الكويت من الإمارة إلى الدولة (6)

نشر في 14-06-2007
آخر تحديث 14-06-2007 | 00:00
مهرجان الشويخ المصغر
 د. أحمد الخطيب في الحلقة السادسة من كتاب الكويت من الإمارة إلى الدولة يواصل الدكتور أحمد الخطيب سرد ذكرياته، خاصة بعد ما ترتب على أحداث المظاهرات، وكيفية تعامل رجال الأمن (الفداوية) آنذاك معها، حيث أقيم مهرجان خطابي في إحدى قاعات ثانوية الشويخ. كذلك يعرض الدكتور قصة الاضراب ومواجهة قوات الأمن والشرطة، وكيف أتاهم الشيخ سعد العبدالله والشيخ عبدالله الجابر والشيخ مبارك العبدالله الجابر، وطلبوا منهم فض الاضراب والتظاهرة، ووعدهم عبدالله الجابر بانه سيذهب إلى جزيرة فيلكا لإبلاغ الشيخ عبدالله السالم حيث حضر، وقابلهم وتفهم مطالبهم.

ويوضح الدكتور في ذلك اللقاء أن الشيخ عبدالله السالم قد وافق على جميع مطالبهم باستثناء مطلب وقف امدادات النفط إلى الانكليز لحساسية الأمر وخطورة تداعياته، وحرصاً على الحفاظ على هيبته حاكماً للبلاد، كما يروي الدكتور الخطيب قصة استقالة جاسم القطامي من الشرطة حيث كان يشغل منصب المدير العام للشرطة، ويعرض نص الاستقالة التي رفعها القطامي وأسماء الضباط الذين شاركوه، وقدموا استقالاتهم إثر المواجهات التي تمتد بين الشرطة والأمن والمتظاهرين.

ويتناول في هذه الحلقة عرض بعض الرسائل التي رفعوها إلى الشيخ عبدالله السالم. ومساهمته مع أفراد العائلة في التبرع لإعمار بورسعيد إثر العدوان الثلاثي، كما يروي حكاية تأسيس الرابطة الكويتية.

إثر تلك الأحداث الدامية التي عرضناها في حلقة الأمس نظمنا مهرجاناً في إحدى قاعات ثانوية الشويخ حضره كل من عبدالله المبارك وعبدالله الجابر، وألقيت فيه كلمة حماسية إشادة بالمظاهرات المنددة بالعدوان الثلاثي ومنددة بالإجراءات القمعية التي تعرض لها المتظاهرون من قوى الأمن مما شكل استفزازاً لعبدالله المبارك، فمد يده إلى مسدسه الموجود في جيبه ليطلق النار عليّ فأمسك عبدالله الجابر يده، ويبدو أنه أفهمه خطورة تصرّفه فأعاد المسدس إلى جيبه، أو أنها كانت تمثيلية مثلما حدث معي في الأمن العام سابقاً، ولكونهما في الصف الأول من القاعة فلم ينتبه الحاضرون لما حصل. وأكملت كلمتي وانتهى المهرجان بسلام.

وجاءت كلمتي التي استفزت عبدالله المبارك كما يلي:

هذا الإضراب الرائع الشامل الذي عمّ الكويت، وهذا الحشد الهائل الذي أتى ليشهد هذا المهرجان، هذه كلها أشياء نعتز بها نحن في الكويت ونفخر بها، لأنها دليل الوعي الصادق، دليل الإرادة الحية التي صممت على الحياة حياة حرة كريمة. هذه الحوادث أدخلتنا باب التاريخ الواسع لأننا برهنا على أننا ارتفعنا في تفكيرنا وتصرفاتنا على رغباتنا الشخصية الأنانية الخاصة، وأصبحنا نتصرف كعرب واعين يفكرون بمصلحة أمتهم ويعملون لعزتها وسعادتها.إنه، وأيم الحق، فخر لنا جميعاً أن ندخل في صميم معركة العرب، معركتنا نحن في سبيل الوحدة والحرية، هذه المعركة التي تخوضها الأمة العربية بملايين أبنائها من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، لك أن تفخر أيها الشعب، لك أن تفخر وحدك، فلقد دللت على وعيك وإخلاصك واستعدادك للتضحية والبذل،

