عميد كلية هندسة البصرة لـ الجريدة: نعاني هجرة الأساتذة ... وعلماء العراق يتعرضون للاغتيال مقابل حفنة من المال الكويت ستبني مستشفى جراحياً تخصصياً في المحافظة يتسع لمئتين وخمسين سريراً
تعمل الجامعات العراقية في بيئة استثنائية قل نظيرها، بسبب الأوضاع الصعبة التي يعيشها هذا البلد، في ظل الحالة الأمنية الخطيرة، التي لم تسلم منها دور العلم، وأدت الى اغتيال عدد غير قليل من الكفاءات العلمية، وهجرة العقول العراقية المتميزة، وتأثيرها البالغ على سيرورة التعليم الجامعي وكفاءته.
عميد كلية هندسة البصرة ورئيس المكتب الاستشاري الهندسي في جامعة البصرة الدكتور صالح الكرناوي، يزور الكويت لاستكمال التصاميم الهندسية لمشروع بناء مستشفى جراحي تخصصي في محافظة البصرة، تبرعت به دولة الكويت ضمن المنحة التي قدمتها لاعمار العراق، «الجريدة» التقته للتعرف على أوضاع الجامعات العراقية، وحالتها الراهنة، في ظل التحولات السياسية والاجتماعية، واستشرافه للمستقبل. • هل خرجتم بنتائج جديدة ضمن زيارتكم للكويت؟- هذه الزيارة الثانية لي لاكمال إعداد تصاميم قسم الجراحة في مستشفى البصرة، الذي قدمته دولة الكويت مشكورة ضمن منحة كويتية لقطاع التعليم، لانشاء ثماني مدارس في محافظة البصرة من ضمن سبع محافظات، وإنشاء مستشفى تخصصي جراحي في مستشفى البصرة.وتكفلت دولة الكويت بدعم هذين المشروعين ماديا، ابتداء من التصاميم حتى آخر مرحلة من اعداد المستشفى، دورنا تنسيقي كمكتب استشاري هندسي في جامعة البصرة، اضافة الى تقديم خدمات هندسية، وسينتهي البناء في المستشفى بعد عامين تقريبا، وتم الاتفاق على توفير 250 سريرا مبدئيا، قابلة للزيادة، وبما أن المساحة صغيرة فهنالك فكرة لبنائه بشكل رأسي، من خمسة طوابق الى عشرة حتى يشمل وحدة الكلى أيضا، وسيتم إعداد الاجهزة من دولة الكويت لقرب المسافة بينها وبين محافظة البصرة.• هل هناك إنجازات في الجانب الاكاديمي خلال السنوات الأربع الماضية؟- الجامعات العراقية أسوة ببقية الدوائر الرسمية تعرضت بعد السقوط لاعمال النهب والسلب، وحاولت كل جامعات العراق تقريبا أن تتغلب على هذه المشكلة، وتعيد بناء نفسها، قبل أن تتفاقم الاحداث الاخيرة، ويصبح هناك عنف طائفي للاسف الشديد، فبدأنا نعاني من الهجرة الداخلية والهجرة الخارجية للعقول العراقية، ولا أغالي لو قلت إن أداء وزارة التعليم العالي أفضل بكثير من وزارات أخرى، رغم كل الظروف الصعبة التي تعانيها، والطبقة الاكاديمية طبقة وطنية أخذت على عاتقها بناء الانسان العراقي من الجيل الجديد، وهذا ليس بالطريق السهل. • بعض الجامعات اغلقت بعض الاقسام بسبب هجرة الاساتذة، فهل انطبق الوضع على جامعة البصرة؟- نستطيع ان نعتبر الوضع في كليات جامعة البصرة جيدا ولابأس به، رغم بعض التدخلات من بعض دول الجوار، لا أنكر أننا فقدنا بعض الاساتذة، لكن مقارنة بجامعات بغداد يبقى العدد أقل، واغلاق بعض الاقسام عملية جيدة ومطلوبة طالما تحررت الدولة من ذلك النظام الدكتاتوري، فيجب أن تكون لتلك الاقسام معايير اكاديمية، وفي البصرة تم إغلاق نحو سبعة اختصاصات، بما فيها الجغرافيا وعلوم الحاسبات والجيولوجيا، وهذه جميعها في الدراسات العليا فقط، أما في الدراسات