الأبنودي يتذكّر ويروي حكايات البدايات 12: في قطار الرحمة نجوم الشاشة البيضاء وكواكبها: مديحة يسري وهند رستم وفاتن حمامة وفريد شوقي...
هذه الحلقات ليست ثمرة حوار ممتد عبر عدة جلسات مع صديقي الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، بل ثمرة حوارات طويلة، معظمها عفوي، كان خلالها «يبوح» وكنت «أحفظ». حوارات عفوية تطرق فيها إلى تفاصيل كثيرة ورسم معظم الملامح الأساسية في لوحة حياته فلما جاء وقت الحوارات المقصودة لم يكن علينا أن نبدأ البناء من أوله بل أن نستكمل بعض التفاصيل أو نضع لمسة هنا ولمسة هناك. ولا تحسبوها مهمة سهلة، إذ استدعى الأمر جلسات عديدة وساعات طويلة اقتنصتها من جدول الأبنودي المزدحم بين سفر وسفر، من شاطئ الخليج العربي إلى تونس ومن احتفالية فنية في قرطاج إلى مولد «سيدي عبد الرحيم» الشعبي في قنا، حتى أمكن في النهاية أن أجمع هذه الباقة من «حكايات البدايات» الأبنودية.
في البداية لم يبد الأبنودي متحمساً لموضوع الحوارات. قال: لم لا نحدد موضوعا أهم من «البدايات» للحوار حوله؟ قلت: وهل هناك أهم من البدايات؟ إن حياتك عبارة عن سلسلة متواصلة من البدايات، كأنك تولد كل يوم مرة أخرى، أول يوم في الحياة، أول يوم علم، أول يوم عمل، أول حب، أول وظيفة، أول قصيدة، أول أغنية، أول نجاح، أول إخفاق، أول ديوان، أول جائزة، أول سفر، أول لقاء مع عبد الحليم حافظ وغيره من «مجرة» النجوم التي عشت واحدا منها.وافق الأبنودي على إجراء حوارات «استكمال أجزاء الصورة». وافق ربما لأننا صديقان، وربما من باب أن «الحياة تجارب»، أو لأي سبب آخر. المهم أنه وافق، مع احتفاظه بموقفه غير المتحمس. لكن «الحماسة» لم تتأخر كثيرا فمع أول سؤال وأول إجابة كان يتدفق كالشلال، كالنيل الذي كان يفيض هناك في أبنود قبل أن يكون هناك سد عالٍ. وليس عجيبا أن الأبنودي يذكر أيام الفيضان هذه بكل الود ويضعها في الموضع الذي يليق بها من تاريخ مصر. وفي الوقت نفسه يعتبر السد العالي «مشروعه» الذي يفاخر به فهو القارئ لتاريخ مصر ـ المكتوب وغير المكتوب ـ بعين محبة وقلب رؤوم والقادر على اكتشاف ما كان في كل حقبة من «فضيلة».مع السؤال الأول والإجابة الأولى كان الأبنودي يتدفق حماسة واكتشف واكتشفت معه كم كانت مبهجة تلك البدايات التي راح يقص حكاياتها. رتّبت السيول اللقاء الأول بين الأبنودي ونجوم الفن، إذ لم تكن السيول التي داهمت قنا وغمرتها وأغرقتها وهدمت بيوتها عام 1954 هي الشيء الوحيد الذي «اندفع» إلى قلب المدينة. فمع الماء المندفع بسرعة القطار جاء قطار آخر يحمل المساعدات المالية والعينية وتبرع فنانو مصر بالركوب فيه لأيام طويلة وليال متصلة، جامعين التبرعات من المحطات كلها التي يمر فيها ليسلموها في نهاية المطاف إلى منكوبي السيول في قنا. كان هذا القطار آية من آيات الإيجابية والمشاركة الشعبية ولعله بفضل طبيعة المشاركين في مهمته وتفانيهم ومبادرتهم السريعة، منح البسطاء الذين قصد مساعدتهم أكثر من البطانية ولقمة العيش. منحهم تلك الثقة الرائعة التي يمنحها لك شعورك بأن هناك من يقاسمك همك ويشاركك أزمتك. لهذا السبب استحق القطار ربما الاسم الذي أطلقوه عليه، «قطار الرحمة».