هل انهارت الثقة في الإبداع المالي؟

نشر في 21-03-2008
آخر تحديث 21-03-2008 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت اكتسب المشككون في التحرير المالي والإبداع المالي المزيد من الجرأة بعد أزمة أسواق الائتمان العالمية، التي تفجرت في منتصف عام 2007، حين بدأ ظهور المشاكل مع سوق الرهن العقاري الثانوي أولاً في الولايات المتحدة.

تُـرى، هل يكون هؤلاء المشككون على حق؟ هل يتعين علينا أن نوقف التحرير والإبداع الماليين لمنع تكرار أزمة كتلك التي ألمّت بأسواق الرهن العقاري الثانوي؟

يرجع ابتكار سوق الرهن العقاري الثانوي بالكامل إلى عقد واحد من الزمان، حيث لم يرد تعبير «الرهن العقاري الثانوي» في أي لغة قبل عام 1994، ويقوم هذا الابتكار على قروض عقارية ذات أسعار فائدة قابلة للتعديل، وأنواع جديدة من التزامات الدين الثانوية، ووسائط استثمارية مركبة.

قبل ذلك، لم يكن مستثمرو القطاع الخاص يمنحون قروضاً عقارية لمن لا يتمتعون بتاريخ ائتماني ممتاز.

لكن رغم أن الأزمة الحالية تبدو في بعض الأحيان كأنها راجعة، ولو على نحو جزئي، إلى الابتكارات المالية الجديدة، إلا أن تحرير أسواق المال كان أمراً طيباً في الإجمال.

في عام 2005 وجد خبراء الاقتصاد غريت بيكارت، وكامبل هارفي، وكريستيان لوندبلاد في دراسة قاموا بها، أن النمو الاقتصادي يرتفع بمتوسط نقطة مئوية واحدة سنوياً في البلدان التي حررت أسواق الأوراق المالية لديها، وسمحت لها بالعمل بحرية من دون تدخل من الحكومة، وتميل معدلات النمو الأعلى إلى الارتباط بموجة من الازدهار الاستثماري، الذي يتأتى بدوره كنتيجة لانخفاض تكاليف رأس المال اللازم لإنشاء الشركات.

بطبيعة الحال، رغم أن الترتيبات المالية المعقدة تسمح لنا بالتحرك نحو الأمام اقتصادياً، إلا أنها قد تؤدي أيضاً إلى خلق مخاطر جديدة، ولنتأمل على سبيل المثال السقالات والمعدات المحيطة بمواقع البناء، قد يتعثر الناس أحياناً في المعدات، أو قد تسقط إحدى القطع من السقالات، فيؤدي ذلك إلى عواقب مأساوية.

ففي كل مرة نشيد بناءً جديداً تنشأ احتمالات التأخير والتعرض للعقبات. إلا أننا نتعلم مع كل نكسة أو عقبة جديدة، ولتقليل مخاطر الحوادث تعمل الحكومات وشركات التأمين على تطبيق متطلبات سلامة أفضل وأكثر إحكاماً. ويصدق نفس الوصف على الكوارث المالية، مع الوقت.

إن الولايات المتحدة واحدة من أكثر دول العالم تحرراً على الصعيد المالي، ولابد أن تكون الجودة العالية التي تتمتع بها أسواق المال هناك من بين الأسباب المهمة التي دعمت النمو الاقتصادي القوي نسبياً في أميركا، ولولا هذا القدر الضخم من التحرر المالي، فلربما كانت الولايات المتحدة الآن تواجه كارثة اقتصادية مدمرة، في ظل تدني معدلات الادخار والعجز المالي الهائل على مدار العقود القليلة الماضية.

والسبب بسيط. فقد تتسنى فرص استثمارية رائعة للشركات لتوسعة منشآتها وتحديث معداتها، والاستثمار في البرمجيات الحديثة، واستغلال الأبحاث الجديدة وسبل التدريب الحديثة في الارتقاء بكفاءة العاملين، إلا أن هذه الفرص قد تذهب أدراج الرياح بسبب نقص السيولة النقدية أو المخاطر المرتبطة بالاقتصاد الشامل، وأسواق المال النشيطة الفعّالة تمكن الشركات من استغلال الفرص على الرغم من هذه القيود، وذلك بحثّ وتشجيع المستثمرين على تقديم رؤوس الأموال اللازمة، كما يتشجع المستثمرون بدورهم حين تعمل مبتكرات الوقاية المالية والتنوع المالي على حمايتهم.