فقمت بحملات للتبرع ناجحات، فساهمت بتسليح جيشك في مصر وجيشك في سورية وحرسك الوطني في الأردن، وأمددت إخوانك في المغرب ثم في الجزائر، وأعلنت عن شعورك بقوة وحزم أن القناة لك أنت وحدك يوم أن أضربت وتظاهرت وعمّدت جهادك بالدم يوم 16 آب الماضي. كل هذه الأعمال المجيدة قمت بها أنت وحدك أنت الأعزل، الأعزل إلا من سلاح الحق والإيمان. وسوف تسير أيها الشعب من نصر إلى نصر حتى يتم لأمتك العربية المجيدة ما تصبو إليه من وحدة وتحرر وثأر من أعدائنا الصهاينة.

وبالطبع كان من الممكن أن تقدم أكثر من هذا، وسوف تقدم أكثر من هذا عندما تتحرك ملايينك المجمدة فتنطلق هذه الملايين بدعم نضال العرب ودعم اقتصاد العرب.

قمنا بتنظيم حملة لجمع التبرعات للمتضررين من أعمال الشغب التي سببها نزول فداوية الأمن العام إلى الأسواق من السطو على المحلات التجارية المضربة وغير المضربة، القريبة من مواقع الإضراب والبعيدة، كذلك سرقة الناس المتظاهرين وغير المشتركين في المظاهرات.

كان التجاوب رائعاً شمل كل قطاعات الشعب تجاراً وغير تجار، ولعلها المرة الأولى التي يساهم فيها الشعب في تخفيف الخسائر التي حلت بالمتضررين من جراء إجرام السلطات الرسمية.

وفيما يلي كشف بأسماء بعض المتبرعين من رجالات أهل الكويت البررة لمصابي الحوادث، وهو ما يظهر تضامن جميع فئات الشعب الكويتي.

الاسم القيمة بالروبية

يوسف الحميضي 2000

مرزوق بودي 1000

عبدالمحسن الخرافي 1000

مشاري الصبيح 500

أحمد النصف وإخوانه 500

أحمد وحمود الخالد 500

السيد علي السيد سليمان 1000

عبدالعزيز الحميضي 500

جاسم الثنيان 300

حمد الفارس 300

فهد الخالد وإخوانه 300

أحمد الفهد 500

فهد المرزوق 1000

عبدالعزيز الزاحم 1000

حمد المشاري 1000

عبدالله الصالح الفلاح 300

سعود عبدالرزاق 500

عبدالعزيز أحمد البحر وإخوانه 1500 

عبدالرحمن البحر 1000

بو رميح 300

جاسم شاهين الغانم 400

أحمد المرزوق 200

أحمد الحميضي 200

راشد الهارون 50

عبدالله المزيد 50

عبدالعزيز المزيني 300

حمود سليمان 100

عبدالعزيز العلي المطوع 1500

أحمد بزيع 150

محمد عبدالواحد 50

دخيل الجسار 1000

خالد الحمد وإخوانه 2000

يعقوب الحمد 500

يوسف إبراهيم الغانم 500

علي قبازرد 100

فيصل الصالح 100

الزامل والعبدلي 500

محمد البسام 300

عبدالرحيم العوضي 500

يعقوب جاسم الشاهين 200

فهد السلطان 1000

فليج العلي 300

عبدالعزيز إبراهيم الدلال 300 

الشيخ يوسف بن عيسى وإخوانه 400

بدر سليمان 500

عبدالعزيز الفليج 100

عبدالعزيز مدوه 100

يوسف النفيسي 100

سعود النفيسي 100

ناصر العبدالحميد 100

فهد عبدالعزيز المرزوق 100

جاسم خالد المرزوق 100

خضير المشعان 100

حبيب جوهر 100

عبدالله محمد هادي العوضي 1000

خالد الفليج 100

محمد ملا حسين 100

محمد أحمد العوضي 50

عبدالرحمن المعجل 100

علي الحسن وإخوانه 100

أحمد الرشيد وإخوانه 150

حمد المرزوق 300

محمد الحمود الشايع 2000

محمد الخالد الزيد 500

فهد الفليج وإخوانه 2000

فليج العلي 200

بدر الطخيم 50

محمد الداود المرزوق وإخوانه 500 

رسالة أخرى إلى الشيخ عبدالله السالم

حضرة صاحب السمو أمير البلاد المعظم،

تحية واحتراماً،

وبعد ،

إن ما دفعنا للكتابة لسموكم هو ما لمسناه فيكم من عزم أكيد على المحافظة على سلامة البلد ومصلحة أبناء هذا البلد، ولا بد لنا قبل البدء في هذه الرسالة من تسجيل شكر هذا الشعب وإعجابه لمواقفكم الوطنية الرائعة.