يقول الأبنودي: «مع وصول «قطار الرحمة» إلى قنا كان ركابه من الفنانين يغادرونه إلى الاستراحة التي أعدت لهم على عجل ولم تكن تلك الاستراحة إلا مدرستنا - مدرسة قنا الثانوية - التي توقفت الدراسة فيها مع بداية كارثة السيول ولم تتواصل إلا بعد احتواء آثارها وعودة الحياة إلى طبيعتها. وكم كان غريبا أن أقف مع أصدقائي وزملائي قرب مدرستنا بمبناها العريق وواجهتها الرومانية المهيبة. نقف فحسب، إذ لم يعد من حقنا أن ندخلها بعد أن منحتنا السيول إجازة مفتوحة من الدراسة وحرمتنا من دخول المدرسة التي أصبحت مستقرا لنجوم الفن ولم يكن أمامنا إلا أن نقف بعيدا لنراقب - بتوتر ودهشة - الفنانين الفنانات وهم يغادرون أو يستقلون الحافلة المخصصة لهم على باب المدرسة ويصعدون أو يهبطون الدرج. كان السائق يراعي أن يقف في مكان جاف بحيث يصعد الفنانون إلى الحافلة من دون أن تتلوث ملابسهم ولا أحذيتهم بالوحل وبحيث لا يجدون أنفسهم - مثلنا نحن الكامنين غير بعيد عنهم - غارقين في الماء إلى وسط الساقين.الفنانون في مدرستنايصف الأبنودي ذلك المشهد الساحر على مدخل مدرسة قنا الثانوية: «كانت الفنانات يغطين وجوههن بنظارات سوداء ورؤوسهن بـ«إيشاربات» بسيطة وكنا نعتقد أنهن سيظهرن في الواقع كما يظهرن على شاشة السينما فلما وجدناهن مختلفات أصبنا بالبلبلة.كنت أسمع من حولي يقول: «ماجدة، أنظر إنها ماجدة»، وأنظر إلى حيث يشيرون، إلى الفتاة قليلة اللحم والحجم بنظارتها السوداء وهي تصعد سلم مدرستنا الروماني الذي تزيد على العشرين فأتعجب: «إنها ليست ماجدة التي رأيناها على الشاشة وهي تردد «عمو عزيز»!».ويشيرون قائلين: «مديحة يسري، فأقول إنهم يكذبون مستغلين المسافة الفاصلة بين المكان الذي نقف فيه ودرج مدرستنا العالي، لذا لم أكن أثق كثيرا في صيحاتهم: «ليلى مراد، كمال الشناوي، فريد شوقي، هند رستم، يحيى شاهين، شادية». رغم تأكدي من أن جميع هؤلاء جاؤوا فعلا مع «قطار الرحمة» الذي جاءت معه أيضا فاتن حمامة وكم كنا نرتقب أن نراها وكم كان صعبا أن أصدق أن هذه السيدة البسيطة على الدرج البعيد هي فاتن حمامة! وكم كان مدهشاً أن أكتب لها بعد ذلك سيناريو أحد أفلامها!».يمضي «الأبنودي في ذكرياته: «كنا نشعر بالامتنان لهؤلاء النجوم الذين جاؤوا يشاركوننا آلامنا ونشعر بأن تغييرا حقيقيا يجري ما دام كل هؤلاء الذين كنا نرى صورهم في الجرائد معنا وبيننا. لكنني كنت أقول لنفسي: كيف لا أتعرف إلى نجوم الفن الذين يزعم أصحابي أنهم تعرفوا عليهم؟ ألا أذهب مع هؤلاء الأصحاب إلى السينما؟ ألست أشاهد هؤلاء النجوم معهم وهم يؤدون مختلف الشخوص؟ ألم يمنحني هذا خبرة واسعة تجعلني أعرف ملامح هؤلاء النجوم مهما تغيرت الملابس وتغير «الماكياج» الذي كنت أناقشه مع أصحابي، ضمن ما نناقش من عناصر الفيلم عقب مشاهدته، مع أننا لم نكن نعرف أن اسمه «الماكياج»!».ابن الليلوعن تجاربه الأولى كمشاهد للأفلام السينمائية يروي الأبنودي: من نافلة القول، كما يقولون، أن أبي الشيخ الأبنودي لم يكن ليسمح لنا بالذهاب إلى السينما، ولا حتى بالاستماع إلى الأغاني في الراديو، لهذا لم يكن أمامي إلا التمرد، إذ - لم يكن ممكنا بالنسبة إلي ألا أستمع إلى أغنيات عبد الحليم حافظ أو أن أحرم من مشاهدة أفلام فاتن حمامة، لذا كان لا بد من تدبير قيمة تذكرة دخول «سينما فريال»، وكانت تذكرة الترسو - الدرجة الثالثة... ولم يكن يخطر ببالنا أن نفكر في أكثر منها - 18 مليماً، أي قرشين إلا مليمين، وكنت أعتقد أن أصحاب السينما يتركون لنا المليمين لنتمكن من شراء «اللب» ونستمتع بالقزقزة أثناء المشاهدة!».