أهداف نووية

نشر في 27-12-2007
آخر تحديث 27-12-2007 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت أبدأ كلامي بتساؤل: هل تصلح المنشآت النووية كأهداف عسكرية؟ يبدو أن أصوات طبول الحرب أصبحت تعلو بمرور كل يوم. ويعلن زعماء الغرب في كل مناسبة أن الخيارات كلها متاحة فيما يتصل بمحاولات صد وكبح طموحات إيران النووية. وفي منتصف شهر نوفمبر نشرت صحيفة «صنداي تايمز» اللندنية في تقرير لها أن إسرائيل كثفت من دفاعاتها حول مفاعل ديمونة النووي في ظل إعلان «حالة الطوارئ الحمراء» ثلاثين مرة، وذلك بسبب تصاعد المخاوف بشأن احتمالات قيام سوريا بعمل انتقامي ضد إسرائيل بعد الهجوم الذي شنته في شهر سبتمبر الماضي على ما اشتبهت في كونه موقعاً نووياً داخل سوريا.

إن مخاوف إسرائيل تعكس التاريخ الفريد لهذه المنطقة من العالم. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية شهدت منطقة الشرق الأوسط عدد من الضربات التي كانت تهدف إلى منع أنشطة نووية: فقد تلقت العراق ضربات كهذه من جانب إيران في العام 1980، ثم من جانب إسرائيل في العام 1981، ثم من جانب الولايات المتحدة طيلة الفترة من العام 1991 إلى العام 2003، بينما وجهت العراق ضربات إلى إيران أثناء الفترة من العام 1984 إلى العام 1987، ثم وجهت ضربة إلى إسرائيل في العام 1991. إلا أن كل تلك الغارات لم تسفر عن عواقب إشعاعية ذات قيمة، إما لأن المنشآت التي تعرضت للضربات كانت تحت الإنشاء، أو لأنها كانت تحتوي على كميات ضئيلة من المواد النووية، أو لأن العناصر المشعة أبعدت من المنشأة قبل توجيه الضربة، أو لأن المهاجمين عجزوا عن إصابة أهدافهم بدقة.

بيد أن الأمر يختلف تماماً في حالة شن هجوم ناجح على مفاعل ديمونة. إذاً، في ضوء التهديد الإشعاعي المحتمل، هل تتجاوز المنافع المترتبة على الاستمرار في تشغيل هذا المفاعل المخاطر التي قد تنجم عن تفجيره؟

إن مفاعل ديمونة فريد من نوعه. فهو المفاعل النووي الأضخم حجماً في المنطقة والوحيد الذي ينتج المواد الداخلة في تصنيع الأسلحة النووية. ومنذ بدأت تشغيل المفاعل في منتصف الستينيات، أنتج العناصر الكافية لتصنيع ما يقرب من مائتي سلاح نووي. كان ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، قد افتتح هذه المنشأة النووية للتعويض عن ضعف إسرائيل على المستوى الإستراتيجي، وجيشها الوليد، وعدم استعداد الغرب للدخول في تحالف رسمي للدفاع عن الدولة اليهودية.

إن مفاعل ديمونة ليس كمفاعل تشرنوبيل، فهو يولد حوالي 5% فقط من طاقة ذلك المفاعل السوفييتي الشهير. إلا أن هذا المفاعل ـ علاوة على وقوده النووي المستهلك، والبلوتونيوم المستخرج منه، والنفايات النووية الناتجة عنه ـ يفرض خطر انتشار الإشعاع النووي في البيئة المحيطة إذا ما تعرض لضربة عسكرية.

يعترف المسؤولون الإسرائيليون ضمناً بوجود هذا الخطر. فقد وزعت السلطات الإسرائيلية أقراص أيوديد البوتاسيوم على سكان المدن القريبة في يورهام، وديمونة، وآروار. وتعمل تلك الأقراص على منع امتصاص الغدة الدرقية للأيودين المشع، وهو أول المخاطر التي يواجهها من يتعرضون للإشعاعات النووية. إلا أن هذه الأقراص لن تمنع العديد من العواقب الصحية الخطيرة الناتجة عن التعرض إلى عناصر مشعة أخرى. واعتماداً على عوامل الطقس وحجم الإشعاع النووي فقد لا تظل العواقب الإشعاعية محصورة داخل إسرائيل.