لقد علمنا يا صاحب السمو بأن شركة نفط الكويت قد دعت فئة قليلة من أبناء الشعب لتولي مهمة أخذ الوكالات للنقل البحري التي هي بحوزة الشركة.

والذي نخشاه أن الشركة تكون قد عمدت إلى ذلك لتفريق الصفوف وإحداث البلبلة بين أفراد هذا الشعب، ولا يستبعد كذلك أن تكون هذه محاولة لاستعانة أشخاص قد تكون تأمل تأييدهم لما قد ترتئيه من مشاريع ثانية.

إن هذه الخطوة قد أحدثت انقساماً بين أفراد الشعب لا تسمح ظروفنا الحالية بحدوثه، كما أنها أثارت علامات للاستفهام كثيرة عن تصرفاتها. وعلاوة على ذلك فهي تحاول أن تبعد هذا البلد عن مبدأ سارت عليه ووجدت فيه كل الخير، ألا وهو إشراك الجميع في التمتع بخيرات هذا البلد كما حصل عند إنشاء البنك الوطني وشركة السينما إذ أفسح المجال أمام جميع أبناء الشعب للمساهمة.

لهذا يا صاحب السمو فإننا جئنا برسالتنا هذه إليكم آملين أن تضعوا حداً لهذه الأعمال وتسدوا هذه الثغرة، فتصدروا أمركم السامي بإيقاف هذه المحاولة وإعلان تأييدكم لإنشاء شركة للبواخر أهلية يساهم فيها جميع أبناء الشعب وإعطائها الأولوية في نقل بترول الكويت.

كما أن هذه الشركة تستطيع أن تأخذ الوكالات التي هي بحيازة شركة النفط، إننا متأكدون يا صاحب السمو بأنكم لن تترددوا لحظة واحدة في اتخاذ جميع الإجراءات التي تعود بالخير لهذا البلد.

وتفضلوا سموكم بقبول فائق احترامنا وتقديرنا ،

لجنة الأندية

العدوان الثلاثي وتطور العمل الوطني

العدوان الثلاثي الذي قامت به كل من إسرائيل - بريطانيا - فرنسا على مصر إثر تأميمها لقناة السويس أثار مشاعر العرب جميعاً، لأنه كان اعتداء على العرب جميعاً، اعتداء على كرامتهم وحقهم في حياة كريمة، فدعت لجنة الأندية للاجتماع واتخاذ الإجراءات الضرورية لدعم مصر بكل الوسائل الممكنة. ومن القرارات التي اتخذت تنظيم مظاهرة تأييد لمصر والتنديد بالعدوان. واتصلنا برئيس المعارف الشيخ عبدالله الجابر الصباح للسماح للطلبة بالمشاركة، فاتصل بعبدالله المبارك رئيس الأمن العام لأخذ موافقته، إلا أن عبدالله المبارك رفض السماح بذلك، وحاول معه مرة ثانية بإلحاح من اللجنة التي تفاوض عبدالله الجابر لكن دون جدوى. عندما رجع ممثلو الأندية بعد إخفاق وساطة عبدالله الجابر للسماح لنا بالتظاهر تأييداً لمصر ضد العدوان الثلاثي (بريطانيا - فرنسا - إسرائيل) أصيب الجميع بالإحباط كالعادة لكون الكويتيين بطبيعتهم مسالمين لا يحبذون التصعيد وتقوم فئة منهم بالتوسط لحل المشكلات، إلا أنني وقد تربيت في «العروة الوثقى» وشغلت موقعاً قيادياً فيها وفي تنظيم الشباب القومي بلبنان، وتعودت على عدم التردد في المجابهة والاستعداد الكامل للتضحية عندما يكون الموضوع مصيرياً، رأيت أن التراجع عن التظاهر عارٌ لا يمكن القبول به مهما كان الثمن، ووجدت الاستعداد الكامل عند الشباب المتجمهر في النادي الثقافي القومي لقبول التحدي، إذ لا يعقل أن نجبن ونتخاذل ونحن نرى إخواننا في مصر يضحون بأنفسهم في مواجهتهم عدواً أقدر منهم عسكرياً للدفاع عن كرامتهم وكرامة كل عربي، فاتخذنا قرارنا بالاستمرار في الدعوة للتجمهر والتظاهر في اليوم المحدد; لم نعتد على أخذ إذن من أحد عندما نقرر أن نقوم بعمل قومي ضروري.

