الكافيار... ذهب أسود إلى زوال! سوقه السوداء تتخطى التجارة المشروعة بعشرة أضعاف
في حال استمر الطلب الحالي على الكافيار، سينقرض سمك الحفش الثمين من بحر قزوين خلال 14 عاماً، فهل نستطيع إنقاذه ونستمتع في الوقت عينه بأحد المنتجات الطبيعية الفاخرة؟
يعتبر سمك الحفش أحد أقدم أجناس الأسماك، إذ يعود إلى عصر الديناصورات، وقد يصل طول الواحدة عادةً إلى أربعة أمتار ونصف المتر تقريباً، ويعيش بعضها حتى 80 عاماً أو أكثر، ما يمنحها اسم اللوثيان أو الحيوان البحري الأضخم من بين أسماك المياه العذبة، وعلاوةً على معدلات النمو والتكاثر البطيئة، لن تكون الأعداد الوافرة لسمك الحفش كبيرة بعد الآن، وما يسمى بـ«الذهب الأسود» الكامن في داخل الناضجات جنسياً من إناث هذا النوع، يعني أن هذا الجنس يوشك أكثر من أي وقت مضى على الانقراض إلا إذا ضبط بشكل كبير. ويوشك سمك الحفش الأميركي على الانقراض، بسبب اصطياده المفرط والجشع لازدهار اقتصاد الكافيار المستخرج من بحر قزوين، ويؤمن هذا السمك 90% من الكافيار في العالم، ولكنه سيؤول إلى الزوال ما لم تعتمد رؤية طويلة الأمد، ووفقاً للصندوق العالمي للبيئة الطبيعية، تقلص اصطياده بنسبة 96% في السنوات العشرين الأخيرة.أصدرت الدول الموقعة على اتفاقية التجارة الدولية في الأجناس المهددة بالانقراض أو ما يعرف بـ«سايتز»، هذا الشهر حصصها الجديدة من الصيد والتصدير في مسعى الى الحد من الإفراط في صيد سمك الحفش، وجاءت الحصص أدنى من مستويات عام 2007، في حين شهدت إيران انخفاضاً في حصتها من الكافيار المستخرج من سمك الحفش الفارسي بنحو ألف كيلوغرام، أحدثت عملية تحديد الحصص الإزعاج على مدى السنوات الأخيرة، لا سيما منذ حلّ الاتحاد السوفييتي. إذا كان كل من إيران والاتحاد السوفييتي ضبطا في السابق مخزون السمك بشكل كبير، فقد تداعى مثل هذا التقدم الآن مع نيل دول أذربيجان وتركمانستان وكازاختسان الواقعة على سواحل بحر قزوين استقلالها. اتفاقية سايتز وفي عام 2001، عمدت الحكومات، على سبيل المثال، بموجب اتفاقية «سايتز» إلى وقف تجارة سمك الحفش إلى حين إجراء مسح علمي حول المخزون، ووضع خطة مشتركة لإدارته وحفظه كجزء من «القرار المتعلق بسمك الحفش»، بعدها، استؤنفت التجارة فيه في عامي 2002 و2003، ولكن اتفاقية سايتز عجزت عن نشر الحصص في عام 2004، لأن الدول التي تصطاده لم تتقيد بالقرار. يشار إلى أن إيران الواقعة على البحر الأسود غير خاضعة لمراقبة سايتز، لكنها تحتفظ بنظام إدارة ناشط. وفي عام 2005، لم تخاطر الولايات المتحدة وحظرت استيراد الكافيار المستخرج من الحيتان البيض من بحر قزوين، وهو نوع ليس مختلفاً فحسب، وإنما الأفضل نوعية أيضاً، وفي عام 2006، عجزت اتفاقية «سايتز» مرة أخرى عن المصادقة على الحصص، وهو حظر رفع جزئياً فحسب العام الماضي. في الوقت عينه، يتوقع علماء في وزارة الصيد البحري في إيران أن ينقرض سمك الحفش في بحر قزوين خلال 14 عاماً على الرغم