افتتاحية عمّن رُفع الغطاء؟
من السذاجة بمكان تجاهل الإشارات والمواقف التي أطلقها جاسم الخرافي على «العربية»؛ فموقع رئيس مجلس الأمة وخبرته ببواطن الأمور تجعل ما قاله واجب التفسير، ودافعاً إلى التفكير والتحليل.
عبّر الخرافي بوضوح عن عدم رضاه عن رئيس الحكومة. وقال بالفم الملآن انه لم يُستشر في تشكيلها، وانها يجب أن تتحمل المسؤولية قبل مجلس الأمة، وكأن سياق التأزيم وصل الى الذروة أو أنه حقق مبتغاه، إذ قطع الخرافي بالأزمة المستحكمة بين السلطتين شوطاً حاسما إلى الأمام، واضعا إياها أمام خيارات يصعب ألا يكون الخرافي عالما بمآلها، أو أن يكون بعيدا عن التحضير لها.بإعلان الخرافي أن الوضع القائم غير صالح للاستمرار يختتم الهجوم الذي تعرضت له حكومات ناصر المحمد، التي أدت الى سلسلة من الاستجوابات والتعديل والتدوير. وحديث الخرافي أمس يفسر سلوكه في جلسة الافتتاح وإفساحه المجال لهذا الكم من نقاط النظام، ولذاك النوع من الاستهداف المباشر لناصر المحمد، منقولاً على الفضائية الكويتية وأمام أعين كل الناس.ومن الصعب أن نغفل في هذا السياق الهجمات المتتالية التي شنها نواب غير معارضين ومحسوبون على السلطة، مهددين باستجوابات كثيرة وداعين -مثل رئيس مجلس الأمة- إلى مساءلة رئيس الوزراء. قد ينجم عن تظهير هذا النزاع بين رئيسي مجلس الأمة والوزراء - الذي كان الطرفان يخفيانه منذ كلف ناصر المحمد برئاسة الحكومة- حل لمجلس الأمة ودعوة إلى انتخابات. لكن لن يضمن أحد أن يشكل الحلُّ حلاً وألا ينجم عنه مجرد خلط أوراق. فخطوة الحل في غياب الحلول ليست سوى هروب إلى الأمام.وبقدر ما يبدو كلام الخرافي تحضيراً لحل مجلس الأمة، فإنه يؤشر إلى نهاية حقبة ناصر المحمد أيضاً، وكأن الصراع حسم لمصلحة خصوم رئيس الوزراء من داخل الأسرة، بعدما اتضح أنها لا تجاهر بدعمه، وتسمح لمن أوصلته إلى رئاسة مجلس الأمة بإطلاق رصاصة الرحمة على عهده. ولولا النزاع بين أبناء الأسرة لحظيت حكومة ناصر المحمد باستقرار كافٍ وما انفتح الباب أمام رئيس مجلس الأمة وغيره ليطالب بدور في تشكيل الحكومة.لا ضرورة للانتظار طويلاً؛ فالأيام القليلة المقبلة كفيلة بتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود. أما الأجدى من التوقعات والاحتمالات فهو أن تجيب الأسرة قبل كل شيء عن تساؤل جوهري يقع في صلب استقرار النظام، وهو: ما دمتم تريدون رئيساً للوزراء من الشيوخ، فلماذا لا تتوحدون حوله وتدعمونه؟ إنه ليس من مصلحتكم ولا من مصلحة الكويت ومؤسساتها ونظامها السياسي أن تخضعوا رئيس الوزراء الشيخ لتجاذباتكم، وليس من مصلحة الكويت ومؤسساتها ونظامها أن يتحول مجلس الأمة من ساحة للحراك السياسي والحيوية الديموقراطية إلى مسرح يعكس تطورات نزاع الأسرة.ترى هل تأتي تصريحات رئيس مجلس الأمة رداً غاضباً على ما يرى فيه انتقاصاً لشراكته؟ أم هي اعلان صريح يؤذن بانتهاء حقبة حكومات ناصر المحمد؟ وبكلمة أخرى: عمّن رُفع الغطاء؟ الجريدة