وأعتقد أنه في ذلك اليوم تم اتخاذ قرار تاريخي بالنسبة إلى العمل الوطني والقومي في الكويت، وانتقل العمل السياسي من مرحلة إلى مرحلة جديدة ارتفع فيها سقف العمل السياسي، فولدت قيادة جديدة وأدخلت أساليب جديدة للعمل الوطني منها التجمهر والمهرجانات والإضراب والتظاهر والعرائض الشعبية وتوسيع القاعدة الشعبية وتنظيمها للتصدي لمهام التطور الديمقراطي بالطرق السلمية الذي من دونه لا يمكن أن تكون هناك تنمية حقيقية في أي مجتمع.

وقد قمنا كلجنة الأندية بتشكيل عدة لجان لقيادة العمل الجماهيري في مواجهة العدوان الثلاثي، وكان أبرز تلك اللجان هي «لجنة الإضراب» التي تولت مهمة قيادة حركة الإضراب والحرص على استمراريته. كذلك فقد قمنا بتوجيه نداءات إلى كافة التجار والمؤسسات التجارية نطالبهم فيها بمقاطعة البضائع الإنجليزية عادّين كل من لا يستجيب لنداء المقاطعة ذلك خائناً وعدواً للأمة العربية مثل:

«كل من لا يتعاون معنا نحن -الكويتيين العرب - بلصق هذا الإعلان على مخزنه فإنه لا يتعاون مع العرب كافة في كفاحهم ضد المستعمرين الإنجليز والفرنسيين، وإننا نعتبر هذا خيانة لهذا البلد الكويت. لذلك نرجو من أصحاب المخازن عدم التعامل مع الإنجليز والفرنسيين لا بيعاً ولا شراء».

وكذلك:

«أنت مدعو لإثبات وجودك في معركة العرب الكبرى ومشاركة إخوانك في مصر ضد قوى الاستعمار البريطاني الفرنسي المجرم... أيها العربي خيانة منك لا تغتفر أمام الله والتاريخ أن تقف مكتوف الأيدي وإخوانك في مصر يخوضون على خط النار معركة الدم... إن هذه الحرب ليست ضد مصر فحسب بل هي موجهة إليك بالكويت وإلى عروبتك... أيها العربي إننا ندعوك للإضراب العام... وأنت مدعو للاجتماع في مسجد السوق... لتنطلق مع مواطنيك الأحرار وتعلن رأيك كإنسان له الحق في الحياة الحرة الكريمة... عاشت الأمة العربية وعاشت وحدة نضال أبنائها الأحرار».

كان العدوان الثلاثي والتصدي له بعد خطوة التأميم نقطة انطلاق مهمة في تشكيل حركتنا ونهوضها واستقطابها لجماهير عريضة وتأثيرها في الحركة السياسية بعمومها.

«أيها الشعب الأبي... لا تشتر البضائع الإنجليزية والفرنسية، فإن كرامتك وشرفك يفرضان عليك ذلك، فكل روبية تدفعها هي رصاصة موجهة إلى صدور إخوانك العرب المجاهدين في ميدان الشرف».

كما حرصنا على توزيع شعارات لاصقة باللغتين العربية والإنجليزية تحث على مقاطعة دول العدوان مثل: «ممنوع دخول الإنجليز والفرنسيين» و»كل روبية تدفعها في شراء بضائع الإنجليز والفرنسيين خنجر في ظهر إخوانك العرب المجاهدين» و»لا تلطخ سمعتك وشرفك بشراء بضائع الإنجليز والفرنسيين» و»لا تشتروا الأقمشة الإنجليزية والفرنسية». وكان حرصنا على كتابة تلك الشعارات باللغتين العربية والإنجليزية هي لإيصال رسالة سريعة لا مواربة فيها إلى الإنجليز.