قد تنتشر العناصر الملوثة الخفيفة والمواقع العالية الإشعاع في المراكز الحضرية الإسرائيلية والفلسطينية والأردنية. وبصرف النظر عن التأثيرات الصحية، فلابد أن يؤدي التلوث إلى ترويع أهل المناطق السكنية المتأثرة، فيدفعهم إلى النزوح المؤقت أو الانتقال بشكل دائم إلى مناطق أخرى. ولسوف يترتب على ذلك عواقب اقتصادية بعيدة الأمد.

ظلت إسرائيل لعقود من الزمان تتعامل مع هذا الخطر من خلال نشر الدفاعات الجوية القوية والتهوين من قدرة أعدائها على ضرب ديمونة. وفي شهر مايو 1984، بعد تأليفي لكتاب عن العواقب التي قد تترتب على وقوع هجمات عسكرية ضد منشآت نووية، سافر أحد ضباط الاستخبارات الإسرائيلية إلى كاليفورنيا ليجادلني بشأن مدى تعرض المفاعل النووي وإحدى محطات الطاقة النووية المقترحة لمثل هذا الخطر. ولقد هوّن الضابط من الخطر قائلاً إن القوات الجوية لأي دولة عربية لم تتمكن قط من التغلب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ولن تتمكن أبداً من أمر كهذا.

عند هذه النقطة كان التاريخ مؤيداً لرأيي تمام التأييد. فرغم نجاح طائرات الاستطلاع المصرية في الطيران بالقرب من ديمونة أثناء العامين 1965 و1967 دون وقوع حوادث، إلا أن إسرائيل أثناء حرب 1967 أسقطت إحدى طائراتها الميراج حين ضل قائدها الطريق فوجد نفسه فوق المنشأة. وفي العام 1973 أسقطت دفاعات ديمونة طائرة مدنية ليبية كانت على مسار مؤدي إلى المفاعل، فقتلت 108 من المدنيين.

إلا أن حرب الخليج التي اندلعت في العام 1991 قضت على كل ما تبقى من الدعم والارتياح الذي كانت إسرائيل تستمده من الماضي. فقد قصفت صواريخ سكود العراقية مدينة تل أبيب، وكاد أحد هذه الصواريخ يصيب مفاعل ديمونة. كما دلل نجاح «حزب الله» في قصف شمال إسرائيل في العام 2006 على ضعف إسرائيل في مواجهة الهجمات الصاروخية. ورغم أن نظام الصواريخ الدفاعية البالستية «أرو» (السهم)، الذي يحيط الآن بمفاعل ديمونة، قد يكون متفوقاً عن نظام باتريوت الذي أثبت فشله في العام 1991، فإن صواريخ «سكود» السورية الأكثر تطوراً وصواريخ «شهاب 3» الإيرانية تشكل تحدياً أعظم مقارنة بقذائف صدّام.

لقد أنتج مفاعل ديمونة كل البلوتونيوم الذي قد تكون إسرائيل في حاجة إليه لتأمين نفسها في حدود المعقول. فضلاً عن ذلك فقد تعرض المفاعل ـ وهو واحد من أقدم المفاعلات في العالم ـ إلى العديد من الحوادث الصغيرة وعلامات التدهور، الأمر الذي يرفع من احتمالات وقوع حوادث أشد خطورة. والخلاصة هنا: إن لم يكن بوسع إسرائيل أن تضمن الدفاع عن المفاعل ضد الهجمات فيتعين عليها أن تبادر إلى إغلاقه.

وبهذا تستطيع إسرائيل أن تكسب بعض الفوائد السياسية أيضاً. فهي تستطيع أن تزعم أن إغلاق المفاعل يؤكد على التزامها بتخفيف التوترات النووية الإقليمية، بينما تبعث برسالة واضحة بشأن مدى الحكمة في بناء مفاعلات نووية في أشد مناطق العالم تقلباً وخطورة.

الحقيقة أن العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقترح بناء محطات طاقة نووية على أراضيها. ونظراً للتاريخ الثابت من استهداف المنشآت الذرية، فلابد أن يفكر المخططون في تلك البلدان ما إذا كان من المنطق أن يقدموا لخصومهم وأعدائهم أهدافاً إشعاعية أضخم كثيراً من مفاعل ديمونة. أظن أن مثل هذه الاقتراحات سوف تظل غير منطقية إلى أن يتمكن الشرق الأوسط من حل خلافاته ونزاعاته السياسية.

* بينيت رامبيرغ ، عمل في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في عهد جورج بوش الأب، وهو مؤلف العديد من الكتب التي تناولت قضايا الأمن الدولي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top