لم تنقطع المناقشات بشأن ما إذا كانت الأسواق الثانوية الجديدة، التي توفر مثل هذه الوقاية المالية، تميل إلى زيادة أسواق المال تقلباً، إلا أن المراقبين يجمعون على أن هذا غير صحيح.

في عام 2000 قام نائب كبير خبراء الاقتصاد لدى إدارة التحليل الاقتصادي التابعة للجنة السندات المالية والبورصة سيتوارت مايهيو، بإجراء دراسة مسح للمواد الغزيرة المنشورة عن هذا الموضوع، واستنتج أنه من الصعب أن نجزم بما إذا كانت الأسواق الثانوية تسببت في زيادة تقلب الأسواق المالية، لأن الأسواق الثانوية لا تنشأ إلا في وجود أسواق مالية متقلبة بالفعل، أو من المتوقع أن تصيبها حالة من التقلب، فضلاً عن ذلك فهو لم يتوصل إلى أي دليل يشير إلى أن الأسواق الثانوية تؤدي إلى تقلب أسواق النقد الأصلية؛ بل إنها تعمل في واقع الأمر على تقليص قابلية السوق للتقلب.

وقد لا يكون السؤال عن التأثير على تقلب الأسواق المالية الأصلية هو السؤال المناسب، حين نقرر ما إذا كان علينا أن نسمح بإنشاء منتجات ثانوية جديدة، بل إن السؤال الواجب هنا هو ما إذا كانت هذه المنتجات قادرة على دفع النمو الاقتصادي وإحراز النجاح.

وهنا يستنتج مايهيو أن الأسواق الثانوية الجديدة تعمل على زيادة السيولة النقدية، وتحسين جودة المعلومات المرتبطة بالأسواق المالية القائمة.

ومما لا شك فيه أن توفر السيولة وجودة المعلومات من العناصر التي تحرك النمو الاقتصادي.

لقد كشفت أزمة الرهن العقاري الثانوي عن مشاكل خطيرة لابد من معالجتها. على سبيل المثال، الحاجة إلى توفير قدر أعظم من الحماية للمستهلك في تعامله مع منتجات التجزئة المالية، ومتطلبات أكثر صرامة لتنفيذ حبس الرهن، وأدوات أفضل تصميماً للوقاية من المجازفات.

الحقيقة أن بعض الابتكارات الجديدة المرتبطة بأزمة الرهن العقاري الثانوي، وأبرزها القروض ذات أسعار الفائدة المعدلة، قد تكون قيمته الاسترجاعية ضئيلة، إلا أن بعضها الآخر كتلك المرتبطة بدعم الرهن العقاري بالسندات المالية، يشكل إبداعاً على قدر كبير من الأهمية على الأمد البعيد، لأنها يساعد على توزيع المجازفة على مختلف أنحاء العالم بكفاءة أكبر.

لذا، لا ينبغي لنا أن نعمل على إبطاء أو إعاقة الإبداع المالي عموماً، بل يتعين علينا أن نشجع مثل هذه الإبداعات، إذ أن بعض الإصلاحات الناتجة عن أزمة سوق الرهن العقاري الثانوي قد تأتي في هيئة المزيد من الإبداع، الأمر الذي لابد أن يؤدي في النهاية إلى صقل أسواقنا المالية وتعظيم حنكتها وخبراتها.

 

* روبرت جيه. شيلر | Robert J. Shiller

أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة يـال، وكبير خبراء الاقتصاد لدى مركز أبحاث الأسواق الشاملة (LLC) الذي شارك في تأسيسه، ومؤلف كتاب «الوفرة الطائشة»، وكتاب «النظام المالي الجديد: المجازفة في القرن الحادي والعشرين»

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top