وقد قمنا في «لجنة الأندية الكويتية بتشكيل «لجنة المقاطعة» لقيادة حركة مقاطعة البضائع الإنجليزية والفرنسية التي أطلقت ضمن فعالياتها دعوة إلى عدم تفريغ البواخر البريطانية والفرنسية وشحنها أو تزويد طائراتها بالتموين اللازم. وقد كان نشاط (لجنة المقاطعة) فعالاً ومؤثراً إذ لم يتوقف الأمر عند توزيع النداءات ولصق الشعارات، بل حرصت اللجنة على عقد اجتماعات مع جميع مديري الإدارات الحكومية ودعوتهم إلى إلغاء الاتفاقيات التجارية التي أبرمتها الحكومة الكويتية مع المصالح الإنجليزية والتي كانت تقدر آنذاك بملايين الروبيات، ويشار إلى أنه كان من ضمن نجاحات تلك اللجنة أن استجابت دائرة المعارف بإلغائها عقداً بلغت قيمته مليون روبية.

فما كان من عبدالله المبارك إلا أن أصدر بياناً يحذر فيه من مغبة التجمع والتظاهر، ووقّعه أيضاً صباح السالم رئيس الشرطة. ولأول مرة يصدر قرار مشترك بين الأمن والشرطة بسبب التنافس والعداء بين الجهتين، وأخذت الإذاعة تذيع التحذير كل نصف ساعة ووضعت مصفّحات الجيش في مداخل الكويت.

استيقظت مبكراً ذلك اليوم لأتفقد الوضع، فوجدت أمي تصلّي كالعادة عندما تشعر أن هناك خطراً عليّ، وهي لا تناقش في الموضوع ولا تسألني إطلاقاً، إنما تصلّي وتدعو لي حتى أرجع إلى البيت، وهي كما يبدو قد تعودت على ذلك، حين كان والدها إبراهيم الخبيزي وزوجها محمد الخطيب يذهبان دائماً إلى مهمات خطيرة ولا تعرف هل يعودان أم لا، فليس لها إلا أن تصلي وتدعو لهما بالرجوع سالمين. غادرت البيت دون أن أكلمها.

الإضراب

ومررت بطريقي بالأسواق فإذا هي مضربة، ولكن لمّا وصلت إلى المسجد، وهو مقابل سوق التجار، وجدت أن معظم المحلات لم تضرب. وبدأت الجماهير تتدفق بالألوف إلى المكان، وتنظر بغضب إلى التجار الذين يقولون مستهزئين بأنني محمد البراك الثاني. كان محمد البراك - رحمه الله - من النشطاء القوميين الجريئين، وكان يجاهر بمطالبه الإصلاحية ويساند الطبقات الفقيرة في قضاياه ومنها إضراب سواقي التاكسي عندما منعوا من أخذ العائلات للنزهات البرية في الربيع، فألقت السلطات القبض عليه وتعرض للضرب الوحشي والإهانة، دون أن يجد من يتضامن معه وعدّوا ما كان يقوم به جنوناً (المقيم البريطاني في الخليج هو الذي تدخّل لوقف هذه العقوبة البشعة والتي استمرت ثلاثة أيام)! عندها شعروا بالخطورة لغضب الجماهير الغفيرة فأغلقوا محلاتهم وانضموا إلى المضربين.

عندما حان الموعد توجهنا إلى دروازة عبدالرزاق في طريقنا إلى قصر دسمان، وقد علمت فيما بعد أن الشباب الذي كان يحيط بي كان مسلحاً ومستعداً للدفاع عني إذا اقتضت الضرورة، فحمدت الله على سلامة الجميع.