يضيف: «كان الفيلم، أي فيلم، يعرض لأسبوع واحد ويبدأ عرض الفيلم الجديد يوم الاثنين من كل أسبوع وكان الفتوات يتقاتلون للحصول على التذاكر وسط الزحام الرهيب للسينما التي كانت وسيلة الترفيه الأساسية - قبل أن يصل التلفزيون إلى بلادنا - ولهذا كان البعض يشاهد الفيلم كل ليلة طوال مدة عرضه، خاصة إذا كان البطل فريد شوقي أو محمود المليجي، أو كانت البطلة نعيمة عاكف أو فاتن حمامة. وللتغلب على الزحام كانوا يسلموني ثمن التذاكر - ربما 20 تذكرة - وبفضل خفة وزني يرفعونني إلى أعلى، ويقذفونني من فوق الزحام المتلاطم لأجد نفسي أمام الشباك أقطع التذاكر، ثم تواجهني المشكلة التي تتكرر كل مرة وهي: كيف يمكن أن أعود؟!».يتابع الأبنودي: بالنسبة إليّ كان الأهم من «كيس اللب» والقزقزة أن أشتري كتيّب الفيلم من كشك «الجربوعي» أمام سينما فريال في قنا وكان يباع بخمسة مليمات ويضم ملخصا لقصة الفيلم ولقطات لنجومه ونصوص أغانيه، مع ذكر اسم مؤلف كل أغنية وملحنها ومطربها كنت أقرأ الأغاني - خاصة الأغاني - أكثر من مرة لأجدني وقد حفظتها في النهاية. كما تعرفت عبر هذه الكتيبات إلى أسماء الشعراء والزجالين».يقول الأبنودي: «كان هناك زجال عبقري اسمه «ابن الليل» يكتب المونولوجات التي يؤديها شكوكو وإسماعيل ياسين وثريا حلمي وكنت أهتم جدا بمتابعة التقنيات وطرق الكتابة لدى هذا الزجال العبقري، مثل «قفشاته» وموسيقاه الداخلية، كما عرفتني كتيبات كشك «الجربوعي» ببيرم التونسي وبديع خيري إلى آخر قائمة الشعراء الكبار». مرجعي الأدبي ونهايته!يحكي الأبنودي عن مرجعه الأدبي الأول الذي صنعه بنفسه، ولا عجب، ألم يتعلم مذ كان في أبنود أن يستغل القليل الذي تتيحه له بيئته ليصوغ منه حياة كاملة؟ ألم يكن يصنع إدام «الشلولو» بنفسه؟ ألم يجمع محصوله الخاص من بقايا الحصادين بنفسه؟ ألم يصنع أدوات صيده للسمك والعصافير ثم يطهو ما اصطاده بنفسه؟ ألم يصنع أدوات لعب الطفولة بنفسه؟ حسناً، فعل هذا كله، فلِمَ لا يصنع مرجعه الأدبي الأول بنفسه؟يقول الأبنودي: «كنت أحتفظ بكتيبات الأفلام مذ كنت في الثانية عشرة، أخبئها ككنز ثمين وسر خاص وأطالعها خلسة. وعندما زاد عددها قمت ذات صباح شتوي مشمس بخياطتها بعضها إلى البعض بواسطة «مسلة» قوية وخيط متين لتصبح الكراسات المتفرقة كتاباً واحداً كبيراً كان مرجعاً لي أعود إليه كل يوم جمعة إذ أخرجه من مخبأه وأنتحي به ركنا لا يراني فيه أحد لأقرأه وأتعرف أكثر إلى المطربين والملحنين والشعراء: محمود الشريف، عزت الجاهلي، فتحي قورة، مأمون الشناوي، أحمد صدقي، رامي صبرة، محمد عبد الوهاب، محمد فوزي، محمد عبد المطلب محمد قنديل. بفضل هذا المرجع كنت أعرف ما لا يعرفه رفاق الصبا وأتابع الراديو - حين أتيح لي ذلك في ما بعد - على نحو لا يمكنهم أن يجاروني فيه. كنت أسمع مثلاً أغنية بدوية لمحمد الكحلاوي فأعرف من