إلى أين – 6

نشر في 25-07-2007
آخر تحديث 25-07-2007 | 00:00
 علي البداح

لو أجرينا إحصائية بأنواع السيارات القاتلة فسنجد أغلبها من السيارات الفخمة السريعة. لماذا لا بد أن نشترى لابنائنا سيارات فخمة وسريعة؟ عندنا الإمكانات؟ نعم .. ولكن أليس عندنا العقل؟ ألا نحب أولادنا؟

يموت على الطرقات الكويتية ما معدله 1 إلى 3 إنسان يومياً وأضعاف هذا العدد يسقطون جرحى يومياً أيضاً، أي أن ما تأخذه الطرقات منا في عام واحد يفوق عدد شهداء حرب واحتلال العراق للكويت عام 1990. معظم قتلى وجرحى الطرقات من الشباب. فهل تساءلنا لماذا؟ وحين تساءلنا وعرفنا لماذا ماتوا ولماذا جرحوا... هل عملنا شيئاً يوقف سيل الدماء؟ هل وقف الأهل والجهات المعنية بالحفاظ على البشر، إن كان لهذه الجهات وجود، ليضعوا حدا لهذا الهدر في حياة الأحبة من أبنائنا وإخواننا؟ هل سمعنا عن عائلة توفي لديها ابن نتيجة السرعة، سحبت السيارات من بقية أبنائها واشترت لهم سيارات قليلة السرعة مثلاً؟

قلت مرة إن إحساسنا تبلد، فالتجارب تدلنا على أن الأب الذي فقد ولداً على الطريق نتيجة السرعة اشترى بعد أيام سيارة أسرع للابن التالي، وكأنه لم يكتف بفجيعة واحدة ويسعى إلى أخرى. هل اعتقد أن ما حدث لن يتكرر أم أن أحاسيسنا قد ماتت؟ حتى الموت لم يغير في عاداتنا وتقاليدنا شيئاً، فها نحن نحب أبناءنا أم نحب التظاهر من خلالهم؟ أليست العائلة التي تشترى سيارة تسابق الريح لابن أو بنت في ريعان وفوران الشباب إنما تحكم عليه وعليها بالموت؟ هل ندرك هذا أم أننا غير قادرين على أن نقول «لا» لفلذات أكبادنا حتى في أمر قد نفقدهم فيه إلى الأبد؟

من المؤكد أن أجواء الكويت تتطلب وجود وسيلة مواصلات مريحة، ورغم أن الطرق اختنقت بكثرة السيارات، فلنفترض أن المسؤولين لا يستطيعون، أو لا يريدون، إيقاف استيراد السيارات أو تقديم بدائل لمنع اكتظاظ البلاد بها، فهل لا يستطيع ولي الأمر أن يختار لابنه السيارة التي تخفف من احتمال المخاطر؟ لو أجرينا إحصائية بأنواع السيارات القاتلة فسنجد أغلبها من السيارات الفخمة السريعة. لماذا لا بد أن نشترى لابنائنا سيارات فخمة وسريعة؟ عندنا الإمكانات؟ نعم .. ولكن أليس عندنا العقل؟ ألا نحب أولادنا؟ ألا نريدهم أن يعيشوا ويكبروا ويشكلوا عائلات جديدة تواصل ما قام به الآباء؟ ألا يريد كل إنسان أن يرى ابنه وقد صار أبا وجداً ورأى أحفاده، وحمد الله على أنه رآهم قبل أن يموت؟ أليس هذا ما يردده الأبوان؟ اللهم بلغني بهم، ونعني أن نرى ذريتهم. فهل نسينا هذا؟ هل أصبح تفكيرنا يتوقف على شراء محبة الأبناء بسيارة موت سريع؟

وماذا عن الحكومة والجهات المعنية بحماية الارواح، وماذا عن المشرعين في بلادنا؟ ألا يقرؤون الإحصائيات أم أنهم يكتفون بحضور العزاء كل يوم فترتاح ضمائرهم؟ ألم يزورا أو يعلموا ببلاد شرَّعت لحركة وعدد السيارات للحد من هذه المآسي على طرقاتها؟ هل تعلمون ما هي قوانين سنغافورة لتسمح للعائلة بشراء سيارة ثانية؟ أليس من المحزن أن يقضي مجلس الأمة سنوات وتصرف ملايين الدنانير على قضية واحدة وتتعطل بسببها مصالح البلاد والعباد، بينما قضية مقتل العشرات والمئات من أبنائنا لا تحرك فيهم شعرة؟ ألا يستحق أبناؤنا من الحكومة ومجلس الأمة وقفة بعيداً عن مصالح شركات السيارات وبعيداً عن أصوات الشباب الانتخابية، ليشرعوا قوانين تحميهم من هذا الجنون؟ ترى ألسنا كلنا مجرمين بقتل هؤلاء الأبناء... وأن سكوتنا جريمة أكبر؟

كلما سمعت عن حادثة، وكلما رأيت في الشارع شاباً في عمر الزهور يتلوى بين السيارات بسرعة فائقة يريد إثارة إعجاب الآخرين سألت نفسي، هل يدري أبواه ماذا عملا عندما اشتريا له مثل هذه السيارة؟

إن ما يحدث «بطر» بنعمة الله وازهاق لأرواح أبنائنا وإهدار لثروة وطنية يحتاج إليها الوطن هي أفضل رأسمال بنيناه لبلدنا. فلماذا نحن غائبون أو مغيبون عن حماية هذه الثروة؟

هل مات الإحساس فينا وانتهى؟

back to top