هنا جاء كل من عبدالله الجابر وسعد العبدالله ومبارك عبدالله الجابر رئيس الأركان وطلبوا وقف المظاهرة، فرفضت قائلاً: هؤلاء مواطنون أشراف وليسوا مخربين وحريصون على الأمن أكثر من قوات الأمن. فقالوا إن الأسطول البريطاني وصل السواحل الكويتية ونخشى أن تفلت الأمور فيتدخل الإنجليز. كان عبدالله السالم في جزيرة فيلكا. فقال عبدالله الجابر: سأذهب حالاً إلى عبدالله السالم وسيحضر لمقابلتكم. فقبلت العرض وشكرت المتظاهرين بعد أن أثبت الشعب قدرته على التحدي، وفعلاً جاء الشيخ عبدالله السالم وطلب مقابلتنا فذهبنا اليه، وقد لاحظنا ارتياحه لكل ما عملناه، ولما عددنا له مطالبنا كلها قال: أنا موافق معكم تماماً إلا في مطلب واحد من الأصلح تجنبه وهو قطع النفط عن الإنجليز لأهمية النفط لهم، فإذا أمرت أنا بذلك فإنهم سيكسرون كلمتي وعندها تروح هيبتي عندهم فيتجرأون على كسر هيبتي كل مرة، ولا أعتقد بأنكم ترضون بذلك. وأشار إليّ بأن نتصرف مثلما عملنا بالسابق، وفهمت الإشارة. أما بالنسبة إلى التبرعات لمصر فقد وافق عليها وقال: سوف أطلب من جميع الشيوخ التبرع، كذلك وافق على مقاطعة بضائع الدول المعتدية أيضاً، ووافق على التطوع. جمعنا 15.5 مليون روبية تبرعات لإعمار بورسعيد، وافقت الهند على تحويل 15 مليوناً فقط بسبب قيود العملة.

أما عمال النفط فلم يكونوا بحاجة إلى من يطلب منهم الإضراب لوقف تصدير النفط، فقد كان الإضراب شاملاً مما أوقف صادرات النفط. وهكذا رفعنا الحرج عن عبدالله السالم بتوزيع الأدوار كما كنا قد عملنا في تأميم البريد.

استقالة جاسم القطامي من الشرطة

ولعل تداعيات قرار التظاهر انتصاراً وتأييداً وتضامناً مع إخوتنا في مصر وهم يتعرضون لعدوان ثلاثي بشع، لم تتوقف عند حد استنهاض الجماهير ورص صفوفها في اتجاه استنكار ذلك العدوان، ولكن الأثر العميق الذي جعل تلك التظاهرة حدثاً تاريخياً بحق هو تأثيرها واستقطابها لجهاز الأمن ورجال الشرطة، إذ لم يتقبلوا أن يقفوا في وجه الناس في وقت كان الشعار الذي رفعه مدير الشرطة آنذاك جاسم القطامي هو «الشرطة في خدمة الشعب»، فكيف تجتمع خدمة ذلك الشعب مع المطالبة بتفريقهم وضربهم في وقت لم تكن فيه مطالباتهم إلا مطالب وطنية. وهكذا قام مدير الشرطة جاسم القطامي بتقديم استقالته برسالة وجهها إلى رئيسه حينها الشيخ صباح السالم وهذا نصها:

«سعادة الرئيس، كان بودّي الاستمرار بعملي كمدير لشرطتكم الموقرة بيد أن اختلافي مع سعادتكم في مسائل جوهرية تتعلق بحرية الشعب وكرامته مع أنني لا أستطيع أن أحارب هذه الأفكار التي أنا شخصياً مؤمن بها، ومستعد للتضحية بالنفس والمال في سبيل استمرارها وبلوغ ما تصبو إليه. لهذا كله أرجو قبول استقالتي، والله يحفظكم. المدير العام للشرطة، جاسم القطامي».

وتضامنت مع جاسم القطامي في قراره الخطير كوكبة فاضلة من الضباط فقدمت استقالتها من الشرطة وهم: عبداللطيف البرجس وباقر خريبط وعبدالحميد الصانع وصالح المحمد وفاضل الجاسم ويوسف الشاهين وعبدالوهاب السيد عبدالمحسن الطبطبائي وعلي الحمود وعمر الفهد وعبدالعزيز البلوشي ومحمد اللهيب وصالح الدخيل وخليفة الرومي، فلم يكن من المعقول أن تقف الشرطة الكويتية مؤيدة للعدوان ومنتقمة ممن احتجوا على هذا العدوان السافر.

ولا شك أن الفعل والأثر الذي خلفته الاستقالة أعطيا دفعة قوية لتحركنا، فأين نجد رجال شرطة يقفون مع التحرك الشعبي بهذه الصورة.

هذه الأحداث: التظاهر والإضراب والمهرجان، كلها كانت بمبادرة من القوى القومية مما جعلها تحتل قيادة العمل الوطني في الكويت بجدارة.

