جمهور بـ فلوس !

نشر في 13-04-2008
آخر تحديث 13-04-2008 | 00:00
No Image Caption
 سليمان الفليح ذات مرة كانت إحدى المذيعات الجميلات تجري معي حوارا تلفزيونيا لإحدى المحطات التجارية، وكنت أحدثها عن تجربتي الشعرية والحياتية، ثم طلبت مني أن أقرأ قصيدة أمام الجمهور، الذي ملأ مدرجات الاستوديو، وبالفعل شرعت في قراءة القصيدة حتى إذا ما انتهيت منها صاح المخرج بالمذيعة والمصورين: «استوب»، ثم توجه إلى جمهور الصالة وأخذ يوبخه بأقذع الألفاظ النابية، ولعل أخفها: «يا حمير، يا كلاب - أجلّكم الله - لماذا لم تصفقوا للشاعر؟!»، ثم طلب من المذيعة أن تعيد الطلب مرة أخرى، ما يعني أنني سأقرأ القصيدة مرة أخرى، وبالطبع أصيب الشاعر الذي هو أنا بالدهشة والذهول لهذا السلوك السوقي الذي «يتحلى» به المخرج العظيم! وهنا صرخت بأعلى صوتي: «استوب»، ثم حملت أوراقي وقلت للمذيعة: «لا يشرفني أن أتعامل مع مخرج سوقي لا يحترم الناس ولا الجمهور»، وهنا اقترب مني معد البرنامج محاولا أن يثنيني عن عدم الخروج قائلا لي: «لا تغضب يا أستاذ فهذا الجمهور الذي تراه هو (حَوَش ولمم)، قد دفعنا لكل (مصفق) منهم ما يعادل (200) ريال، فقط لممارسة مهمة التصفيق؛ لذلك من حق المخرج أن يجعلهم يصفقون إلى الصباح ما داموا قد رضوا بهذا الثمن».

***

حينها تذكرت مسرحية للصديق الراحل نجيب سرور بعنوان: «منين أجيب ناس؟»، ورحت أتساءل وأنا أستعيد حال أمسيات الشعر الفصيح بالذات، وما يرافقها من «قلة جمهور»، وتوصلت إلى حقيقة مُرّة، ألا وهي أن كثافة الجمهور لأي فعالية تحتاج إلى علاقات خاصة بين الجهة المضيفة وجمهورها أولا، ثم ان عليها التركيز على حملة إعلانية مكثفة لاجتذاب الجمهور، ويجب على هذه الحملة أن تشمل كل أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، بل وحتى الملصقات بالشوارع لاستحضار جمهور يليق بالمناسبة، وهذا ما لا تفعله كل الجهات الثقافية المعنية بالنشاطات الجادّة، أما في ما يخص العلاقات الخاصة فإنني أتذكر أن أحد الكتاب المشاهير أغرتْه جماهيريته الهائلة، واعتقدَ أن الجمهور سيجري وراءه أينما ذهب، وأن «المنة» على الجمهور؛ لذلك لا داعي للتنازل لإقامة علاقة مباشرة مع هذا الجمهور الذي يشكل شريحة كبيرة من المجتمع، بل إن هذا الكاتب كان «يتعالى» حتى على «المقربين منه»، وكان أن أصبح هذا الكاتب ثريا وبقدر ما هم بحاجة إليه، ظل منقطعا حتى عن الأصدقاء، وذات يوم أعلن في الصحف أنه قرر الزواج، وأن زواجه السعيد سيكون في اليوم الفلاني، وتوقع بالطبع أن المجتمع كله سوف يتزاحم على باب صالة العرس، ولم لا؟ فهو الكاتب المشهور والمليونير المذكور، فلم لا يكون ذلك؟ ولكن الصفعة الهائلة والمدوية أنه حينما «كشخ» بـ«بشت» العريس و«السمت» لاستقبال المدعوين لم يأتِ إليه إلا أهله وأقاربه فقط، ساعتها وكما سمعت لعن «أبو الغرور»، وداس على الكبرياء الكاذبة بالحذاء وقال: «والله لو أنني كنت أعرف أن (عرسي) سيكون بهذا الشكل، وأن الجمهور يُشترى بالفلوس، لدفعت كل ما أملك من أجل أن أملأ هذه الصالة بالجمهور».

***

وبالطبع محبة الناس لا تُشترى بالنقود، وشهرة بلا علاقات إنسانية حميمة وتواصلٍ دائم مع الناس ما هي إلا فقاعة تنفجر لدى أول هَبّة من هواء، وهكذا يجب أن تكون العلاقة وطيدة بين أي جهة ثقافية وجمهورها، أو على كل شاعر أن يفعل مثلما فعل مخرجنا العتيد «إياه»، أي: انه «يتقاول» مع 100 شخص على الأقل، ويدفع لهم مثلما دفع مخرجنا، ويهيئ لهم «باص» خاصا لنقلهم إلى أي فعالية يقيمها، وتكون مهمتهم فقط الهتاف له والتصفيق!

back to top