كتبها، كما أعرف من كتب ولحن هذه الأغنية أو تلك لنجاة علي وفتحية أحمد، إلخ. ناهيك بأنني كنت منذ البداية أشاهد الأفلام بعين الناقد وهي عين كفيلة بإفساد متعة المشاهدة. وفي حوارات ما بعد الخروج من السينما مع رفاق الصبا كنت أستنكر أن يكون هناك ريف كالذي شاهدناه أو موظف يمتلك سيارة كالتي يمتلكها بطل الفيلم الموظف، أو طبيبة تقيم في فيلا كالتي تقيم فيها البطلة. كان «الواقع» دائما حياً في ذهني ولم أكن أستطيع الانفصال عنه إلا وأنا أسمع الأغاني التي كنت أنشغل بكلماتها أكثر من أي شيء آخر».يضيف متذكراً: «ذات يوم سمعت أخي الأكبر «الشيخ جلال» وهو يصيح غاضبا. صعدت إلى السطح لأجده يمزق الورقات الأخيرة من كنزي الثمين ومرجعي الذي صنعته بيدي وهو يصيح مستنكرا أن أقرأ مثل هذا الكلام. كان يمارس عليَّ سلطة مجيئه إلى الدنيا قبلي بسنوات ويعطي نفسه الحق في تحديد ما أقرأه وما أدعه. مذّاك ارتفع بيننا حاجز ظل قائما حتى رحل عن الدنيا يرحمه الله!».يؤكد الأبنودي أن تلك الحادثة لم تؤثر على اهتمامه بمتابعة كل ما له علاقة بالسينما وفن الغناء، إذ أصر على المضي في طريقه كأنه كان يعرف أنه سيصبح في المستقبل القريب كاتباً لمجموعة من أشهر الأغاني!زورباهذا عن الأفلام العربية التي صبغت البدايات بصبغتها، أما الفيلم الأجنبي صاحب التأثير الأكبر فكان «زوربا اليوناني» الذي سمحت الرقابة على المصنفات الفنية في مصر بعرضه في الستينات عندما كان يتولاها مصطفى درويش الذي يصفه الأبنودي بأنه كان يكره التعمية. كان «رقيبا بلا مقص» فترك أثراً كبيراً في الحركة الفنية. وفي المقابل ناله سخط السلطات وانتهى الأمر بمساءلته أمام مجلس الأمة قبل فصله من عمله!وعن تأثير الفيلم في الحياة الفكرية والفنية المصرية في الستينات يقول الأبنودي: «في الفيلم يرقص «زوربا»، يدق بقدميه بقوة وثقة وانطلاق أرض بلاده العريقة «اليونان»، كأنه يؤكد رسوخ انتمائه. والواقع أن الفيلم كله رقصة تحتفي بالحياة وتعبر عن عشقها وتؤكد حق الإنسان في أن يكون ذاته وأن يتمتع بحريته في ممارسة حياته محطما كل ما يحول دون ذلك».يضيف: «واكب عرض الفيلم في مصر عرضه في دور السينما العالمية وظل يعرض لوقت طويل محدثاً زلزالا فنياً وثقافياً. أصبح «زوربا» - أدى الدور أنطوني كوين - ببنطلونه الواسع وصديريته الملونة نموذجا حيا لشخص قادر بعبقرية وبساطة على الانفلات من كل قوانين النفاق الاجتماعي إلى رحابة الحياة حتى آخر نفس والتجربة حتى آخر قطرة».يتابع الأبنودي: «صرنا نطابق بين «زوربا» ومن يشبهونه من شخصيات الواقع. نقول عن رجل نعرفه إنه زوربا، أو نصف زوربا وربما ربع زوربا، بحسب قدرته على الانطلاق والتمتع الصادق بالحياة «منحة الرب». هؤلاء «الزوربات» الذين ضربوا لنا المثل لما يجب أن يكون الإنسان عليه وعلمونا كيف نستمتع ونحن نعمل، بل كيف نستمتع ونحن في قلب المعاناة. ربما لا تكون رواية «زوربا اليوناني» أفضل روايات مؤلفها نيكوس كازنتزاكس، لكن شخصية «زوربا» - بفضل ثرائها وبفضل طريقة تقديمها في الفيلم - استقرت في ضمائر المثقفين. ومن ينسى «بوبولينا» العجوز الميتة تقريباً التي تبعث حية وقادرة على التعامل مع البشر والأشياء بعد أن منحها «زوربا» الحلم. وفي النهاية نراها تموت ونرى عجائز الجزيرة حول سريرها كالجوارح ثم نراهن وهن يستولين على ممتلكاتها بمنتهى القسوة، ينتزعن أشياءها انتزاعا بينما جثتها ما زالت ترقد بينهم؟!