وهكذا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ العمل الوطني في الكويت، انتقلت فيها القيادة إلى الطبقة الجديدة من المثقفين من كل الطبقات، التجار الصغار والموظفين من عمال وحرفيين. وتجلت الوحدة الوطنية في أبهى حللها فشملت أبناء المدينة والقرى سنة وشيعة، وهذا في الحقيقة يمثل مرحلة من مراحل تطور الكويت. فبعد أن انتهى عصر الأسفار واللؤلؤ وجاءت فترة النفط حصل التغيير فكان الارتفاع بسقف أهداف العمل الوطني، وكذلك في أساليب العمل، واستلم الجيل الجديد مهمة الاضطلاع بتحقيق هذه الأهداف، وهذه سنّة الحياة.

الرابطة الكويتية

كنا طوال فترة الخمسينيات، نتحرك من خلال الأندية، وكانت لجنة الأندية تمثل شرائح متنوعة من الشعب الكويتي، إلا أنها لم تكن تضم التجار ولم تكن لهم واجهة تمثلهم، ومع أنه كان هناك تناغم كبير بيننا، إلا أنهم لم يكونوا في القيادة، فرأينا أن نسد هذه الفجوة كما ذكرت سابقاً ليكون هناك ترابط وثيق بين جميع فئات الشعب، فتألفت لجنة لهذا الغرض من:

1 - جاسم القطامي 2 -  يعقوب الحميضي 3 - عبدالعزيز أحمد العيسى 4 - خالد المسعود 5 - سليمان خالد المطوع 6 - د. أحمد الخطيب

وبعد اجتماعات عدة تقرر أن يسمى التجمع المزمع إقامته «الرابطة الكويتية» ودعوة 18 شخصاً من التجار المهتمين بالعمل السياسي لبحث الفكرة. وتم الاتفاق على أن يعقد الاجتماع الأول يوم الإثنين 23/6/1958 الساعة الحادية عشرة صباحاً في مقر نادي الخريجين. ووجهت الدعوة إلى كل من:

1 - يوسف إبراهيم الغانم 2 - خالد الخرافي 3 - عبدالرزاق خالد الزيد 4 - الشيخ علي الجسار 5 - بدر السالم 6 - دخيل الجسار 7 - أحمد الفوزان 8 - أحمد السرحان 9 - صالح الإبراهيم 10 - أحمد الشايع 11 - بدر الشيخ يوسف بن عيسى   12 - فهد السلطان 13 - سليمان خالد المطوع 14 - يعقوب الحميضي 15 - جاسم القطامي 16 - عبدالعزيز أحمد العيسى 17 - د. أحمد الخطيب

وجرى بحث تمهيدي تقرر معه عقد اجتماع آخر في ديوانية فهد السلطان يوم الأربعاء الساعة الثامنة مساء ليكون الوقت مناسباً للجميع. وفي هذا الاجتماع تشكلت لجنة تأسيسية للدعوة إلى مؤتمر عام ضمّت كل من:

1 - جاسم القطامي 2 - يوسف إبراهيم الغانم 3 - يعقوب الحميضي 4 - الشيخ علي الجسار 5 - د. أحمد الخطيب

واجتمعت مساء يوم 1958/7/2 في ديوانية الحميضي وعرض عليها البيان المنوي توجيهه إلى الشعب للتعريف بالرابطة وأهدافها والدعوة إلى المشاركة، وكذلك مسودة قانون الرابطة والترشيحات لعقد المؤتمر. وفي هذا الاجتماع أكد الحاضرون أنه من الضروري دعوة كبار التجار ممن عُرف عنهم اهتمامهم بالنشاط العام وهم:

1 - عبدالعزيز الصقر 2 - يوسف الفليج 3 - عبدالعزيز الشايع 4 - سليمان المسلم 5 - محمد الخرافي 6 - عبداللطيف الثنيان 7 - حمد صالح الحميضي

واجتمع هؤلاء صباح الخميس 1958/7/3 وقرروا الموافقة على المساهمة معنا كمؤسسين وحضور الاجتماع المنوي عقده يوم السبت مساء.

وهكذا تشكلت الرابطة وأصدرت بيانها الأول تعلن فيه عن تشكيلها وأهدافها ودعوة المواطنين جميعهم دون استثناء للانضمام إلى الرابطة، وحددت الأماكن التالية للتسجيل:

1 - النادي الأهلي. 2 - النادي الثقافي القومي. 3 - نادي الخريجين. 4 - نادي الخليج.

