خذ وخل: الملك وإعادة كتابة التاريخ

نشر في 24-10-2007
آخر تحديث 24-10-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

كيف تكون الحال لو أتيح لمسلسل «أسد الجزيرة... مبارك الكبير» العرض خلال رمضان الماضي كما كان مقرراً؟! وأيا كانت المبررات التي كانت وراء وقف عرض المسلسل، ووأده في غمضة عين، فالعبدلله كان يتمنى لو أُتيح عرضه لشبابنا لأنهم -بصراحة- لا يعرفون سوى النزر البسيط عن تاريخ الكويت.

* لعل أهم قضية أثارها عرض مسلسل الملك فاروق هي مسألة إعادة كتابة ورواية التاريخ العربي الحديث والقديم على حد سواء! فعلى الرغم من مرور أسبوعين على انتهاء البث التلفزيوني للسيرة الذاتية للملك فاروق الأول والأخير، فإنه ما زال محل ردود أفعال إعلامية صحفية متباينة من قبل المؤرخين وأساتذة التاريخ الحديث والكتاب الصحفيين وشهود العيان. فالمسلسل التلفزيوني قَدّم صورة و«بورتريه» لشخصية الملك تختلف عن تلك التي رسمها إعلام ثورة يوليو عام 1952، الذي نفى عنه أي صفة طيبة صالحة، وأضفى عليه مثالب وعيوباً ليست فيه! ومن هنا كانت استجابة المتلقين المشاهدين للمسلسل في مصر المحروسة. وفي بقية الأقطار العربية التي عُرض فيها قوبل بالدهشة والإعجاب اللذين أفضيا إلى النجاح الجماهيري.

إن الصورة الشائعة عن سيرته تتبدى بأنه محاط بثلة فاسدة من رجال القصر الملكي، حرّضته على الفساد والمجون والعبث والعربدة! ولم تكن تحفل بتأهيله للمُلك والحكم بتربية تليق بسلطان يحكم أكبر البلاد العربية وأهمها. وكأن هذا الرأي يزعم أن الملك الشاب الذي تسلم الحكم على حين غرة، كان إنساناً صالحاً لو لم يفسده المستشارون الذين كانوا يحيطون به ويعايشونه في القصر الملكي!

* يقول الأستاذ المستشار طارق البشري في معرض تقديمه لكتاب «سنوات مع الملك فاروق» للدكتور حسين حسني، السكرتير الخاص للملك «في خضم ما نُشر وينشر عن الملك فاروق وسياسات القصر الملكي في ذلك العهد، لم يكن كل رجاله من أمثال أحمد حسنين، ولا من أمثال كريم ثابت، وعدلي أندراوس، ولا من أمثال أنطون بوللي وغيرهم.

ولكن كان هناك رجال وطنيون وشرفاء وعلماء، كانوا قلة لم يتح لهم التأثير الفعال، ولكن كانوا موجودين، وحافظوا على نقائهم حتى النهاية».

والحق أن وضع اللوم كله على فساد المستشارين لا يُعفي الملك من التبعات والعواقب! فلو لم يكن شاباً غراً، عنده استعداد للفساد والمجون وغيرهما، لمّا تمكّن مستشارو السوء من تحريضه على العبث والمجون والسلوك غير السوي في الحكم والحياة اليومية. والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو: لِمَ لمْ يختر الملك مستشارين صالحين ناصحين؟! ولِمَّ أصغى لنصائح مستشاري السوء وانصاع لغواياتهم وفتنتهم، ولم يحفل بآراء الرجال الوطنيين الذين أشار إليهم المستشار الأستاذ طارق البشري آنفا؟ إنها مجرد أسئلة افتراضية نطرحها في سياق قضية كتابة التاريخ العربي وإمكان إعادة كتابته بمنأى عن عيب يشينه ويشوهه!

* وقد تداعى إلى ذاكرتي «مسلسل مبارك الكبير»، وأنا أتابع ردود الفعل الصحفية اليومية التي تملأ صحف مصر بالآراء المتباينة الدالة على أن التاريخ العربي سيظل «سمك... لبن... تمر هندي» إلى ما شاء الله!

ومن أطرف ما قرأت في هذا السياق القول إن شخصية الملك «سيكوباتية» مريضة تستوجب التشخيص والتحليل والعلاج! وكأن أصحاب هذا الرأي يرومون منح الملك صك براءة وغفران «كرمى» لمرضه النفسي وخباله وزلاته «القسرية» وخطاياه «اللاواعية» وما إلى ذلك من حيثيات تلعلع بها المرافعات المدافعة عن أخطاء الملك وخطاياه!

وقلت لنفسي إذا كانت سيرة الملك فاروق قوبلت باستجابات متباينة متناقضة تثير البلبلة وما إليها فكيف تكون الحال لو أتيح لمسلسل «أسد الجزيرة... مبارك الكبير» العرض خلال رمضان الماضي كما كان مقررا؟!

وأيا كانت المبررات التي كانت وراء وقف عرض المسلسل، ووأده في غمضة عين، فالعبدلله كان يتمنى لو أُتيح لشبابنا لأنهم -بصراحة- لا يعرفون سوى النزر البسيط عن تاريخ الكويت، وسيَّر أعلامه في السياسة والتنوير والآداب والفقه وغيرها، وأحسبهم باتوا يعرفون تاريخ مصر الحديث أكثر من معرفتهم تاريخ الوطن.

* لا بأس على شبابنا من معرفة تاريخ مصر وغيرها من الأقطار الشقيقة، ولكن شريطة أن يتم ذلك مقروناً بمعرفتهم تاريخهم بكل ما ينطوي عليه من نجاح واخفاق وأحداث ووقائع لا يمكن نفيها لأي سبب من الأسباب. فلا يوجد في العالم تاريخ ناصع البياض، خالٍ من الهفوات والكبوات والدسائس والأخطاء والخطايا والسيئات. اللهم إلا إذا كان التاريخ هنا يتحدث عن جنس الملائكة لا صنف البشر!

ومن هنا أتمنى إعادة النظر في القرار التعسفي الخاص بمنع عرض مسلسل «أسد الجزيرة»، سيما أن نصه تمت إجازته قبل التصوير! وأعرف سلفاً أن السير الذاتية المتلفزة والمكتوبة قد تثير حساسيات، وتفضي إلى ردود فعل سلبية عديدة، ربما لأننا لم نألف بعد ثقافة الاعتراف بالصدق والشفافية المتبدية بالسيرة الذاتية للاعلام.

ومع ذلك ترانا نشاهد بشغف واضح السير الذاتية المتلفزة و»المُسَّينمة» لغاندي، وعمر المختار، وجيفارا، والرئيس كنيدي، والرئيس نيكسون، والمغنية الأوبرالية ماريا كالاس، وسيد درويش، وتشرشل، وغيرهم من أعلام ونجوم السياسة والفن والأدب والرياضة... وغير ذلك! الأمر الذي يشي بأننا بحاجة إلى من يعلق الجرس أولاً في إذن نشر السير الذاتية الوطنية... ومن ثم «ستُكر السبحة». وحبذا لو تكون بداية حبات «السبحة» عرض مسلسل «أسد الجزيرة».

back to top