من محاولة مزارع السمك إعادة ملء المخزون. في هذا الإطار، تقول جوليا روبرسون، مديرة البرامج في منظمة «سي ويب» للحفاظ على المحيطات: «إنها مسألة تتعلق بالسيطرة على الوضع المذري المتمثل في تقلص عدد سمك الحفش بشكل غير مسبوق، خصوصاً في بحر قزوين، يجب أن يعلم العالم كله أن الكافيار ليس خياراً أخلاقياً بكل بساطة، وذلك عبر حث المطاعم على إلغائه من قائمات الطعام لديها والمتاجر الكبيرة من رفوفها، إنه من الأطعمة الفاخرة التي يمكننا الاستغناء عنها». ولكن لا يبدو ذلك قابلاً للحصول، إن استمر الطلب في التزايد. تنطبق الحصص، حتى عندما تكون فاعلة، على التجارة المشروعة، التي تناضل مسبقاً لبلوغ المستويات المجمع عليها، لاسيما بسبب سوء إدارة ثروات بحر قزوين، بما في ذلك سد المجرى الأولي الذي يصب فيه، ومنع الوصول إلى مساحات تكاثر الأسماك فيه، فضلاً عن الضرر البيئي بسبب التلوث الصناعي، فالصيد غير القانوني والتجارة غير المشروعة للكافيار لا يزالان بالزخم عينه، ويقدر بأن السوق السوداء للكافيار تتخطى التجارة المشروعة المحددة بـ50 مليون جنيه استرليني بمعدل عشرة إلى واحد. تربية الحفش في المزارع لا شك في أن التربية المائية، أي تربية سمك الحفش في المزارع، وهي ظاهرة تزداد شيوعاً في اسبانيا وكاليفورنيا والأورغواي والصين وفرنسا، قد تؤمن بديلاً أكثر إقناعاً عن الكافيار المستخرج من الحفش، وعلى الرغم من وجود درجة من الفخامة تميّز بين الكافيار المستخرج من الأسماك البرية وتلك التي تربى في المزارع، تؤمن الجهود، التي تبذلها الشركات على غرار Caviar House and Prunier (تملك مزرعة ناشطة في بوردو) في مجال الحفاظ على هذه الكائنات، نماذج قابلة للاستمرار من الناحية التجارية، قد تخفف الضغط عن مخزون الكافيار المستخرج من بحر قزوين، وقد تنهي على الأرجح السوق السوداء، فحتى الحكومة الإيرانية تمنح قروضاً خالية من الفائدة وتقدم الخبرة للمستثمرين لافتتاح مزارع لسمك الحفش في المياه الإيرانية. ووفقاً لروغار، يعني جنس الحفش المستخدم أن نوعية البيض المستخرج من الأسماك التي تربى في المزارع، من حيث اللون والحجم، قد لا تتلاءم ونوعية الكافيار البري الفاخرة، ولكن النكهة لا تختلف، فالمعركة الآن أصبحت واضحة، يقول روغار: «سيسعد الطهاة البارزون، وحتى المتخصصون بالكافيار المربى في المزارع، عندما يتعرفون إليه بالطريقة المناسبة، خصوصاً أن المزيد منهم ينظرون في المسألة الأخلاقية، فالتباهي مستمر جزئياً بسبب سمك السلمون المربى في المزارع، والذي ينتج على نطاق ضخم وصناعي بشكل مختلف عن السلمون البري، يتوقع الناس الفارق نفسه في أنواع الكافيار، ولكن الحفش سمك حساس جداً يجب أن يتكاثر في ظروف شبيهة بتلك التي تسود في الحياة البرية، ونحن الآن نتجه إلى مرحلة تربية الكافيار المتوافر في المزارع فحسب، ومعه ستظهر منافسة جديدة على النوعية والسعر». وبالفعل، وفقاً لسيمون شيفيرد من مؤسسة Caspian Caviar، لا