وأصدرت الرابطة الكويتية البيان التالي:

من أول الواجبات الملقاة على عاتق المواطن الصالح هو خدمة بلده ومساعدتها، فلا يجوز أن تطغى المصالح الشخصية الفردية على مصلحة البلد.

إن الكويت اليوم، وهي مقبلة على نهضة شاملة لفي أشد الحاجة إلى مجهودات جميع أبنائها.

إن إيماننا بضرورة مساهمتنا في بناء نهضة بلدنا هو الذي دفعنا إلى إنشاء الرابطة الكويتية، التي أخذت على عاتقها دراسة مشاكل الكويت المهمة دراسة علمية منطقية هادئة بعيدة عن جو المشاحنات والإثارة والاستفزاز.

وهذه الدراسات العلمية لمشاكل البلد سوف توضع تحت تصرف المسؤولين، كما ستنشر على الرأي العام ليطلع عليها ويناقشها.

وإن باب الانضمام إلى هذه الرابطة الكويتية مفتوح أمام كل مواطن مخلص يرى من واجبه المساهمة في خدمة بلده.

إننا نأمل أن يلقى مجهودنا المتواضع هذا التأييد والتشجيع من المسؤولين والأهالي على السواء لنتمكن من أداء واجبنا نحو بلدنا. والله نسأل أن يوفقنا إلى ما فيه خير البلد.

وهكــــــذا بـــدأت الرابــــطة الكويتــــية أعمالهـــا وفي تاريخ 1958/1/19 أصدرت لجنة الدعاية للرابطة الكويتية نشـــــرة للأعضــــاء تُبيِّن ما تم إنجازه.

بيان إلى الشعب الكريم:

يسر الرابطة الكويتية أن توجه هذه النشرة إلى جميع أعضائها ليكونوا على علم بالنشاط الذي بدأت به منذ تأسيسها حتى الآن.

أولاً: اللجان

كونت الرابطة منذ تأسيسها اللجان التالية:

لجنة الدعاية     لجنة الاتصال لجنة الدراسات

ولما كانت الرابطة تهدف إلى دراسة جميع المشكلات في الكويت ووضع الحلول المناسبة لكل مشكلة بعد دراسة وافية، فقد قامت لجنة الدراسات بوضع تقرير مفصل شامل لمشكلة مساكن ذوي الدخل المحدود، كما قد أوشكت على إتمام دراسة مشكلة الماء، كما أنها تدرس المشاكل الأخرى التي تقرر تقديم بحوث ودراسات شاملة لها.

ثانياً: مقر الرابطة:

ما زالت الرابطة تبحث عن مقر مناسب لها وبمجرد الحصول على مكان مناسب سوف تدعو الرابطة جميع الأعضاء لاجتماع للجمعية العمومية حيث يتم انتخاب الهيئة الإدارية.

حدثت بعض التغييرات بالنسبة إلى قبول الأعضاء الجدد، فقد ألغيت التزكية في الانتساب للرابطة، ومن هنا يتضح للشعب أن الرابطة ليست ملكاً لأفراد معدودين، بل إن كل مواطن له الحق في دخولها والمساهمة في خدمة وطنه. أما الاشتراك السنوي فسوف يدفع على قسطين خلال السنة قيمة كل قسط 25 روبية اعتباراً من عام 1959، هذا وسوف توالي الاتصال بالأعضاء في المستقبل.

والله نسأل أن يوفقنا جميعاً لخدمة هذا الوطن .

لجنة الدعاية للرابطة الكويتية

وأصدرت الرابطة بياناً قالت فيه:

نظراً لما تلقاه الرابطة من تشجيع وحماس بين المواطنين فقد قررت اللجنة الإدارية تعيين الأماكن التالية للتسجيل:

1 - النادي الأهلي. 2 - النادي الثقافي القومي. 3 - نادي الخريجين. 4 - نادي الخليج.

وبتاريخ 1959/2/2 تم حل الرابطة الكويتية مع كل الهيئات الشعبية والأندية الرياضية بعد المهرجان الخطابي الشهير في ثانوية الشويخ بالاحتفال بالعيد الأول لمولد الجمهورية العربية المتحدة.

back to top