أيضا حفرت موسيقى الفيلم مجرى عميقا في الوجدان وظلت أصداؤها عالقة بذاكرتنا ومشاعرنا، تلك الموسيقى التي أبدعها الموسيقيّ ميكيس ثيودراكيس، وعزفتها آلة السنتوري والترية الشعبية من آلات البحر الموسيقية، كآلة «السمسمية» المعروفة في مدن القناة المصرية وشكلها قريب من آلة القانون مع اختصار المساحة والأوتار».يقول الأبنودي: «بفضل موسيقى زوربا وآلة السنتوري عرفنا ميكيس ثيودراكيس. لم نعجب بموسيقاه فحسب لكننا صادقناه وصادقناها. التقيت ثيودراكيس بلحمه وشحمه في تونس وكانت الصداقة التي نمت بيننا بسرعة إحدى الهبات التي منحتنيها السينما وحبي لها وحرصي على متابعة الجيد من أعمالها. التقى الأبنودي ثيودراكيس في تونس، لقاء ترتبط حكايته عضوياً بالمنفى الاختياري الذي ذهب إليه الأبنودي بعيداً عن مصر في سنوات بالغة الصعوبة، كما يرتبط أيضا بـ«السيرة الهلالية»، ملحمة العرب الكبرى التي أمضى الأبنودي بعض أجمل سنوات عمره يتعقبها جنوباً وغرباً ويجمع شتاتها. وللمنفى والسيرة حكايتان من حكايات البدايات، نذهب إليهما، لكن بعد أن نتعرف إلى حكاية الأبنودي مع شاشة السينما وكيف وجد نجمتيه الأسطوريتين شادية وفاتن حمامة تنطقان على الشاشة بما سبق أن كتبه، فإلى الحلقة المقبلة. مكنة السيما زي عيون البسما تشغلهاش إلا الضلمهأنا جات قعدتي جنب المكنهنصبوا لها ملايه بيضا.. فج النورولقينا روحنا في الشاشهلقطوا لنا التصاوير واحنا بنشتغلوامن غير ما نحسوجابوا لنا القصه من الأولشفت الرجَّال همَّ همَّبوشوشهموالعربيات اياهاوالمَيهوالأنفاقوالصخر..وهيجان المَيهشفت الدلاميت في السيماوقعدت أدور على نفسي..ما لقيتشي حراجي.. لكن لازم أنا كنت على الشاشهبس ما خدتش باليطبعا أنتا أكتر واحد شغاليبقى ضروري طلعت على الشاشهبس ما خدتش باليوالبكره تلفوعين ع الشاشه.. وعين ع الميكانيكيأباي لو شفتي يا فاطنه السيما بعنيكيآدي من لحضتها والعمال بيقولوا عاوزين السيماوكمان طلعت عمال تقولاشمعنى عمال كيماليهم سيما..؟إحنا عمال السد العاليأكبر من ميت كيمالازم تجيبوا لنا السيماودي حاجه من ضمن الميت حاجهالمحتاجها البني آدمويا عالِمفيه إبه تاني!!مش لقمه وبس يا فاطنهأنا مش تورروحي عشطانه لميت حاجهالأبنودي ـ جوابات الأوسطى حرجي القط العامل في السد العالي إلى زوجته فاطنة أحمد عبد الغفار في جبلاية الفارأنا حلو في الشاشةفي الجورنانلكن ظليتقيل.. يا أمه بمأساتي بتتسليللساده شاي ساده.. وانا دمي اللي بيحليوكل يوم قطره قطره الدم يسرسبمستني إيه يا وطن؟لما أغيب كلي؟الأبنودي ـ الموت على الأسفلتأحس بيكي خارجه من بحرأحس بيكي خارجه من وهمأحس بعيونك ـ بلابل الحكمه ـ ناقصهم فهمحلفتكي بالله من أنهي وادي؟فربما اتقابلنا في طفولهأو في حارات ماتتأو في فصول المدرسه الأولىأو تحت ضل سفينه محلولهحلفتكي بالله من أنهي وادي؟فلا طيور في دي الجهه ولا عشولا حسد ولا غشولا زمان ولا وقتولا ضجيج ولا صمتكل الأمور ع الأرض مرميهوالناس معديهالأبنودي ـ ابتسامة الموت ـ صمت الجرس