الاولية فلم يحدث أي غلق لمثل هذه الاقسام، إلا في بعض المناطق الساخنة مثل ديالى وتكريت، ويجب ألا ننسى أن العراق، خصوصا لمن يعملون أو يدرسون في المجالات العلمية، حرم أيام النظام السابق من أشياء تعتبر أساسية في المجال العلمي، كخدمة الانترنت، والقنوات الفضائية، وكانت القفزة الحقيقية لمثل هذه التكنولوجيا بعد عام 1990، وفي هذه الاثناء كان العراق يعاني من الحصار، ومن ظلم النظام، لكن بعد سقوط الديكتاتور تبدلت الامور وأصبح الانترنت في كل بيت عراقي تقريبا، ناهيك عن الهاتف النقال والقنوات الفضائية.• كم نسبة الاساتذة الذين تركوا وغادروا البصرة على سبيل المثال؟- ربما نبالغ اذا قلنا انهم عشرون في المئة، لكن لدينا هجرة داخلية، فمثلا لدينا نحو ثمانية أساتذة من طائفة معينة هاجروا الى الموصل رغم انهم من أبناء البصرة، بسبب الاختلاف المذهبي... وفي المقابل جاءنا اخوة من طائفة اخرى. لكن المشكلة الاساسية، التي عانينا منها فعلا كانت في عام 1991، حين هاجر الكثير من حملة الشهادات العليا وأصحاب العقول المتميزة ونطلق عليهم «الرعيل الاول»، وكانت هذه الهجرة الاولى، وبعد تحرير العراق كانت هناك هجرة ثانية لبعض العقول بسبب تردي الوضع الامني، وخير مثال على ذلك هنا في الكويت، حيث يوجد في أحد المكاتب الهندسية الاستشارية المرموقة اكثر من 12 عراقيا، يعمل منهم خمسة من حملة الدكتوراه ورؤساء اقسام لكليات هندسية، فالمسألة الكبرى التي يدمى لها القلب في العراق، أن الاغتيالات مثلا تتم من خلال إعطاء شخص جاهل لايفقه شيئا مبلغا بخسا من المال، كي يغتال عالما في الهندسة أو في التكنولوجيا أو في الطب، تعب كثيرا على نفسه من أجل أن يصل الى هذه المكانة المرموقة، ونحن في دولنا بأمس الحاجة الى مثل هذه العقول والخبرات. للاسف أصبح العراق طاردا لاهله وناسه بجهل بعض من يتحكمون به، لهذا أتمنى من القائمين على الحركات الدينية أن يتبنوا هذا الموضوع كي يحافظوا على عقول العراق وخبراته البشرية، وأعتبر البصرة بلا وجهاء، فمثلا في عام 1968 بعدما جاء البعث للحكم هاجر كبار تجار البصرة، كبيت الذكير، المزروع، العقيل، وحنا الشيخ، هؤلاء كانوا من وجهاء البصرة، لكن بفعل الوضع السياسي السيئ هاجروا، ومن ثم توالت الهجرات حتى يومنا هذا، كذلك هناك هجرة للاموال وهذا هدر حقيقي لثروة البلد، وشخصيا أعرف الكثير من التجار هاجروا واقاموا المصانع في بعض دول الجوار كالاردن والامارات، في وقت كان يفترض أن تكون هذه المصانع في العراق، لكن بسبب الوضع الامني المضطرب يهاجر هؤلاء بأموالهم بعيدا عن التناحر والتمزق.• ماذا عن «جماعة المتميزين» ؟- بسبب قيادات العراق التي ابتلي بها ايام حزب البعث ونظام صدام حسين، وكان لديهم شعور بالنقص، ابتدعوا فكرة ما يسمى بـ«جماعة المتميزين» والتي جمعت مابين طالب معدله قليل وآخر مشكوك بشهادته، يسمح له تحت مسمى المتميزين بإكمال الدكتوراه، وتخرج الكثير من هؤلاء في تلك الحقبة، ونحن كإداريين وقياديين لانستطيع الآن معالجة هذا الموضوع بشكل جذري، ونسعى الى علاجه بطريقة واحدة، من خلال دورات في العراق وخارجه تسمى «توسيع وبناء الكفاءات» لهؤلاء الاساتذة الذين حصلوا على الدكتوراه من بوابة جماعة المتميزين.