بمنزلة نقطة التحول في تاريخي، حيث إن الإنجاز جاء بالصعود من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية ثم إلى دوري الدرجة الأولى في ثلاثة مواسم متتالية، مما يعد إنجازاً بجميع المقاييس، وبدأت الأسئلة تثار عن ذلك اللاعب المصري الذي يقود فريق كاظمة نحو تحقيق الانتصارات، مما أدى إلى سعي المسؤولين فى نادي العربي الكويتي إلى الاستعانة بي، خاصة أنه وقتها كان مقبلاً على الأدوار النهائية في نهائيات رابطة دوري أبطال آسيا، وبالفعل تم الاتفاق مع مسؤولي كاظمة على أن اشترك مع العربي خلال هذه البطولة، وحصلت خلالها على لقب أفضل لاعب، وكان هذا اللقب الأول في حياتي، وكنت وقتها صغير السن لم أتجاوز الـ 23 عاماً، وخبرتي في الحياة والتعامل ضعيفة للغاية، وبسبب تألقي وأهدافي أصبحت بين يوم وليلة حديث الجميع في الكويت. وإبان ذلك حدث أن منتخب الكويت العسكري كان يستعد لخوض مباريات نهائيات كأس العالم العسكرية، وتحدث معي المسؤولون في نادي كاظمة عن إمكان مشاركتي، فأبديت ترحيباً، وقالوا إنهم سيحققون المسألة، وعادوا بعد ذلك وعرضوا عليَّ التجنيد في القوات المسلحة الكويتية، حتى يتسنى لي المشاركة مع المنتخب، فوافقت على الفور وقلت لهم إنني أشعر أنني هنا في خدمة بلادي، وبالفعل تم تجنيدي.وقبلت أن يتم تجنيدي في القوات المسلحة بالكويت، حتى أستطيع المشاركة مع منتخب الكويت العسكري في مباريات نهائيات كأس العالم العسكرية التي أقيمت في بانكوك عاصمة تايلاند، ولم أشعر بالحزن أبداً لأنني أرتدي «فانلة» منتخب الكويت، بل بالعكس كنت سعيداً جداً بأنني ألعب باسم دولة عربية شقيقة أعتبرها كما قلت بلدي الثاني.اختياري للمنتخب المصريبعد انتهاء بطولة بانكوك، تلقيت دعوة من القاهرة للمشاركة مع المنتخب الوطني المصري أمام منتخب ليبيا، في أول مباراة دولية لي مع منتخب بلادي، وطلبت من المسؤولين في كاظمة السماح لي باللعب في القاهرة، فلم يتأخروا ووافقوا على الفور، وبالفعل حضرت خصيصاً من الكويت إلى القاهرة، ولعبت المباراة كاملة، ونجحت في أن أصنع الهدف الوحيد في المباراة الذي أحرزه نجم نادي المحلة هاني خليل، وكان ذلك في عام 1969، وعدت بعد ذلك إلى الكويت وكان قد تقرر ضمي إلى صفوف منتخب الكويت الوطني في عام 1969، وبصراحة شديدة لعبت لمدة ست سنوات في الدوري الكويتي لم أشعر فيها بالغربة، وأحسست أنني أجلس بين أفراد أسرتي، ومرت السنوات الست في لمح البصر، وقد تخلل هذه الفترة قرار باستئناف نشاط الكرة في مصر عام 1971، فقررت العودة، وبالفعل عدت لمدة شهر واحد بسبب أحداث مباراة الأهلي والزمالك، وحال الشغب الجماهيري التي تسبب فيها مروان كنفاني حارس مرمى النادي الأهلي، وتلك الواقعة أتذكرها تماماً، حيث إن حكم المباراة احتسب ضربة جزاء صحيحة لمصلحة نادي الزمالك بعدما تعمد مروان كنفاني - وهو فلسطيني الجنسية - التعدي بالضرب على «خليل» مهاجم الزمالك من وراء ظهر الحكم الذي رآه وقرر إنذاره، وتصدى فاروق جعفر لضربة الجزاء وأحرز منها هدف المباراة الوحيد، الذي بسببه اعترض مروان على عدم صحة ضربة الجزاء، وقام بقذف الكرة إلى المدرجات لتكون شرارة الشغب الجماهيري الأولى، وبعدها مباشرة عدت إلى الكويت مرة أخرى لأشارك في مباريات الدوري الكويتي، واستمرت الحال، حتى قررت أن أعود مرة أخرى إلى القاهرة وتصادف أن ذهابي إلى الكويت وعودتي إلى مصر كانا خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لأرض سيناء، حتى أننى عدت إلى القاهرة قبل اندلاع حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 بـ 24 ساعة فقط، ولا أستطيع أن أصف حجم السعادة التي شعرت بها عندما علمت بنبأ حرب أكتوبر وعبور الجيش المصري قناة السويس وقهر المانع الترابي الذي يسمى «خط بارليف» الذي لا يقهر، لكن حلاوة النصر لم تنسِني الحزن الشديد ومرارته على فقدان شقيقي إبراهيم، وعدت مرة أخرى لكي أرتدي فانلة الزمالك «البيضاء ذات الخطين الحمر» التي أعشقها.نبذة- انتقل إلى نادي كاظمة الكويتي وعاش ست سنوات في الكويت، حيث مكث في حي السالمية.- حصل على لقب أفضل لاعب في آسيا عام 1970، ولعب للمنتخبين الوطني والعسكري في الكويت.- أقرب الأصدقاء إليه في الكويت - كما قال في أكثر من مناسبة - اللاعبون حسين محمد وعادل أحمد ومحمد عبدالنبي والمجيد حارس المرمى في كاظمة، وفيصل الدخيل لاعب القادسية الكويتي.- يعتبر فترة اللعب في كاظمة الكويتي من أفضل مراحل حياته، ونقطة التحول في بقائه داخل المستطيل الأخضر لممارسة كرة القدم.