يمكن التمييز غالباً بين الكافيار المستخلص من الحفش البري أو ذلك المربى في المزارع، فقد أجرى اختبارات وراثية على عينات من الكافيار لإثبات الفارق لبعض الشارين، يتطلب الأمر الكثير من الوقت والمال لتربية الأسماك في المزارع، فهو عمل مكلف وعالي التكنولوجيا، فإذا كان البيض يحصد عادةً بعد أن تصبح سمكة الحفش ناضجة جنسياً، عبر نزع المبيض، وقتل الأسماك في هذه العملية، تعمل الشركات الآن على وضع رقاقات داخل الأسماك للسماح لها بتقدير وقت الحصاد المثالي بشكل أفضل. أدرجت شركة Prunier أجهزة مسح ما فوق الصوتية لمساعدتها في هذه العملية. والخطوة الثانية قد تتمثل في تطبيق تقنيات اختبارية تسمح بالاستئصال الجراحي للبيض من سمك الحفش الحي، مما يسمح له بالاستمرار في العيش وإنتاج المزيد من البيض، وفي الوقت الراهن، تؤدي هذه العملية إلى تدمير الغشاء الذي يعطي للكافيار شعبيته المميزة، ويقول بيتر رابيز، المدير الإداري في شركة Caviar House and Prunier: «لا تزال تقنية تربية سمك الحفش في المزارع في مراحلها الأولى، ولكنها تمضي قدماً لحماية الأجناس، وتخفيف الضغط عن الأسماك، ما زال هناك الكثير للقيام به لتشجيع المستهلكين على التحول إلى السمك المربى في المزارع، فالأشخاص الذين يصرون على تناول الكافيار البري لا يدركون أن هذا الأمر خطأ». الذهب الأسوديمكن القول إن اطلاق اسم «الذهب الأسود» على بيض سمك الحفش أو الكافيار، كما هو معروف بشكل شائع، ليس مبالغاً فيه، فنحو أربع أوقيات من كافيار الحوت الأبيض يمكن التجارة به مقابل أوقية واحدة من البيض المائل إلى الصفار. كذلك، فإن سعره ثابت، إذ يصل سعر الاول إلى 100 جنيه استرليني لكل 50 غراماً، بغض النظر عن الحالة الاقتصادية، وإن كان نهر هادسون منذ قرنين أنتج سمك الحفش بشكل وافر، بحيث راحت الحانات تقدم بيض السمك من دون رسوم لتحفيز الشرب (إذ يحتوي على حتى 8% من الملح)، فندرة السمك الآن لا تولد إلا ارتفاعاً في أسعار الكافيار، الأمر الذي يشجع على الشراء بشكل مفرط واصطياد المزيد من هذا السمك.كذلك، لم تشوه صورته، فالكافيار أشبه بساعة رولكس لا تخلو منها سهرات العشاء الفاخرة، إذ يرمز إلى الثروة والنجاح بقدر هذه الساعة الفاخرة، وهو مثال للمستوى المعيشي الرغيد حتى بين أولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكلفته، وقد شهدت أرباح مركز لندن المالي والتجاري الكبيرة، في السنوات الأخيرة، ارتفاعاً مفاجئاً في مبيعات الكافيار، عندما تهافت الأثرياء على إنفاق أموالهم على هذا المنتج، ولا عجب في أن المبيعات التي بلغت نسبتها 95% في سوق الكافيار حققتها أكثر الدول ثراء في العالم، وهي دول الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، اليابان، سويسرا.ويقول رامين روغار، المدير الإداري في شركة إمبريال كافيار، «يرغب الجميع في الانغماس في حلم المليونير، ولكن من الأفضل أن يحب المرء الكافيار لمذاقه بدلاً من صورته».